في خطوة دبلوماسية بارزة تعكس عمق العلاقات التاريخية وتقارب المصالح الاستراتيجية، استقبلت جمهورية مصر العربية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة رسمية أثمرت عن إعلان تاريخي بالارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية إلى "شراكة استراتيجية" شاملة، جاءت هذه الزيارة في توقيت بالغ الأهمية وسط تحديات إقليمية ودولية متصاعدة، مؤكدة على التزام القيادتين في القاهرة وباريس بتوثيق أواصر التعاون والتنسيق لتحقيق الاستقرار الإقليمي وتعزيز التنمية المشتركة.
استقبال يليق بعمق العلاقات التاريخية
حظي الرئيس ماكرون باستقبال رسمي مهيب في قصر الاتحادية، حيث تقدم مستقبليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عكست مراسم الاستقبال الرسمية حجم التقدير المتبادل بين الدولتين، مع عزف النشيدين الوطنيين واستعراض حرس الشرف في مشهد عبّر عن الاحترام المتبادل وعراقة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وفي لفتة تعكس الأبعاد الثقافية والحضارية للعلاقات المصرية الفرنسية، اصطحب الرئيس السيسي ضيفه الفرنسي في جولة ثقافية ثرية شملت زيارة المتحف المصري الكبير، أحد أبرز المعالم الثقافية العالمية التي تحتضن كنوز الحضارة المصرية العريقة، كما زار الرئيسان سوق خان الخليلي التاريخي، أحد أقدم الأسواق التراثية في العالم، حيث تفاعلا بعفوية مع المواطنين الذين احتشدوا للترحيب بهما، في مشهد يتجاوز البروتوكولات الرسمية ليعكس الروابط الشعبية الأصيلة بين البلدين.
شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد
مباحثات معمقة تؤسس لمرحلة جديدة
عقد الرئيسان سلسلة من المباحثات الثنائية المعمقة التي تناولت بشكل شامل سبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وتبادلا وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الملحة، ركزت المباحثات على تطوير التعاون الاقتصادي والاستثماري، وتحفيز تدفق الاستثمارات الفرنسية إلى مصر، وزيادة حجم التبادل التجاري الذي يشهد نمواً متسارعاً في السنوات الأخيرة.
تطرقت المحادثات بشكل خاص إلى تكثيف التعاون في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة، مع التركيز على مشروعات الهيدروجين الأخضر التي تمثل مستقبل الطاقة النظيفة، إضافة إلى قطاع النقل الحضري المستدام، وعلى رأسه المشروعات المشتركة لتطوير شبكة مترو القاهرة الكبرى، كما تناولت المباحثات تعزيز التعاون في المجالات الحيوية كالصحة والتعليم والبحث العلمي والابتكار، فضلاً عن التنسيق في ملفات الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
اتفاقيات نوعية تترجم الرؤى المشتركة
توجت الزيارة بتوقيع حزمة متكاملة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الاستراتيجية بين البلدين، شملت قطاعات حيوية متنوعة تعكس طموح القيادتين لتحويل الشراكة الاستراتيجية إلى واقع ملموس يخدم مصالح الشعبين، تضمنت هذه الاتفاقيات:
- بروتوكول تعاون في مجال الرعاية الصحية ونقل الخبرات الطبية المتقدمة
- اتفاقية لتمويل وتطوير المرحلة الرابعة من مترو القاهرة
- مذكرة تفاهم لإنشاء محطات طاقة متجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر
- اتفاقية لتعزيز التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي
- مذكرة تفاهم للتعاون في مشروعات تحلية المياه وإدارة الموارد المائية
- اتفاقية للتعاون في مجال تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي
- بروتوكول لتطوير منظومة التدريب المهني وتأهيل الكوادر الفنية
مشروعات مشتركة رائدة تجسد عمق الشراكة
تزخر العلاقات المصرية-الفرنسية بمشروعات مشتركة طموحة تعكس ملامح التكامل الاستراتيجي بين البلدين، يأتي في مقدمتها مشروع مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى، الذي يمثل أيقونة للتعاون التنموي المصري-الفرنسي المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث ساهمت الخبرات والتمويلات الفرنسية في تطوير هذا المشروع الحيوي الذي يخدم ملايين المصريين يومياً.
تشمل المشروعات الاستراتيجية المشتركة أيضاً مجمع بنبان للطاقة الشمسية، أحد أكبر محطات الطاقة المتجددة في العالم، والذي ساهمت فيه الشركات الفرنسية بخبراتها التكنولوجية المتقدمة، كما تتعاون الدولتان في مشروعات واعدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يمثل مستقبل الطاقة النظيفة وأحد أهم ركائز التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
في المجال الثقافي والتعليمي، تعد الجامعة الفرنسية في مصر صرحاً أكاديمياً متميزاً يجسد عمق الروابط الثقافية والعلمية بين البلدين، حيث توفر تعليماً عالي الجودة وفق المعايير الأوروبية، وتسهم في تعزيز الحوار الثقافي وتبادل الخبرات الأكاديمية.
زيارة تاريخية للعريش.. موقف إنساني مشترك تجاه غزة
في خطوة عكست التزام البلدين بالعمل المشترك لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، توجه الرئيسان السيسي وماكرون إلى مدينة العريش المصرية، البوابة الرئيسية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مثّلت هذه الزيارة النادرة لرئيس دولة أوروبية كبرى إلى المنطقة الحدودية المصرية رسالة قوية للمجتمع الدولي حول ضرورة التحرك العاجل لوقف نزيف الدماء وتقديم الدعم الإنساني للمدنيين المحاصرين.
تفقد الرئيسان مركز تجميع المساعدات الإنسانية في العريش، وأشرفا على تسيير قافلة مساعدات ضخمة مشتركة تحمل الأدوية والمواد الغذائية والمستلزمات الطبية العاجلة، خلال الزيارة، أعلن الرئيس ماكرون عن حزمة مساعدات فرنسية إضافية بقيمة 100 مليون يورو، مشدداً على أن "الوقوف مع الشعب الفلسطيني في محنته واجب إنساني وأخلاقي لا يقبل التأجيل".
من جانبه، أكد الرئيس السيسي أن "مصر لن تدخر جهداً في تقديم كل ما يلزم من دعم ومساندة للأشقاء في غزة"، مشيراً إلى أن "الجسر الجوي والبري المصري مستمر منذ اليوم الأول للأزمة، وسيتواصل حتى انتهاء المعاناة". وقد أشاد الرئيس الفرنسي بالدور المصري المحوري في إيصال المساعدات وإجلاء الجرحى والمصابين، واصفاً إياه بـ"خط الحياة الوحيد لسكان القطاع".
شهدت الزيارة أيضاً إعلاناً مشتركاً يدعو إلى "وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين وتأمين ممرات إنسانية دائمة"، مع التأكيد على "ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وحماية المنشآت المدنية والطبية"، كما جدد الرئيسان دعمهما الراسخ لحل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة.
دعم فرنسي راسخ للدور المصري المحوري إقليمياً
جسدت الزيارة عمق تقدير فرنسا للدور المحوري الاستثنائي الذي تضطلع به مصر كصمام أمان وركيزة لا غنى عنها لاستقرار منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط والقارة الأفريقية، وقد أشاد الرئيس ماكرون بشكل غير مسبوق بالجهود المصرية الجبارة في مكافحة الإرهاب والتطرف، ودورها الفاعل والحاسم في تسوية النزاعات الإقليمية المستعصية، والتصدي للهجرة غير النظامية، وبناء جسور التعاون والحوار بين الثقافات والحضارات.
