في منتصف سبتمبر عام 2019، فاجأ الاحتياطي الفيدرالي الأسواق بالتدخل – لأول مرة منذ عقد تقريبًا - في عمليات إعادة الشراء لليلة واحدة، أو ما يعرف بسوق "الريبو"، التي تعد مصدرًا رئيسيًا للتمويل قصير الأجل بالنسبة للبنوك وصناديق التحوط.

في هذه السوق، تستبدل المؤسسات المالية مئات مليارات الدولارات من النقد بالسندات يوميًا، وجاء تدخل الفيدرالي بعد ارتفاع سعر "الريبو" إلى 10% في حين كان المستوى الطبيعي 2%، ما سبب صدمة في الأسواق ومخاوف من أزمة سيولة واسعة النطاق.
في ذلك الوقت، كان الفيدرالي قد بدأ للتو دورة تخفيف نقدي تدريجية، لكنه اضطر بالتزامن مع ذلك النهج، إلى ضخ عشرات المليارات من الدولارات في اتفاقيات إعادة الشراء لليلة واحدة خلال الأيام الأولى من الأزمة، وتعهد لاحقًا بتوفير حتى تريليونات الدولارات.
ورغم أن الأسواق استقرت وهدأت مخاوف المستثمرين بحلول نهاية العام، لكن الصدمة ظلت يتردد صداها حتى الآن، خاصة أن الغموض أحاط بأسبابها لبعض الوقت.
وقال بنك التسويات الدولية – آنذاك – إن السيولة اختفت فجأة من الأسواق، لكنه أرجع ذلك إلى عدم رغبة البنوك الكبرى في الإقراض بالتزامن مع ارتفاع الطلب من صناديق التحوط على التمويل وهو "ربما" ما تسبب في الصدمة.
وبعد 6 سنوات من هذه الصدمة، وبالتزامن مع دورة تدريجية لخفض أسعار الفائدة، يبدو أن البنوك الأمريكية الكبرى تنتهج نهجًا مماثلًا، وسط أصوات متزايدة في وول ستريت تحذر من ضغوط جديدة مرتبطة بالسيولة.. فهل تتكرر الصدمة؟
البنوك تسحب السيولة
- وفقًا لشركة "بنك ريج داتا" المتخصصة في تتبع بيانات القطاع المصرفي، فإن بنك "جيه بي مورجان" سحب نحو 350 مليار دولار نقدًا من حسابه لدى الاحتياطي الفيدرالي منذ عام 2023 (الذي شهد ذروة دورة التشديد النقدي الأخيرة).
- أعاد البنك الأكبر في الولايات المتحدة، توجيه معظم هذه السيولة الضخمة إلى سندات الخزانة الأمريكية، في محاولة للتحوط ضد انخفاض أسعار الفائدة التي تهدد أرباحه (بدأ الفيدرالي خفض الفائدة مرة أخرى في سبتمبر 2024، وحتى الآن خفضها بمقدار 175 نقطة أساس).

- البنك الذي تتجاوز قيمة أصوله 4 تريليونات دولار، بلغ رصيده لدى الاحتياطي الفيدرالي أكثر من 400 مليار دولار بحلول نهاية عام 2023، لكن هذا الرقم انخفض سريعًا إلى 63 مليار دولار فقط في الربع الثالث من العام الجاري.
- كان حجم عمليات سحب "جيه بي مورجان" كبيرًا لدرجة أنه عوّض حركة النقد الداخلة والخارجة من الاحتياطي الفيدرالي من قِبل جميع البنوك الأمريكية الأخرى التي يزيد عددها على 4 آلاف بنك.
- إجمالًا، ومنذ نهاية عام 2023، انخفض النقد الذي تحتفظ به البنوك الأمريكية لدى الاحتياطي الفيدرالي إلى حوالي 1.6 تريليون دولار من 1.9 تريليون دولار.
الفيدرالي يتدخل
- تضخمت ميزانية الفيدرالي بشكل كبير منذ تولي "جيروم باول" قيادة البنك المركزي الأمريكي في عام 2018 عندما كانت تبلغ 4.4 تريليون دولار، لتقفز إلى قرابة 9 تريليونات دولار بحلول 2022 عندما قرر صناع السياسة أخيرًا أنه حان وقت تقليصها.
- بالفعل، انخفض حجم الميزانية العمومية للفيدرالي بنحو 2.5 تريليون دولار منذ ذلك الحين، لكن البنك المركزي في اجتماعه الأخير هذا الشهر، قرر وقف هذا الاتجاه وتعهد بالعودة لشراء السندات قصيرة الأجل.
- هذا التحول أرجعه محللون استراتيجيون في وول ستريت إلى أوجه قصور في آلية تمويل رئيسية للفيدرالي، وهي "عمليات إعادة الشراء الدائمة"، والتي يرون أن الأسواق لديها "أزمة ثقة" تجاهها، وبشأن قدرة المتعاملين الرئيسيين على استخدامها بشكل منتظم.
- في إشعار لفرعه الإقليمي في نيويورك، كشف الفيدرالي عن بدء شراء السندات قصيرة الأجل بمقدار 40 مليار دولار شهريًا، ليس ذلك فحسب، بل يخطط البنك المركزي أيضًا لإعادة استثمار عوائد سندات الرهن العقاري (تقدر بنحو 15 مليار دولار) في أذون الخزانة.

