- تمضي الأيام والسنون، تطوي الكثير من تفاعلاتنا اليومية، فننساها. ويكتب الله لبعضها الحفظ والبقاء بطرق لا نعلمها. أعرض عليكم اليوم، من هذه الأشياء، رسالة كتبتها لوالدي - رحمه الله- ، أثناء بعثتي للدراسات العليا. نسيتها كغيرها من الأشياء في حياتي. ثم فاجأتني أختي الفاضلة أم سمر بعرضها على منصة العائلة. شكلت طفرة إيحاء، قرأتها مرات، فأبحرت في ملكوتها مندهشا متسائلا، في مركب تقلبات الزمن، حياة تموج بالكثير.
- لم أسأل الأخت النشمية لماذا احتفظت بها طوال هذه السنين؟ رسالة بخط يدي، رأيت أن أعرضها أمامكم، وعليكم، فهي تحمل خارطة علاقة بين أب وابن، رأيتها مفيدة في زمن نعيشه اليوم بتغيرات تحمل أبعادا توحي وتقول. أعرضها دون تغيير، حتى في صنوف أخطائها اللغوية.
- لكم حق استنتاج ما ترون، أيضا لشخصي نفس الحق بعد كل هذه السنين المجيدة من حياتي. وجدت بدايتها ونهايتها خاليتان من رتوش الديباجة النمطية المعهودة. خاطبت أبي بعظمة زرعها في نفسي تجاهه - رحمه الله -. ولأنها طويلة على عدد كلمات المساحة الممنوحة لمقالي الأسبوعي، اعرضها في جزئين. إليكم نص الرسالة، الجزء الأول:
بسم الله الرحمن الرحيم
والدي الكريم الفاضل حامد بن علي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
- ما زلت أذكر الكثير والكثير من روافد الخير التي بذرتها في نفسي منذ الصغر، وبالتحديد في السنة الأولى الابتدائي، تلك السنة التي بدت رحلتي فيها مع العلم.
- ما زلت أذكر وأنت تعمل جاهدا على تدريسي وتقول: هذا الكتاب اللفه إنسان مثلي، لم يكن يعرف القراءة والكتابة، ولكنه تعلم حتى أصبح يؤلف الكتب. هذه البذور الطيبة ما زلت أذكرها حتى اليوم.
- ما زلت أذكر أنك الأب الطموح الذي غادر قريته وهو لا يعرف الكتابة، ولكنه كان يعمل نهارا ويدرس ليلا إلى أن أصبحت قادرا على القراءة وقادرا على الكتابة. انه التحدي، وانه الطموح، وانه البحث عن حياة أفضل.
- ما زلت أذكر أنك الأب العصامي الذي استطاع أن يبني حياة مثالية له ولأفراد أسرته.
- ما زلت أذكر أنك رجل طيب وصالح، تصل الرحم وتعطي بغير حدود، ومتسامح مع الناس كلهم. لم تكن الدنيا أكبر همك، ولكن همك الوحيد أن تكون رجلا صالحا يقوم بالواجب تجاه الله وتجاه كل قريب له. وكنت كذلك وما زلت.
- ما زلت أذكر مواقفك الطيبة معي. لقد أعطيتني الثقة التي جعلتني فخور بك.
- ما زلت أذكر وصاياك وأنت تقول: لا تمشي مع من هو أكبر منك، ولكن كن رفيقا للشاطرين من الطلاب والمجتهدين. إنها وصايا قيمة خدمتني في حياتي وسهلت الكثير من مهامي. لقد حافظت تلك الوصايا على نفسي من الانحراف والشر والفساد، وغرست في أعماقي الكثير من القيم وحب الخير للناس.
- ما زلت أذكر أنك كنت تقول لي: على الإنسان أن يحاول ويحاول، فالإنسان لم يطلع القمر من أول وهلة، ولكنه حقق إنجازاته بعد محاولات ومحاولات. وقد كان هذا عونا لي ونورا في درب دراستي قادني للنجاح.
- مازلت اذكر انك منحتني كامل الثقة في سن مبكر، وما زلت أذكر أن الكثيرين من الشباب كان يحسدني على ابوتك. يتبع الأربعاء القادم.
@DrAlghamdiMH
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.