منوعات / صحيفة الخليج

«كاي تاك» من مدرج طائرات مرعب إلى محطة بحرية وحديقة

إعداد: محمد عز الدين
في قلب هونغ كونغ، وبين ناطحات السحاب والجبال وميناء فيكتوريا، كان يقبع أحد أكثر المدارج رعباً في عالم الطيران، مدرج «كاي تاك».
ولعقود طويلة، كان هذا الشريط الخرساني الضيق يختبر أعصاب أكثر الطيارين خبرة، ويجعلهم يتصببون عرقاً.
طوال 73 عاماً، ظل ملايين الركاب يمسكون بمساند أذرعهم أثناء الإقلاع أو الهبوط بالمطار سيئ السمعة، وكانت الطائرات تمر بالقرب من المباني السكنية عند اقترابها من المدينة، لدرجة تسمح برؤية ما يطهى داخل المطابخ. وكان سكان تلك المناطق يتوقفون عن الحديث عندما تهدر المحركات فوق رؤوسهم، فيما تُسحب قطع الغسيل من الشرفات وتهتز مراوح السقف مع كل رحلة.
من أجل الهبوط في كاي تاك، كان على الطيارين تنفيذ مناورة خطِرة تعرف بـ منعطف هونغ كونغ، وهي انحراف يدوي مفاجئ بزاوية 47 درجة نحو لوحة شطرنج ضخمة مرسومة على تل قريب. كانت الخطوة بالغـة الدقة، لدرجة أن أي خطأ صغير قد يؤدي إلى كارثة. لذلك كان الطيارون يخضعون لتدريب متخصص قبل منحهم إذن الهبوط هناك.
وانتشرت عبر الزمن لقطات للطائرات العملاقة، مثل بوينغ 747، وهي تصارع الرياح وتعبر فوق الشوارع المزدحمة قبل أن ترتطم عجلاتها بقوة على المدرج الذي ينتهي مباشرة في البحر. ولم يكن غريباً أن يحصل المطار على لقب نوبة كاي تاك القلبية.
وعلى الرغم من خطورته، ظل كاي تاك مركزاً مهماً لشركات الطيران الكبرى مثل «كاثي باسيفيك» و«دراجون إير»، ولعب دوراً أساسياً في النمو الاقتصادي لهونغ كونغ. غير أن ضيق مساحته وتزايد التلوث الضوضائي فرضا واقعاً جديداً، ما دفع السلطات إلى فرض حظر ليلي، ثم اتخاذ قرار تاريخي ببناء مطار جديد في تشيك لاب كوك.
وفي 6 يوليو/تموز 1998، تجمع الآلاف على الواجهة البحرية لوداع كاي تاك ومشاهدة الإقلاع الأخير من مدرجه الأسطوري.
بعد إغلاقه، شهد الموقع واحدة من أكبر عمليات إعادة التطوير في هونغ كونغ. فقد أعيد تصميم المدرج السابق ليصبح محطة كاي تاك للرحلات البحرية، وهي منشأة مستقبلية الشكل تحمل توقيع مهندس غيركين الشهير في لندن. واليوم، تستقبل المنطقة سفناً ضخمة تحمل آلاف السياح بدلاً من طائرات بوينغ 747.
كما تحولت نهاية المدرج إلى حديقة عامة هادئة ذات إطلالات بحرية جميلة، يمارس فيها السكان الرياضة ويقضون وقتاً عائلياً في المكان نفسه الذي كان شاهداً على أجرأ عمليات الهبوط في العالم.
وفي محيط الموقع، نشأ حي حديث يضم شققاً فاخرة ومراكز تسوق وملاعب وفنادق، ليصبح حي كاي تاك واحداً من أكثر المناطق طلباً في المدينة.
وعلى الرغم من التغيير الهائل الذي طال المكان، ما زالت ذاكرة كاي تاك حاضرة لدى من عاشوا أيامه الصاخبة؛ إذ تلاشى الخوف الذي كان يرافق الهبوط فيه، لكن الأسطورة بقيت قصة مطار تحدى الطبيعة والعمران، وترك بصمة لا يمحوها الزمن.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.