- علاوة على ذلك، تظهر بيانات الفيدرالي أنه عاد للتدخل في سوق "الريبو" بشكل متكرر في الأشهر الأخيرة، بعد سنوات من الاكتفاء بدور المراقب والمنظم، حيث ضخ عشرات المليارات من الدولارات في الأسواق منذ منتصف أكتوبر.
- في الشهر الماضي، بلغ سعر اتفاقيات إعادة الشراء 4.05%، وهو أعلى بمقدار 5 نقاط أساس من النطاق الذي كان يستهدفه الفيدرالي للفائدة عند 3.75% و4.00% (قبل خفضه في ديسمبر إلى 3.50% و3.75%).
- صرح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك "جون ويليامز"، بأن عمليات إعادة الشراء الدائمة التي يجريها البنك يمكن أن تعمل بمثابة "ممتص للصدمات" من خلال الحد من الضغوط على أسعار الفائدة في سوق المال والناتجة عن ارتفاع الطلب على السيولة أو ضغوط السوق.
- لكن رغم كل هذه الإشارات، فإن الضغوط الحالية، وإن كانت مقلقة، فإنها لا تشبه أزمة سوق إعادة الشراء في سبتمبر 2019، إذ لم تُفضِ إلى خلل هيكلي (حتى الآن على الأقل).
- يمكن وصف النظام أو المرحلة الجديدة التي بدأها الفيدرالي للتو بـ "الاعتماد المُدار على السيولة"، وهو نهج يساعده بشكل أكبر في الحفاظ على النطاق المستهدف لسعر الفائدة، لكنه في حقيقة الأمر لا يعفيه من السؤال عما إذا كان "يدعم سوقًا أدمنت السيولة الوفيرة".
ماذا ينتظر الأسواق؟
- عادة ما ترتفع الفائدة على التمويل قصير الأجل في بداية كل ربع سنة أو عام جديد، حيث تحجم البنوك عن الإقراض وتحافظ على سيولتها لتعزيز ميزانياتها العمومية.
- بفضل إعلان الفيدرالي الأخير عن شراء السندات قصيرة الأجل، ذكرت تقارير أن سعر "الريبو" لفترة نهاية العام انخفض إلى 4.10%، مقارنةً بـ 4.25% قبل أسبوعين، ومع ذلك، لا يزال السعر أعلى بنحو 45 نقطة أساس عن سعر الفائدة الفيدرالية، والذي يبلغ في المتوسط 3.63%.

- من المتوقع أيضًا أن يؤدي تزايد مشتريات الاحتياطي الفيدرالي من سندات الخزانة قصيرة الأجل إلى الحد بشكل كبير من حجم مشتريات مستثمري القطاع الخاص في عام 2026، ما قد يدفع أسعار السندات إلى الارتفاع والعوائد إلى الانخفاض.
- في إشارة إلى القلق المتزايد، أقر "باول" بأن انخفاض الاحتياطيات والتشوهات في أسواق التمويل "جاءت بوتيرة أسرع قليلاً من المتوقع"، بعدما ارتفعت أسعار الفائدة قصيرة الأجل فوق النطاق الذي يحدده البنك المركزي.
- على أي حال، يبدو أن تحركات الفيدرالي تصب في صالح "إبقاء الوضع على ما هو عليه" حتى الآن، ومع اقتراب عام 2026، فإن إنهاء برنامج التشديد الكمي واستئناف نمو الميزانية، ينقل النظام من مواجهة رياح المعاكسة بسبب سحب السيولة إلى رياح مواتية تتمثل في توفيرها.
- يبرز ذلك في التوقعات المتفائلة لـ وول ستريت، التي ترى نموًا قويًا لأرباح الشركات الأمريكية في 2026 بنسبة 12%، إلى جانب ارتفاع الأسهم بنحو 15%، وفقًا لتقديرات "جولدمان ساكس" و"يو بي إس".

- في المجمل، لا تشير المعطيات الحالية إلى تكرار وشيك لأزمة سيولة على غرار ما حدث في سبتمبر 2019، إذ لا تزال الأسواق تعمل دون اختلالات هيكلية واضحة، فيما تبدو تدخلات الفيدرالي أقرب إلى إدارة استباقية للضغوط التشغيلية منها إلى استجابة لأزمة فعلية.
- مع ذلك، يكشف هذا النهج عن تحول أعمق في دور الفيدرالي، حيث بات الحفاظ على استقرار الأسواق يعتمد بدرجة أكبر على وفرة السيولة، ما يثير تساؤلات حول مدى اعتماد الأسواق على هذا الدعم المستمر.
- بينما تظل التوقعات لعام 2026 إيجابية، فإن التفاؤل يبقى مشروطًا بقدرة السياسة النقدية على تحقيق التوازن بين دعم الاستقرار ومنع تحوّل السيولة إلى "إدمان".
المصادر: أرقام- بيانات الاحتياطي الفيدرالي- الفيدرالي في نيويورك- بلومبرج- بيتكوين مجازين- فايننشال تايمز- تريدنج إيكونوميكس- رويترز- جورو فوكاس- سي بي إس نيوز- جيميناي- شات جي بي تي
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