تشهد رؤى البلدين توافقاً استراتيجياً عميقاً حيال العديد من الملفات الإقليمية والدولية الملحة، مما يؤسس لتنسيق وثيق ومتواصل في المحافل الدولية كافة، وقد أكد الرئيس ماكرون بحزم أن مصر "شريك محوري استراتيجي لا بديل عنه" في جهود إرساء السلام وتحقيق التنمية المستدامة بالمنطقة، معلناً دعم فرنسا المطلق وغير المشروط للمبادرات المصرية الرائدة الهادفة إلى استعادة الاستقرار وبناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة.
الأبعاد الثقافية والإنسانية للشراكة الاستراتيجية.. تلاقي الحضارات
تجسد الروابط الثقافية والعلمية العميقة بين مصر وفرنسا تلاقياً استثنائياً بين حضارتين عريقتين شكلتا وجه التاريخ الإنساني، تتبلور هذه العلاقة الثقافية المتجذرة في نسيج متكامل من برامج التبادل الأكاديمي والثقافي التي تتخطى حدود التعاون الرسمي لتصل إلى أعماق الوجدان الشعبي في كلا البلدين، يضطلع المعهد الفرنسي في مصر بدور محوري استراتيجي في مد جسور التواصل الثقافي ونشر اللغة والثقافة الفرنسية، بينما تُسهم البعثات التعليمية المتبادلة في صياغة رؤية مشتركة للمستقبل قائمة على التفاهم العميق والاحترام المتبادل بين الشعبين.
يرتقي التعاون الأثري والتراثي بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في حفظ ذاكرة الإنسانية، حيث تواصل البعثات الأثرية الفرنسية دورها التاريخي المشهود في اكتشاف وتوثيق وترميم الآثار المصرية الخالدة، تتجلى هذه الشراكة الثقافية الفريدة في مشروعات ترميم وصيانة التراث المصري القديم، وتبادل الخبرات المتقدمة في مجال إدارة المتاحف والمواقع الأثرية، مع الالتزام المشترك بتقديم هذا الإرث الحضاري العظيم للعالم في أبهى صورة.
خلال الزيارة، أعلن الرئيسان عن إطلاق "عام الثقافة المصرية-الفرنسية 2026"، الذي سيشهد تنظيم مئات الفعاليات الثقافية والفنية في كلا البلدين، تجسيداً لعمق العلاقات الثقافية وتعزيزاً للتبادل الإبداعي بين الشعبين. كما تم الاتفاق على إنشاء "مركز الحوار الحضاري المصري-الفرنسي" في القاهرة، الذي سيمثل منصة دائمة للتفاعل الثقافي والفكري والفني بين البلدين.
في تصريحات عميقة الدلالة، أكد الرئيس السيسي أن "الارتقاء بالعلاقات المصرية-الفرنسية إلى مستوى التحالف الاستراتيجي الشامل يمثل نقلة تاريخية نوعية وانطلاقة جديدة نحو عهد غير مسبوق من التكامل الاستراتيجي"، مشدداً على أن هذا التحالف سيتجاوز حدود المصالح الثنائية ليشكل "قوة دافعة محورية لتحقيق الاستقرار والتنمية والسلام في إقليم مضطرب يتعطش للنماذج الناجحة للتعاون الدولي".
إن هذا التحالف الاستراتيجي الشامل، الذي يجمع بين عراقة التاريخ ورؤية المستقبل، بين قوة الجغرافيا وعمق الثقافة، بين الإرادة السياسية والمصالح الاقتصادية، يؤسس لشراكة القرن التي ستنعكس آثارها الإيجابية العميقة ليس فقط على مسيرة التنمية والازدهار في كلا البلدين، بل وعلى منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي بأكملها، مجسدة نموذجاً فريداً للتعاون الدولي القائم على الندية والاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، ومؤسسة لمرحلة جديدة في تاريخ العلاقات المصرية-الفرنسية التي تتجه بثبات وثقة نحو مستقبل استثنائي واعد.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الطريق ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الطريق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.