ستمر قريباً 10 أعوام على الاستفتاء حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يبدو أن البريطانيين لا يستطيعون تجاوز خروج بريطانيا من الاتحاد، فقد جدد رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر، في مقابلة مطولة مع صحيفة «الأوبزرفر»، التكهنات حول عودة المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي. وقال نائبه، ديفيد لامي، بشكل أو بآخر إنه يؤيد العودة.
لن يحدث ذلك أبداً، لأسباب عدة، ولكن لماذا تسعى الحكومة البريطانية على ما يبدو إلى إحياء الحرب الثقافية الشديدة التي أعقبت التصويت الأصلي على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
قرار الخروج
كان قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي انضمت إليه بريطانيا قبل نصف قرن عندما كان اسمه «المجموعة الاقتصادية الأوروبية»، بنتيجة استفتاء ضيقة للغاية. وفي استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد، في يونيو 2016، صوت 52% لمصلحة الخروج، مقابل 48% لمصلحة البقاء في الاتحاد الذي يضم 28 دولة.
كانت النتيجة صدمة كبيرة لوسائل الإعلام، التي كانت تتوقع فوز البقاء، وكذلك للمؤسسة البريطانية الليبرالية اليسارية. واستقال رئيس الوزراء المحافظ، ديفيد كاميرون، في صباح اليوم التالي للتصويت، في وقت رفض فيه الخاسرون قبول النتيجة، وادعى المعلقون في صحيفتي «الغارديان» و«الأوبزرفر» اليساريتين أن الناخبين قد خُدعوا بالمعلومات المضللة الروسية التي نشرتها خوارزميات الإنترنت، وأن نشطاء بارزين في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تلقوا تمويلاً روسياً.
إلا أن لجنة الانتخابات وجدت في تحقيقها أن ادعاءات التدخل لا أساس لها من الصحة، لكن الكثيرين في اليسار لايزالون يعتقدون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي رجح كفة الميزان ضد البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وواصل السياسيون اليساريون الجدل بأن قراراً بهذه الأهمية ما كان يجب أن يتخذ بفارق ضئيل في الأصوات (على الرغم من أنهم ما كانوا ليقولوا هذا أبداً لو كانت النتيجة عكس ذلك). واستمرت المسيرات والتظاهرات المناهضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خارج «وستمنستر» لسنوات. وقاد ستارمر، قبل أن يصبح زعيم حزب العمال، والوزيرة نيكولا ستورجون، من الحزب الوطني الأسكتلندي، حركة تطالب بإعادة الاستفتاء. وقالت ستورجون إنه بما أن الأسكتلنديين صوتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي، فيجب السماح لأسكتلندا بالانفصال عن المملكة المتحدة.
الانقسام حول أوروبا
في النهاية، وبعد معارك ليلية ملحمية في مجلس العموم حول الشروط الدقيقة لاتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع بروكسل، خرجت بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي في يناير 2020. وكان رئيس الوزراء آنذاك، المحافظ الجديد بوريس جونسون، قد حقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات، بفضل وعده بـ«إنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي». ولكن المؤيدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي مازالوا يصرون على أن خروج بريطانيا من الاتحاد أدى إلى تراجع النمو الاقتصادي البريطاني. وفي الواقع، فإن النمو في المملكة المتحدة منذ الاستفتاء يضاهي النمو في اقتصادات مماثلة مثل فرنسا وألمانيا.
أصبح الانقسام حول أوروبا جزءاً من حرب ثقافية أوسع نطاقاً بين النخب الليبرالية المؤيدة للهجرة في الأوساط الأكاديمية والإعلامية والشركات الكبرى، وما يُعرف بـ«المهمشين»، وهم ناخبو الطبقة العاملة في المناطق المحرومة اقتصادياً، الذين عارضوا الهجرة الجماعية.
ولم تكن بريطانيا أبداً أكثر انقساماً مما هي عليه الآن. وقد شوه هذا الانقسام الذي لم يتم حله، المجتمع البريطاني، وهو يسهم بلا شك في الركود الاقتصادي والجيوسياسي الذي تعاني منه بريطانيا.
