في صباحٍ خريفي في دمشق، كانت رند، الطالبة في كلية الصيدلة تستعد للذهاب إلى جامعتها في ريف محافظة درعا جنوبي سوريَة. وبينما كانت والدتها تذكّرها بارتداء المعطف قبل الخروج، فتحت هاتفها المحمول وضغطت على تطبيق (يلا جو)، فهي لم تَعد بحاجة إلى الانتظار على الرصيف أو التفاوض مع سائقي سيارات الأجرة، وذلك في حال فاتها موعد حافلة الجامعة.
خلال دقائق معدودة؛ ظهر على شاشة هاتفها اسم السائق، ونوع السيارة، والوقت المقدر للوصول. ابتسمت وهي تتحدث عن تجربتها إلى موقع البوابة التقنية: “هذا التطبيق أنقذني من التأخير المتكرر، وخصوصًا في الصباحات المزدحمة”.
تجربة رند ليست استثناءً، بل تعكس ملامح تحوّل متسارع يشهده سلوك المستهلك السوري، فقد ارتقت تطبيقات التوصيل والنقل الذكي من مجرد رفاهية إلى ضرورة حيوية في الحياة اليومية لشريحة متنامية من السوريين. فهذه الخدمات، التي تشمل تأمين التنقل إلى الجامعات أو أماكن العمل وطلبات الطعام والمستلزمات المنزلية، ترسّخ نفسها كبديل منظم وشفاف، مقتحمة بذلك حاجز التحديات الاقتصادية والقيود التقنية التي لطالما كبّلت السوق السورية.
من الجائحة إلى ولادة سوق جديد:
لقد ظهر أول تطبيق لتوصيل الطعام في سوريَة في عام 2016 بالتحديد في دمشق على يد رائدَي أعمال شابين هما: هادي نحاس وعبد الملك المزين، لكن الانتشار الحقيقي لهذه التطبيقات جاء بعد جائحة كورونا سنة 2020، فمع إغلاق المطاعم وصعوبة التنقل، وجد الكثير من السوريين في التطبيقات ملاذًا لتأمين حاجاتهم.
وفي هذا الصدد، يوضح الخبير التقني، طلال هاشم، أن الجائحة كانت بمنزلة الصدمة التحفيزية، مشيرًا إلى أن استخدام التطبيقات قبل 2020 كان محدودًا للغاية ويُعدّ رفاهية، لكن الإغلاق حول الطلب عبر الهاتف إلى ضرورة، الأمر الذي غّير سلوك المستهلك، وأعطى دفعة قوية للشركات الناشئة كي تستثمر أكثر في تحسين خدماتها.
لكن مع انحسار الجائحة واستئناف الحياة الطبيعية بعد عام 2021، وجدت هذه التطبيقات نفسها أمام منعطف حاسم وتحدٍ مزدوج: فكيف يمكنها استبقاء العملاء الذين عادوا إلى عادات الشراء التقليدية، وفي الوقت ذاته، توسيع قاعدة مستخدميها في بلد يعاني ضعفًا كبيرًا في البنية التحتية التقنية.
تطبيقات الركاب.. من التاكسي العشوائي إلى النقل الذكي:
يُعدّ ظهور تطبيقات النقل الذكي من أبرز التطورات اللافتة، إذ توفر تجربة أكثر شفافية وأمانًا مقارنة بسيارات الأجرة التقليدية. ومن أبرز هذه التطبيقات:
- تطبيق (يلا جو) YallaGo: وهو شائع في دمشق ومدن أخرى، ويتيح للمستخدم تحديد الموقع والوجهة ورؤية الأجرة مقدمًا.
- تطبيق (كابتن كار) Captain Car: يقدم خيارات متعددة تشمل سائقات سيدات للنساء والعائلات، وتنتشر خدماته في دمشق وريفها.
وتختلف هذه التطبيقات عن سيارات الأجرة التقليدية في أنها تقدم تجربة أكثر شفافيةً وأمانًا فالمستخدم يعرف هوية السائق سابقًا، ويستطيع تقييم الرحلة بعد انتهائها.
ويرى طلال هاشم أن هذه التطبيقات تؤدي دورًا مضاعفًا في بلد مثل سوريَة، التي تعاني تراجعًا شديدًا في النقل العام، مشيرًا إلى أنها ليست مجرد وسيلة نقل، بل نظام شبه بديل، منظم أكثر، ويُدخل عنصر الثقة الرقمية بين السائق والراكب”.
أما رند فتروي بابتسامة: “ذات مرةٍ نسيت محفظتي في السيارة. خلال دقائق تواصلت مع الدعم الفني وأعاد لي السائق المحفظة. ربما لو كنت في سيارة أجرة لما استرجعتها أبدًا”.
خدمات التوصيل.. وجبات ومستلزمات بضغطة زر:
بالتوازي مع النجاح المعقول لتطبيقات النقل، انتشرت تطبيقات الطعام والتسوق، منها:
- تطبيق (Bee Order): يغطي دمشق وحلب والساحل، مع خدمة متابعة دقيقة للطلب.
- تطبيق (Movo): يتيح طلب الطعام والهدايا والمستلزمات المنزلية.
- تطبيق (Target Market): يركز على المواد التموينية والمنتجات اليومية.
ويقول أحد مستخدمي تطبيق (Movo) لموقع”البوابة التقنية” في دمشق: “أحيانًا أطلب هدايا لخطيبتي المقيمة في حلب من خلال التطبيق. الأمر أسرع وأسهل مما توقعت”.
