16 ديسمبر 2025, 11:35 صباحاً
لم تكن خسارة المنتخب السعودي الأول لكرة القدم أمام نظيره الأردني أمس ١-٠ في قطر ضمن كأس العرب حدثًا فنيًا عابرًا يمكن تفسيره بخطة لعب أو تبديل متأخر من قبل مدرب المنتخب السعودي رينارد. وكخبير اتصالي أرى أن ما جرى في تلك المباراة يكشف بوضوح أن كرة القدم الحديثة تجاوزت حدود التكتيك البدني، لتصبح ساحة معقّدة تتداخل فيها علوم الاتصال وعلم النفس الرياضي بوصفها عوامل حاسمة في صناعة الفوز أو الهزيمة وهو ما بدا في عقول اللاعبين وخصوصا في الشوط الثاني من المباراة وكأن الهدف الأردني قادم لا محالة وهو ما حدث لاحقا.
ومن يشاهد المنتخب السعودي يرى أنه دخل المباراة محاطًا بحالة ضغط اتصالي مرتفعة خصوصا بعد فوزه الصعب على المنتخب الفلسطيني وهو الذي كان يلعب المباريات هذه وهو واضعا الفوز في جيوب لاعبيه. بيد أن الخطاب الإعلامي والجماهيري السابق للمواجهة كان مشبعًا بالتوقعات العالية والحديث عن الأفضلية والضرورة المطلقة للفوز مع تخوف من الفوز على الأردن، بل ذهب البعض إلى إن المنتخب السعودي لو فاز على المغرب لتجنب مواجهة الأردن. هذا النوع من الخطاب، حين لا يُدار بذكاء داخل غرف الملابس وفي عقول اللاعبين، فإنه يتحول من دافع إيجابي إلى عبء نفسي يقيّد اللاعب بدل أن يحرّره. وفي هذه الحالة اللاعب هنا لا يلعب ضد الخصم فقط، بل يلعب تحت ثقل صورة ذهنية مرسومة سلفًا عنه وعمن سيقابله.
وفي المقابل، دخل المنتخب الأردني بهدوء اتصالي لافت، ولا يبدو أنه يمر بحالة ضجيج، لا توقعات كبرى، بل خطاب داخلي واقعي ركّز على الانضباط، واللعب بلا خوف وهذا ما رأيناه في الشوط الأول، حيث نجح مدربه في ترويض اللاعبين السعوديين اتصاليا. هذا الفارق الاتصالي انعكس مباشرة على أرض الملعب: ثقة أعلى، قرارات أسرع، وجرأة في استغلال أخطاء المنافس وخصوصا في الشوط الثاني.
أما على مستوى الملعب، ظهرت بوضوح إشارات الاتصال غير اللفظي، فلغة الجسد لدى بعض لاعبي المنتخب السعودي، خصوصًا بعد التأخر في التمرير أو فقدان الكرة أو ضياع الفرص، حملت رسائل تردد وتوتر. هذه الإشارات لا تذهب سدى؛ حيث يلتقطها الخصم فورًا، فتزداد ثقته، بينما يتآكل الاطمئنان الذهني لدى الفريق المتراجع. وفي كرة القدم، الرسائل الصامتة أحيانًا تكون أقوى من التعليمات الصاخبة.
كما برز غياب واضح لما يمكن تسميته بـالقيادة الاتصالية داخل الملعب بين اللاعبين فسالم الدوسري لديه ضغوط ربما إعلامية في منصات وسائل التواصل، وبالتالي من الطبيعي أن يفقد قيادته الاتصالية. ولذا فالقائد الحقيقي هو من يتعرض لدورات في فنون الاتصال وعلم النفس تعيد له ضبط النفس والفريق في اللحظات الحرجة، كما تساعده على تخفيف التوتر، وإعادة التركيز، وتحويل الخوف إلى فعل. ولكن حيث يغيب هذا الدور، يصبح اللاعب أسير انفعاله، لا صانع قراره.
بقي القول، إن تطوير المنتخب السعودي لا يجب أن يقتصر على الإعداد البدني أو الفني، بل يتطلب دمجًا منهجيًا لعلوم الاتصال والعلوم النفسية في المنظومة التدريبية. وعليه فتدريب اللاعبين على إدارة الضغوط الإعلامية، وبناء خطاب داخلي إيجابي، وتعليمهم مهارات التواصل تحت الضغط، أصبحت عناصر لا غنى عنها في كرة القدم الاحترافية. وخلاصة مقالي، إن المنتخب السعودي لا يفتقر إلى الموهبة، لكنه بحاجة إلى عقل أكثر هدوءًا، ورسالة داخلية أكثر تماسكًا، وثقة تُدار بعلم لا بعاطفة. وكما نقول دوما فإن فالفوز، في كثير من الأحيان، يبدأ من الذهن قبل أن يصل إلى شباك المرمى.
حسن النجراني خبير ومستشار في الاتصال المؤسسي
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة عاجل ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة عاجل ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