حقل ألغام
إذاً، هل يمكن أن يكون كير ستارمر جاداً في إعادة فتح هذه الجروح، وإشعال معركة أخرى حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ لقد وعد قبل انتخابه رئيساً للوزراء في يوليو 2024 بأن حزب العمال لن يعود للانضمام إلى السوق الأوروبية الموحدة أو الاتحاد الجمركي أو منطقة «شنغن» للحركة الحرة. فما الذي ينوي فعله الآن؟
إن احتمال إجراء استفتاء آخر على العودة إلى الاتحاد الأوروبي سيكون جنوناً، لاسيما بالنظر إلى عدم شعبية حكومة حزب العمال وستارمر نفسه. فهو، في بعض استطلاعات الرأي، رئيس الوزراء الأقل شعبية منذ بدء تسجيل الاستطلاعات في عام 1977. فلماذا يسعى إلى الدخول في «حقل ألغام» آخر؟
ثمن باهظ
لابد أن ستارمر يعلم أن ذلك لن يحدث أبداً، نظراً لأن الاتحاد الأوروبي لن يرحّب بعودة المملكة المتحدة المخطئة بأذرع مفتوحة، وسيفرض ثمناً باهظاً على عودة بريطانيا، ولو كان ذلك فقط لتشجيع الآخرين.
في الشهر الماضي فقط، منعت بروكسل بريطانيا فعلياً من الانضمام إلى اتفاقية التمويل الدفاعي الأوروبي «سايف»، من خلال فرض رسوم دخول عقابية، وهو ما لم تستطع الحكومة البريطانية قبوله. وقد أوضحت بروكسل بشكل لا لبس فيه أن بريطانيا سيتعين عليها أن تعود إلى المجموعة بشروط «الاتحاد».
قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت تتمتع باتفاقية مميزة للغاية، وربما لا تتكرر. والأهم من ذلك، أنها حصلت على استثناء من الـ«يورو»، العملة الأوروبية الموحدة، إذ عادة ما يتعين على الدول التي تسعى للانضمام إلى الكتلة قبول الـ«يورو»، كعملة لها، شرطاً للعضوية. ولكن بريطانيا استثنيت من ذلك، كما حصلت على خصم كبير من الميزانية الأوروبية، تفاوضت عليه رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة، مارغريت تاتشر في الثمانينات. كما سيتعين على بريطانيا أن تعتمد نظام حرية التنقل من دون تأشيرة لمواطني الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، وهو ما كان مصدر الكثير من الجدل حول الهجرة قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
إن فكرة أن ستارمر سيفتح حدود بريطانيا مرة أخرى، وينفق مليارات من الأموال العامة على بروكسل، ويقبل عضوية العملة الموحدة التي تم إلقاء اللوم عليها في الأزمات المالية المتكررة في أوروبا، فكرة سخيفة، وهذا لن يحدث أبداً.
مرة أخرى، لماذا أعاد ستارمر فتح هذه القضية؟ لا يمكن استبعاد عدم الكفاءة المطلقة. لقد كان ستارمر يائساً منذ أن دخل مكتب رئاسة الوزراء، وقد يكون هذا مجرد بُعد آخر من أبعاد خلل حكومته.
عن «ذي أميركن كونسرفتيف»
رأي البريطانيين حالياً
يشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين في بريطانيا ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي بعين الرضا. وبعض الناخبين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد يشعرون بالتأكيد بالندم. وتعتقد صحف مثل «فاينانشال تايمز» و«الإيكونوميست» أن بريطانيا خسرت لأنها مستبعدة، بدرجات متفاوتة، من سوق أوروبا التي تضم 500 مليون نسمة. ولكن هذا قبل أن يتوقفوا للتفكير فيما قد يترتب على العودة إلى الاتحاد الأوروبي.
. «الاتحاد الأوروبي» لن يرحّب بعودة المملكة المتحدة «المخطئة» بأذرع مفتوحة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