ومع ذلك، تبقى الخدمة محدودة في مدن معينة، إذ يصعب على تلك التطبيقات الانتشار في الكثير من المناطق الريفية بسبب ضعف الإنترنت وتكاليف التوصيل المرتفعة.
عقبات تقنية واقتصادية تؤخر النمو:
على الرغم من النمو الملحوظ في استخدام تطبيقات التوصيل والنقل الذكي في سوريَة، لا تزال هذه الخدمات تواجه مجموعة من العقبات الهيكلية التي تعيق نموها الكامل. فقد أكد وزراء الحكومة الجدد، وفي مقدمتهم معالي وزير الاتصالات، عبد السلام هيكل، في أكثر من مناسبة، أن تحسين البنية التحتية الرقمية يمثل أولوية، مشددًا على التزام وزارته بتوفير إنترنت سريع لكل منزل وشركة في البلاد عبر مشروع (برق نت).
وتتجسد أبرز التحديات التي تواجه السوق السورية اليوم في ثلاثة محاور رئيسية:
- ضعف الإنترنت: سرعات محدودة كثيرًا ما تؤدي إلى تعطيل الطلبات.
- غياب الدفع الإلكتروني: الاعتماد شبه الكامل على الدفع النقدي عند الاستلام يحدّ من مرونة التعاملات.
- تراجع القدرة الشرائية: التضخم وارتفاع الأسعار يحدان من قدرة المستهلك على دفع تكلفة الخدمات الإضافية للتوصيل.
وهنا يعلّق الصحفي الاقتصادي، حازم رياض، قائلًا: “تطبيقات التوصيل في سوريَة ما زالت أقرب إلى مبادرات ناشئة، وليست صناعة متكاملة. الاقتصاد المنهك لا يوفر لها البيئة المناسبة للنمو السريع، ومع ذلك، هناك سوق واعدة، خاصة أن أغلب السوريين شباب يملكون هواتف ذكية، ولديهم قابلية للتأقلم مع الحلول الرقمية”.
المنافسة العالمية.. سيف ذو حدين:
في ظل الحديث عن تحسن الأوضاع وبدء عودة خدمات تقنية ومالية كبرى، يبقى السؤال الأبرز عن مصير هذه الشركات المحلية في حال دخول عمالقة عالميين مثل أوبر أو كريم أو طلبات إلى السوق السورية.
وفي هذا الصعيد، يرى هاشم أن “دخول لاعب عالمي سيشكل تحديًا كبيرًا. أوبر تملك أنظمة دفع رقمية متطورة، وشبكة واسعة. لكن في سوريَة هذه العناصر غير متوفرة بعد. هذا يمنح التطبيقات المحلية فرصة لبناء قاعدة قوية قبل أن يطرق الكبار الباب”.
بينما يحذر رياض من أن المنافسة قد تكون سيفًا ذا حدين، وذلك: “إذا دخلت تلك الشركات العالمية في مجال تطبيقات توصيل الركاب والطعام، فإنها قد تجذب الاستثمارات وتوفر فرص عمل، لكنها قد تؤثر بشدة على الشركات المحلية ما لم تحصل الأخيرة على دعم تشريعي وتمويلي”. مشيرًا إلى أنه لا يمكن مقارنة موارد شركة عالمية بموارد شركة ناشئة سورية تعاني تكاليف مرتفعة وشحّ في التمويل”.
هل يغيّر السوريون سلوكهم؟
رغم نمو هذه الخدمات، فمازال الكثير من السوريين يفضّلون الطرق التقليدية. فالبعض لا يثق بالتطبيقات الرقمية، والبعض الآخر يعتبرها “رفاهيةً”، لا تتناسب مع ضيق الحال الاقتصادي. لكن جيلًا جديدًا – مثل رند وزملائها – بدأ يرى في هذه التطبيقات مفصلًامن حياته اليومية، إذ يقول طالب آخر: “حتى لو ارتفعت الأسعار قليلًا، أفضل أن أطلب عبر التطبيق. أعرف التكلفة سابقًا ولا أتعرض للابتزاز”.
ويعكس هذا التحول البطيء بداية تغيّر في ثقافة الاستهلاك داخل سوريَة، خاصة مع بدء رفع العقوبات على البلاد، وبدء عودة خدمات بعض الشركات التقنية والمالية الكبرى مثل جوجل وماستركارد.
سوق عطشى:
اليوم، يعيش السوري بين تطبيق يوصله إلى الجامعة، أو زيارة قريب بعيد وغير ذلك، وآخر يجلب له الغداء أو مواد التموين، ورغم أن التجربة ما زالت محدودة ومليئة بالعقبات، إلا أنها ترسم ملامح اقتصاد رقمي ناشئ.
ويختم الإعلامي الاقتصادي، حازم رياض، حديثه قائلًا: “السوق السورية عطشى، والطلب موجود، لكن العرض ما زال هشًا إذا توفرت بنية تحتية أفضل ودفع إلكتروني آمن، يمكن لهذه التطبيقات أن تتحول إلى رافعة اقتصادية حقيقية، خصوصًا في مرحلة إعادة الإعمار المقبلة”.
أما طلال هاشم فيرى أن: “الرهان الأكبر اليوم هو على الثقة. متى ما شعر المستهلك أن التطبيق يوفّر له الأمان، والدقة، والشفافية، فإنه سوف يواصل استخدامه خاصة مع تحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد”.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة البوابة العربية للأخبار التقنية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من البوابة العربية للأخبار التقنية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.