فيديو / صحيفة اليوم

أم الجود


في عالمٍ يختلط فيه صدى الأسماء مع وقع الأحداث، هناك شخصيات لا تحتاج إلى ضجيج لتُخلّد ، تبقى في الذاكرة مثل نقشٍ غير مرئي على جدار الزمن، يُحسّ ولا يُرى هكذا هو إرث الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز آل سعود «أم الجود» و»أم الإنسانية»، إرث مختلف، ليس سطور تُكتب في سجل التاريخ فقط، بل أثر يعيش بين تفاصيل الأرواح التي لمستها.
لم تكن الأميرة صيتة بحاجة إلى الأضواء لتكون حاضرة، حضورها كان في أثرٍ عميق لا يحتاج إلى صخبٍ لتأكيده، وفي عالم تُقاس فيه الإنجازات بعدد الأوسمة أو حجم المشاريع الضخمة، كان إرثها مختلفاً، إرثها كان في إنسانيتها التي عَبَرت حدود الألقاب، وفي عطاءٍ لا يُقاس بالأرقام، بل بحجم الأمل الذي زرعته في النفوس، إنها تلك البصمة التي لا تُرى بالعين المجردة لكنها محفورة في ذاكرة من عايشوا روحها. إرثها لم يكن تاريخٍ عائلي مرتبط بجذور ملكية كريمة، بل كان امتداداً لفكرة: أن العظمة ليست فيما تملكه، بل فيما تمنحه، كانت تملك القدرة على تحويل البساطة إلى رسالة، والصمت إلى حكمة. لم تتحدث كثيراً عن نفسها، لأن أفعالها كانت تتحدث بوضوح لا يحتاج إلى ترجمة.
في مجتمع يزخر بالشخصيات البارزة، بقيت الأميرة صيتة -رحمها الله- رمزاً مختلفًا، لأنها لم تسعَ لأن تكون اسما لامعا في سجل طويل، بل اختارت أن تكون أثراً في حياة الآخرين. إرثها لم يكن أفعال عابرة، بل سلسلة من المواقف والمبادرات التي شكلت نسيجاً إنسانياً فريداً، كانت تعرف أن الإرث الحقيقي ليس فيما يُقال عنك بعد رحيلك، بل فيما يبقى حياً في قلوب من مررت بحياتهم. اللافت في إرثها أنه كان صامتاً بقدر ما كان مؤثراً، لم يكن بحاجة إلى مهرجانات تكريمية أو احتفالات ضخمة لقد عاشت لتؤمن بفكرة أن العطاء الحقيقي هو الذي يُقدم دون انتظار رد جميل. لم يكن كرمها واجب ديني واجتماعي فقط، بل قناعة راسخة بأن القلوب تُروى بالعطف قبل أن تُغذى بالكلمات. ولم تكن إنسانيتها محصورة في دائرة ضيقة من العلاقات، بل امتدت لتشمل قضايا المجتمع، ودعم المبادرات التي تعزز من كرامة الإنسان، لم تكن تسعى للشهرة في عمل الخير، بل كانت ترى أن القيمة الحقيقية للعطاء تكمن في خلوه من حب الظهور. إرثها هو انعكاس لفلسفة شخصية: أن القوة الحقيقية ليست في القدرة على السيطرة، بل في القدرة على منح الآخرين الأمل دون قيد أو شرط. ربما كان بإمكانها أن تختار حياة يسهل اختصارها في سطور رسمية، لكنها اختارت أن تعيش حياة لا يمكن حصرها في كلمات.
إرثها هو هذا التناقض الجميل: حياة بسيطة في مظهرها، لكنها عميقة في تأثيرها. كانت تشبه الموجة التي تمر بهدوء، لكنها تترك أثرها على الشاطئ طويلاً بعد رحيلها. وفي عالمٍ يركض وراء الإنجازات السريعة، كان إرث الأميرة صيتة مثل وقفة تأمل وتذكير بأن ما يبقى ليس دائماً هو ما يُقال في الأخبار أو يُكتب في الكتب، بل ما يظل نابضاً في تفاصيل لا يلتفت إليها الكثيرون، إرثها هو ذلك الحضور الذي لا يعتمد على زمن، لأن تأثيره تجاوز اللحظة واستقر في وجدان من عرفوها.
في .. ربما لا يحتاج إرث الأميرة صيتة إلى تعريف أو .. يكفي أن نقف أمامه صامتون، كما نقف أمام لوحة فنية لا تحتاج إلى شرح. يكفي أن نشعر به، أن نستحضره في لحظات تأملنا لما يعنيه حقاً أن يكون الإنسان عظيماً، فالعظمة الحقيقية ليست ما تتركه خلفك من أشياء، بل ما تتركه من معنى. وهذا هو إرثها.
@malarab1

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا