أحمد بن سليّم
السعي نحو الريادة العالمية ليس معادلة صفرية، بل هو سباق طويل قائم على التعاون، تحرّكه روح الابتكار المستمر والرؤية الاستراتيجية البعيدة المدى. وقد شكّل هذا النهج حجر الأساس في مسيرة النجاح الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة. فبينما رسّخنا مكانتنا كبوابة عالمية للتجارة ورؤوس الأموال والمواهب، فإن التحولات المتسارعة في القطاع المالي، بفعل التحول الرقمي وتعقّد سلاسل التوريد العالمية، تفرض علينا أن نواكب طموحنا مع هذه المتغيرات.
وقد تجسدت هذه الحقيقة بوضوح بالنسبة لي خلال الأيام الماضية في أبوظبي، حيث شاركت في مؤتمر بيتكوين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأسبوع أبوظبي المالي. وقد أكدت النقاشات الدائرة على أرض الواقع رسالة واضحة مفادها أن مستقبل القطاع المالي سيُبنى في البيئات التي تتكامل فيها التشريعات والبنية التحتية والابتكار معاً.
ويقودني ذلك إلى الإطلاق الاستراتيجي البالغ الأهمية لمنظومتين ماليتين متميزتين ومتكاملتين في آنٍ واحد: منصة فين إكس (FinX) التابعة لمركز دبي للسلع المتعددة في دبي، ومجمّع التقنيات المالية والتأمين والأصول الرقمية والبديلة (FIDA) في أبوظبي، والذي تم الكشف عنه هذا الأسبوع. وعند النظر إليهما معاً، فإنهما يشكّلان ركيزتين متكاملتين تعزّزان بشكل كبير مكانة دولة الإمارات كمركز مالي عالمي، مع توفير منظومة خدمات شاملة ومتخصصة للشركات والمستثمرين وأصحاب الثروات العالية.
التوقيت الاستراتيجي لخطوتنا الجماعية
إن توقيت هذين الإطلاقين ليس محض صدفة. فالمشهد العالمي لرأس المال يُعاد تقييمه، وممرّات التجارة تتحوّل شرقاً، والمؤسسات المالية تعيد النظر في المخاطر والمرونة واليقين التنظيمي. واستجابةً لذلك، سرّعت دبي وأبوظبي وتيرة دمج التمويل والتكنولوجيا في صميم محركاتهما الاقتصادية.
تستند منصة فين إكس التابعة لمركز دبي للسلع المتعددة، التي تم الإعلان عنها خلال النسخة الثالثة عشرة من مؤتمر دبي للمعادن الثمينة، إلى هذا المنطق. فهي تقع في قلب أكثر المراكز التجارية نشاطاً في العالم، ولا تُعدّ خدمة مالية عامة تقليدية. فقد صُممت لتواكب واقع تجارة سنوية تتجاوز 500 مليار دولار في السلع والمعادن الثمينة، وهي أسواق تظل مركزية للنمو العالمي، لكنها تاريخياً لم تحظَ بالاهتمام الكافي من قبل المؤسسات المالية العالمية.
أما مجمّع FIDA في أبوظبي، فيركّز على دفع حدود الابتكار المالي إلى الأمام. فتركيزه على الذكاء الاصطناعي، وتقنية البلوك تشين، والأصول الرقمية يضع أبوظبي في موقع الحاضنة الإقليمية للخدمات المالية من الجيل القادم، جاذباً المبتكرين العالميين، والبروتوكولات، ورأس المال الاستثماري الباحث عن وضوح تنظيمي وعمق مؤسسي.
منصة «فين إكس»
بالنسبة لمركز دبي للسلع المتعددة، تُعدّ منصة فين إكس امتداداً طبيعياً لرسالتنا المتمثلة في تسهيل وتنظيم التجارة العالمية.
مع وجود أكثر من 26,000 شركة مسجلة في المركز، يعمل العديد منها في مجالات السلع، والخدمات اللوجستية، والتجارة العالية القيمة، فإن أولويتنا هي إزالة العقبات وتعزيز مسارات السيولة. وتعالج منصة فين إكس التحدي المزمن للتمويل التجاري من خلال دمج الوصول إلى الخدمات المالية المتقدمة مباشرة ضمن دورة التجارة، بما يوفر تسويات أسرع، وإدارة مخاطر أفضل، وتمويلاً مخصصاً للأصول المادية العالية القيمة.
وفي الوقت نفسه، لا يقتصر دور منصة فين إكس على التمويل التجاري التقليدي. فهي توجد عن قصد عند تقاطع التجارة والتكنولوجيا ورأس المال، مع دور واسع لتقنيات التتبع المدعومة بالبلوك تشين، والتسوية الرقمية، وإدارة المخاطر المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والأصول الرقمية المرتبطة بالنشاط الاقتصادي الفعلي. ويعكس طموحها الحقيقة التي تقول إن منصات التجارة الحديثة يجب أن تكون متكاملة بين الجانبين المادي والرقمي على حد سواء.
بالنسبة للشركات التي تتاجر بالذهب والماس والسلع الزراعية، فإن ذلك يعني وجود منصة مخصصة تفهم مخزونهم ومخاطرهم ومتطلباتهم التنظيمية. أما بالنسبة لأصحاب الثروات العالية، الذين يمتلك كثير منهم ثروات موزعة بين الأصول المادية والرقمية، فإن منصة فين إكس تقدّم منتجات مالية منظمة وحفظاً متوافقاً مع اللوائح، يربط بين الأصول الملموسة والعالم المالي الرقمي.
مجمّع FIDA في أبوظبي
في حين تقوم منصة فين إكس بتحسين ورقمنة التمويل التجاري التقليدي، يهدف مجمّع FIDA إلى دفع حدود الابتكار في القطاع المالي. وتكمن قوة مجمّع FIDA في تركيزه على خدمات مالية من الجيل القادم. ومن خلال توفير بيئة تنظيمية تجريبية ومركز لمنصات التداول المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتمويل اللامركزي، ومبادرات ترميز الأصول، توفّر أبوظبي بيئة يمكن من خلالها توسيع النماذج المالية الرقمية بطريقة مسؤولة. ويكمن الهدف في تعزيز المصداقية وضمان توافق الابتكار مع معايير الحوكمة، وليس في السرعة وحدها.
بالنسبة للمستثمرين وأصحاب الثروات العالية، يوفّر مجمع FIDA الوصول إلى البنية التحتية والوضوح التنظيمي اللازمين لإدارة الاستثمارات وتوسيع نطاقها في الاقتصاد الرقمي بدءاً من محافظ العقارات المُرمَّزة وصولاً إلى نماذج الاستثمار الخوارزمية.
استراتيجية وطنية شاملة
لا تحتاج دولة الإمارات إلى مركزين ماليين متطابقين، بل إلى منظومة تغطي الطيف الكامل للتمويل العالمي.
ويتجلى هذا التميّز بالفعل في بنيتنا التحتية السوقية ذات الصلة. فسوق أبوظبي للأوراق المالية (ADX) يظل قائماً في المقام الأول على الأسهم، في حين تخصصت بورصة دبي للذهب والسلع (DGCX) منذ فترة طويلة في المعادن الثمينة والعملات وعقود السلع الآجلة. ويستقطب كل منهما مشاركين واستراتيجيات ومصادر رأس مال مختلفة، ومعاً يقدمان عمقاً، وخيارات متنوعة، ومرونة أكبر.
وينطبق المنطق ذاته على منصة FinX ومجمّع FIDA. فهما يشكّلان معاً ممرّاً مالياً ورقمياً بين دبي وأبوظبي، مركزين للتميّز مرتبطين من خلال التوافق في السياسات، والثقة التنظيمية، والطموح المشترك.
من خلال العمل بشكل متكامل، تضع منصة FinX ومجمّع FIDA دولة الإمارات ضمن قلة من الدول القادرة على استقطاب كل من تدفقات التجارة المؤسسية ورأس المال الرقمي تحت مظلة سيادية واحدة. ومن المهم الإشارة إلى أن كلاً من FinX وFIDA يتم تطويرهما على أسس متينة من الحوكمة، وأطر مكافحة غسل الأموال الصارمة، وضوابط المخاطر بمعايير مؤسسية، لضمان ألا يأتي الابتكار على حساب الثقة التنظيمية أو استقرار السوق.
بالنسبة للمستثمرين والشركات، فإن العرض واضح. سواء كان الاحتياج يتمثل في تمويل تجاري معقد، أو أسواق مدعومة بالتكنولوجيا، أو التمويل الرقمي المنظم، فإن دولة الإمارات توفر الحلول عبر منصات متميزة ومترابطة.
ولا يعد هذا تقارباً عن طريق المساومة، بل هو تصميم متعمد يهدف إلى قيادة اقتصاد اليوم واقتصاد المستقبل معاً.
* الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
