عقارات / متر مربع

د. خديجة حمودة : هيا نُسجل تاريخ البحث عن السلام والارتواء

د. خديجة حمودة

 هيا نُسجل تاريخ البحث عن السلام والارتواء

 
الارتواء هو مضاد العطش وما أدراكم ما هو العطش والحاجة إلى قطرة ماء واحدة دون أمل! والارتواء ضرورة للحياة لجميع المخلوقات على الأرض، وفى قاموس المعانى ذكر أن ارتواء الأرض هو سقيها بما فيه الكفاية وأن الفعل منه روى، والمفعول به مروى منه، وأن الماء الروى هو الماء الكثير الذى يروى القوم والأرض، أما الحكم القديمة فقد قيل فيها إن الماء نماء وعطاء وأعطونى ماء أعطيكم ظلاً وجمالاً، وهذه الجملة تُلخص للعالم ما يحتاجه أهل هذه المدن المنكوبة التى فقدت الحياة وجميع صورها، وأولها الماء والسلام والظل والزرع! إنها الأراضى الفلسطينية وأبناؤها وعائلاتها ونساؤها.

فى وسط هذه المعارك ومع تعدّد المؤتمرات التى تُعقد بحثاً عن السلام، والتى تنتقل من بلد إلى آخر وتجمع الزعماء والرؤساء والملوك وتحرك طائراتهم ومواكبهم وحراسهم وحقائب أوراقهم ووزراء دفاعهم وسفرائهم والملحقين العسكريين فى تلك البلاد ليصطفوا فى مراسم استقبال رسمية تُسجلها الكاميرات التليفزيونية، التى تبث كلماتهم على الهواء للعالم، كما لو كانت دليلاً على الوجود والمشاركة والبحث عن حلول سريعة وتستجدى معها الكلمات والوعود التى لا تتحقّق أصبح لزاماً علينا البحث عن مؤرخ عسكرى محايد، ليُسجل لنا تلك الأحداث الدموية بأمانة ودقة ورصد واعٍ وضمير إنسانى عالٍ حتى لا تضيع الحقوق ولا ينسى العالم أسماء الشهداء من عظماء هذه الأرض ومن المدنيين أصحابها بعد أن تمزّقت واحترقت أوراق السجل المدنى الفلسطينى بفقد عائلات بأكملها وأجيالها التى لم يعد لها أثر، ومدارسها وجامعاتها التى سُويت بالأرض وإلى جوارها منشآتها التجارية والصناعية واختفت منتجاتها من الأسواق العالمية، نحن فى حاجة إلى كتيبة كاملة من الكتّاب والمؤرخين، ليُسجّلوا تلك الوقائع الدامية ويرصدوا محاولات التسوية الفاشلة ويُحللوا أسباب الفشل والأهداف من وراء الرفض الدائم لأى طريق يصل بالأطراف المتصارعة إلى السلام، وليحتفظوا بأسماء وصور هؤلاء القادة الدمويين الذين خططوا ورسموا ونفّذوا تلك العمليات القذرة التى تحاول أن تمحو مدناً بأكملها، وأن تُلوث تاريخ مناضليها وتحولهم من فدائيين إلى قراصنة وقتلة وباحثين عن أمجاد مزورة.

وإذا كان المؤرخ توماس جى باترسون كتب عن الحرب العالمية الثانية أنها قلبت العالم رأساً على عقب، كما سجّل كتاب الحرب الباردة مقدمة قصيرة جداً لروبرت جيه ماكمان، والتى ترجمت إلى العربية، سجل تلك المآسى التى شهدها العالم فى الفترة من 1939 إلى 1945، فمن سيُسجل لنا أحداث حرب 7 أكتوبر ؟ علينا أن نتوقف قليلاً ولو لساعات، لنقرأ أعداد ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية قبل أن ننزلق إلى الثالثة بلا عودة.

فالتاريخ العسكرى سجل لنا أن الحرب العالمية الأولى التى بدأت عام 1914 وانتهت فى 1918 جمع لها أكثر من سبعين مليون فرد عسكرى، 60 مليوناً منهم أوروبيون للمشاركة فى واحدة من أكبر الحروب فى التاريخ، وأن أكثر من تسعة ملايين مقاتل وسبعة ملايين مدنى لقوا مصرعهم فى هذه الحرب، كما تسبّبت هذه الحرب فى أسر 6 ملايين سجين ووضع 20 مليون مدنى تحت الاحتلال عام 1915، ولجوء أكثر من 10 ملايين فى جميع أنحاء أوروبا ورمّلت 3 ملايين امرأة ويتّمت 6 ملايين طفل. ورغم كل هذه الخسائر والجهود التى بُذلت لوقفها، حيث عقد مؤتمر الصلح فى فرساى بحضور 32 دولة، بالإضافة إلى مندوبى الدول المهزومة للاستماع إلى الشروط التى صدرت بحقهم وتوقيع وفرنسا والولايات المتحدة على معاهدة الصلح لتتبعها بعد ذلك ألمانيا ثم النمسا التى وقّعت معاهدة (سانت جرمان) مع بلغاريا، إلا أن بعض الصراعات التى لم تُحل فى نهاية النزاع، وأسهمت فى اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد عشرين عاماً فى الفترة من 1939 إلى 1945. هذه الحرب التى كان من نتائجها وفاة 60 مليون شخص، ثلثاهم من المدنيين كما تكبّد الطرف المنتصر ضحايا أكثر من الطرف الخاسر، ويكفى ما ذكر فيها وكتب عن تلك الحرب من أن 20% من إجمالى سكان الاتحاد السوفيتى وبولندا ويوغوسلافيا لقوا حتفهم، مما دفع رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل فى ذلك الوقت إلى وصف أوروبا بعد الحرب بأنها كومة من الأنقاض ومقبرة وأرض خصبة للأوبئة والكراهية.

الآن لا بد أن نسترجع تلك الأرقام المفزعة والأحداث الثقيلة على ذاكرة الشعوب لنقف بقوة أمام استمرار القتال أو الوصول إلى حرب عالمية ثالثة، ونُسجل ونكتب ونلتقط الصور حتى تكون إثبات على ما يحدث الآن، وعلى ضياع الماء والسلام وحاجتنا إلى الارتواء.
 
 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا