"هذا وقت نحتاج فيه، كدولة، إلى الله أكثر من أي وقت مضى".. بهذه الكلمات عبّر حاكم ولاية تكساس الأمريكية جريج أبوت، عن مدى الدمار الذي لحق بعدة مقاطعات نتيجة للفيضانات المفاجئة التي ضربت المنطقة، وتسببت في سقوط عشرات الضحايا والمفقودين، وتدمير واسع للبنية التحتية.
ولليوم الرابع على التوالي، لا تزال فرق الطوارئ والهيئات الفيدرالية الأمريكية، مستمرة في عمليات البحث والإنقاذ في أكثر من 15 مقاطعة بولاية تكساس.
وارتفع عدد القتلى إلى 80 قتيلًا أغلبهم من مقاطعة كير التي تعرضت للتدمير الكامل، بينهم 40 بالغًا و28 طفلًا، ولا يزال 18 بالغًا و10 أطفال مجهولي الهوية.
ومنذ بدء الفيضانات الجمعة الماضي، وفقًا لشبكة nbc news، تم إنقاذ مئات الأشخاص العالقين عن طريق الجو، بينما لا يزال يوجد 41 شخصًا في عداد المفقودين في جميع مناطق الفيضانات في وسط تكساس، وطلبت الشرطة من عائلات المفقودين تقديم عينات الحمض النووي لفحصها.
تفاصيل الكارثة رواها شهود عيان تم إنقاذهم، ومسؤولون تفقدوا حجم الدمار الكامل، وتبيّن أن سكان ضفاف نهر جوادالوبي، الذي فاض بمستويات تاريخية، لم تكن لديهم أي مؤشرات تنذر بالدمار المرتقب، وبحسب شبكة fox weather، لم يكن لديهم حتى الوقت الكافي للتحرك وإنقاذ أنفسهم.
ارتفاعات هائلة
بدون أي مقدمات هبّت العواصف الرعدية على المنطقة منذ مساء الخميس وحتى صباح الجمعة الماضيين، بالتزامن مع هطول أمطار غزيرة تراوحت بين 12 و15 بوصة في غضون ساعات قليلة، وزحفت الأمطار خلال ذلك الوقت نحو الشرق والجنوب في الولاية وتدفقت المياه داخل حوض نهر جوادالوبي.
في ذلك الوقت، رصدت مقاييس الأنهار، التابعة لهيئة الأرصاد الجوية الأمريكية، ارتفاعات هائلة في منسوب المياه على طول النهر، ففي ساعة واحدة بلغ ارتفاع المياه 20 قدمًا، وبعدها بـ45 دقيقة ارتفع لنحو 27 قدمًا، ما أدى إلى ارتفاع منسوب النهر من مستوياته الطبيعية إلى مستويات تاريخية لم يشهدها منذ ما يقرب من قرن.
الوقت الكافي
أطلقت هيئة الأرصاد بيانًا تحذيريًا مفاجئًا للسكان صباح الجمعة أن أجهزة قياس الأمطار الآلية تشير إلى موجة فيضانات كبيرة ومدمرة تتجه نحو نهر جوادالوبي، معلنين عن وجود حالة طوارئ تاريخية وبات الوضع خطيرًا للغاية، وطلبوا من السكان البحث عن أماكن مرتفعة فورًا.
لكن الكثيرين من سكان تلك المناطق الواقعة على ضفاف النهر، لم يكن لديهم الوقت الكافي للتحرك والهروب، خاصة فتيات معسكر ميستيك، اللائي حضرن للاستمتاع بالمخيم الذي أنشئ عام 1974 بالولاية، حيث تعرض المكان للتدمير، ولا يزال 10 فتيات ومرشدة في عداد المفقودين.
ومع امتلاء نهر جوادالوبي بالمياه، أصبح بمثابة قنبلة موقوتة ثم انفجرت في جميع الاتجاهات، وأرسلت ما يشبه موجة فيضان قاتلة، تمثلت في جدار من المياه بارتفاع من 20 إلى 30 قدمًا، توجه مباشرة إلى وسط تكساس، وضربت الكارثة بالفعل مناطق كير، وبيرنت، وترافيس، وكيندال، وويليامسون، وتوم جرين.
خلال ساعة واحدة فقط، بحسب وسائل الإعلام الأمريكية، تلقت فرق الطوارئ مئات المكالمات والاستغاثات من المحاصرين، وتعرضت مجتمعات كاملة للتدمير، منها مقاطعة توم جرين التي دمرت البنية التحتية فيها بالكامل بعرض ميلين جراء الفيضانات الكارثية والتاريخية في الوقت نفسه.
دمار كارثي
الأمر نفسه حدث في عشرات الأماكن الأخرى، ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعلان حالة الطوارئ في 15 مقاطعة بالولاية لتسهيل حصولهم على الموارد اللازمة من أجل عمليات الإنقاذ والمأوى والبحث وإعادة البناء، ووصف حاكم الولاية بعد زيارته للمكان أن هذا وقت "نحتاج فيه إلى الله أكثر من أي وقت مضى".
وتكشف الصور والفيديوهات الواردة من هناك، أطنان من الأشجار تُغلق الطرق وداخل النهر التي تم اقتلاعها تمامًا من أماكنها وسيارات مهشمة ومنازل مدمرة وحطام منتشر في كل مكان، وتشوهت عدة مناطق بشكل كامل، وهو ما وصفته وسائل الإعلام الأمريكية بأنه "دمار كارثي بكل معنى الكلمة في تكساس".
بعيداً عن الأنهار والبحار والظواهر الطبيعية التى تخرج من بين جنباتها وتهاجمنا أحياناً بقسوة وشدة وعنف لتأخذ فى طريقها كل شىء من بشر وأحلام وخطط لقضاء أوقات سعيدة وصور الذكريات التى تزدحم بها دفاترنا والتى كنا ننتظرها وتتحول فجأة إلى قصاصات من أوراق صحف تتحدث عن إعصار وأمواج وضحايا وتضع صوراً مؤلمة مشوشة مهتزة لدمار منتجعات واختفاء ممتلكات ومقاعد وطاولات طالما تجمعت حولها أسر وأصدقاء وأحبة فى بداية الحياة والعثور على جثامين يلقى بها البحر بعد شهور أو أيام ربما نجد بعضها متعانقاً وآخرين يبحثون بأيديهم عمن ينتشل وأطفالاً بلباس البحر فى أحضان الأمهات بحثاً عن نجاة لم تحدث وأمان ضاع مع غضبة الطبيعة وفيضان المياه.
وبعيداً عن السدود الاستراتيجية التى تبنى بمساعدات غير بريئة ذات أهداف استعمارية لوضع اليد والسيطرة على دول لا تملك حق تقرير المصير وربما تدفعها لحروب بالنيابة عنها وقد تقضى على دول بأهلها ومبانيها وزراعاتها وأجيالها الثلاثة من أحفاد وأبناء وآباء عملوا بأيديهم فى بناء تلك السدود إلا أن المنافع والأطماع الدولية لا تقاس بالمشاعر الإنسانية وتأخذ فى طريقها كل ذلك دون أن ىتردد.
ونقلة للمشاعر والتجارب الإنسانية التى نمارسها وسط تلك الأعاصير والفيضانات لأنها حقيقة لا بد أن نعيشها ونستغرق فيها بكل ما لدينا من أملاك عاطفية وأحبة وأعزاء وأصدقاء وأهل أوصانا بهم الآباء والأمهات لنصل الرحم ونكون من أهل الجنة فإننا نعانى ونعيش فى جميع مراحلنا العمرية من (فيضان الحنين) ويا له من هجوم عنيف مؤلم لا بد من البحث عن علاج له أو فلنقل للدقة لا بد من إيجاد مسكن لآلامه. وعن ذلك الحنين يطلق الطب النفسى مصطلح النوستالجيا الذى يعنى الحنين للماضى وعرفته الإنسانية منذ أكثر من ٣٠٠ سنة وكانت فى الأصل تشير إلى الحنين إلى الوطن والأرض وقد أدى إلى انحراف الدلالة على مر القرون إلى توسيع مفهوم الشوق أو افتقاد جوانب من الماضى الشخصى للإنسان مثل أن يشعر الإنسان فى الأربعينات من عمره بالحنين للطفولة.
والحنين هو الشوق العاطفى للماضى وهو تجربة عاطفية عامة وعالمية واجتماعية للغاية تتمحور حول خيالية الحنين حول الذات والروابط الاجتماعية المهمة وأحداث الحياة ذات المغزى الشخصى. ويفترض الكثير من الناس أن الحنين إلى الماضى هو مجرد ترفيه وشعور يستمتع به الأفراد لأنه يعيدهم لأيام شبابهم الأكثر راحة بينما يرى البعض أنه دليل على عدم قدرة الشخص على التكيف مع الحاضر وربما يشير إلى الخوف من التغيير. ويعتبر علماء النفس الحنين للماضى مورداً نفسياً يمكن أن يحدث من خلال التذكارات الصريحة بالماضى مثل الاصطدام بصديق قديم أو سماع موسيقى اعتدنا سماعها أيام الشباب إلا أنهم يؤكدون أن السبب الأكثر شيوعاً له عندما يصادف الشخص إحباطاً أو يهاجمه حزن بطريقة ما وربما الملل أيضاً.
وقد تحدث محللون وقادة أعمال عن الحنين أو بمعنى علمى عن النوستالجيا فى التسوق والإعلان حيث اكتشفوا أن ذلك الإحساس قد يساعد بعض الشركات على بيع مجموعة من المنتجات للمستهلكين من خلال جعل الناس يركزون على الماضى كما يستخدمه السياسيون دائماً عند مخاطبة الجماهير فى حملاتهم الانتخابية. وقد درس باحثون فى جامعة ولاية واشنطن كلية إدارة الأعمال والاقتصاد ردود فعل المستهلكين تجاه الإعلانات التى تبعث على الحنين إلى الماضى مقابل الإعلانات المخالفة لهذا الاتجاه فوجدوا أن الأولى جعلت الناس على استعداد لدفع المزيد مقابل الأشياء التى تهمهم وقد استفادت من تلك الفكرة العلامات التجارية الكبيرة التى استطاعت أن تبنى علاقات عاطفية مع عملائها حيث زادت مبيعاتها بنسبة عالية. كما أثبتت التجارب الميدانية لأبحاث دارسى علم النفس أن الحنين للماضى يجعل الإنسان أكثر دفئاً بالمعنى الحرفى وقد وجدت سلسلة من الدراسات العلمية تم نشرها عام ٢٠١٢ أن الاستماع إلى موسيقى الحنين إلى الماضى تسبب فى ارتفاع درجة الحرارة المحيطة للمشاركين بمعنى آخر أن الحنين جعلهم أكثر دفئاً حتى إن هؤلاء الأفراد أنفسهم كانوا أكثر تحملاً للبرد عندما طلب منهم غمس أيديهم فى الماء والثلج. فلنحرص على ذكرياتنا ونَعِشْ ونستمتع بفيضان الحنين.
المقال / خديجة حمودة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الحكاية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الحكاية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.