منوعات / صحيفة الخليج

«إنسايد أوت 2».. قراءة لتقلبات النفس البشرية

مارلين سلوم

على الرغم من النجاح الكبير وغير المتوقع الذي حققه «إنسايد أوت» عند عرضه في الصالات العالمية عام 2015، فإن شركة «بيكسار» وصناع العمل تأخروا حتى العام الحالي لإطلاق الجزء الثاني منه، لكن التأخير لم يؤثر في حماس الجمهور الذي هرول إلى السينما ليحقق نجاحاً يكاد يطيح بالفيلم الكرتوني «فروزن 2» (2019) عن عرش الأكثر إيراداً باعتباره فيلم الرسوم المتحركة رقم واحد على الإطلاق في جميع أنحاء العالم. «إنسايد أوت» فيلم استثنائي نتابع فيه رحلة نمو بطلة القصة رايلي (11 عاماً في الجزء الأول) وبلوغها سن المراهقة (13 عاماً) ونكون شهوداً على صراعاتها الداخلية وتقلبات مزاجها وتخبط مشاعرها.. تجربة مميزة وفريدة وقراءة فلسفية مبسطة للنفس البشرية، نتعرف من خلالها إلى العالم الباطني والصراع الذهني والنفسي للمراهقين، بقالب «كرتوني» محبب وحوار إنساني تربوي بمنتهى الجدية والعمق.

دخول رايلي في سن البلوغ يضعها بشكل منطقي وطبيعي أمام تجارب جديدة تكتشف معها مشاعر لم تعرفها سابقاً، ما يعني أن الصراع في مشاعرها وعقلها الباطن لن يبقى محصوراً بتلك التي عرفتها في طفولتها- والتي كانت بطلة الجزء الأول- الفرح أو جوي كما ينادونها (تؤدي صوتها آمي بوهلر) والحزن (فيليس سميث) والاشمئزاز (ليزا لابيرا) والخوف (طوني هايل) والغضب (لويس بلاك)، فجأة تدخل مشاعر مختلفة ومتناقضة يفرضها التغيير البيولوجي والنمو في الحياة، مثل القلق (مايا هوك) والحسد (أيو إديبيري) والإحراج (بول والتر هاوسر) والملل (أديل إكزاركوبولس)، والسؤال الذي يطرحه الفيلم بشكل غير مباشر، هل تستطيع المشاعر القديمة التأقلم هي أيضاً مع هذا التغيير الجديد ومواجهته مع رايلي؟ وكيف ستكون حياة هذه المراهقة وسط كل تلك التناقضات والتطورات التي ستنعكس طبعاً على تصرفاتها وعلاقاتها بكل من حولها حتى أبيها (كايل ماكلاشلن) ووالدتها (دايان لاين)؟.

  • الجزء الأول

نعود إلى الجزء الأول لنتذكر قليلاً أن رايلي هي فتاة وحيدة شديدة التعلق بوالديها، اضطرتهم الظروف للانتقال من سكنهم ومغادرة مدرستها وزملائها للعيش في بيت متواضع والدخول إلى مدرسة جديدة وخوض تجارب كثيرة تتشابك فيها المشاعر، وبينما كانت «جوي» رمز الفرح تتحكم بكل تصرفات ومشاعر وأفكار رايلي، بدأ الحزن يقتحم حياتها ويطغى في أوقات ويتفاعل الغضب مع المواقف فيحكم سيطرته إلى أن تستعيد الطفلة توازنها.. رحلة في عقل ومشاعر الطفلة نستكمل فصولها في هذا الجزء، لكن اللافت هذه المرة تراجع دور الوالدين لتبرز أكثر علاقة رايلي بزملائها والمراهقين الذين تقابلهم لأول مرة، والمقصود هنا بلا شك التدليل على بداية انشغال الفتاة بعالمها الخارجي وعلاقاتها مع أبناء جيلها وبداية انفصالها تدريجياً عن مشاعر الطفولة وشدة تعلقها بوالديها لتحل محلها الرغبة بالاستقلالية وإثبات الذات؛ نرى رايلي (التي تؤديها كينسينجتون تولمان) سعيدة ومتأقلمة مع مدرستها وزملائها، وتشكّل ثلاثياً ظريفاً مع صديقتيها الحميمتين بري (سمية نورالدين جرين) وجريس (جريس لو)، تعمّد المؤلفون كيلسي مان (وهو مخرج الفيلم) وميج لوفوف ودايف هولشتاين اختيار هذه التشكيلة المتنوعة بملامحها لمحو أي فكر عنصري عن ذهن الأطفال والمراهقين، رايلي شقراء أمريكية، وجريس آسيوية وبري سمراء ذات أصول إفريقية؛ رمزية واضحة ورسالة مباشرة ترضي كل الأعراق.

  • عالم المراهقة

الفتاة تدخل عالم المراهقة وهي سعيدة برفقة صديقتيها، تشارك الفتيات في مباريات الهوكي فتحقق رايلي نصراً يلفت نظر المدربة روبرتس (إيفيت نيكول براون) التي تتوجه إلى الفتيات الثلاث وتدعوهن للاشتراك في معسكر الهوكي الطلابي لثلاثة أيام، ما يسعد المراهقات ويعتبر فرصة ذهبية لهن. وبينما تحاول رايلي التكيف مع تقلبات مراهقتها، تحاول عواطفها القديمة التكيف مع إمكانية استبدالها، ما يعني تراجع الفرح أمام الهجمة الشرسة للقلق الذي يقرر التحكم بكل تصرفات وأفكار الفتاة، لكن المشكلة أن القلق يتصرف برعونة، ويقول إنه «يخطط للمستقبل»، ويأتي الملل ليضع لمسة من الإهمال وأخرى من الحسد، بينما يطفو الإحراج في بعض المواقف الناجمة عن تسرّع الفتاة في التصرف بين الحين والآخر. تقلبات تدفع القلق إلى وضع المشاعر القديمة في زجاجة وترحيلها بعيداً عن ذهن رايلي، فرح وحزن واشمئزاز وغضب.. يمكن القول إنها المشاعر الفطرية التي ترى النور مع ولادة الإنسان وتكبر معه، أصبحت الآن أي في سن المراهقة مشاعر مكبوتة، ممنوع عليها الظهور كدلالة على تجاوز مرحلة الصغر والانتقال إلى بداية الطريق نحو النضج؛ ومع انتقال المشاعر المكبوتة إلى خلفية عقلها، تسكن العقل الباطني، حيث يتم اكتشاف أن أسرار الفتاة موجودة في خزنة معينة، من أسرارها الشخصية الكرتونية الخيالية التي أبهرتها فصار بطلها فتى الأحلام المنقذ، والمستكشفة المعروفة وحقيبتها «باوتشي» يرمز إليها المؤلفون دون تحميلها نفس الأسماء الحقيقية (دورا وحقيبتها باج باك).. شخصيات جديدة تحل مكان الفيل «بينج بونج» رفيق طفولة رايلي والذي كان شديد التميز وحقق شهرة في الجزء الأول.

  • جزيرة المفاجآت

الجزيرة الخيالية مملوءة بالمفاجآت، وفي طريق فرح وزملائها للبحث عن سبيل للعودة إلى مركز التحكم بعقل ومشاعر الفتاة المراهقة، يعرّج المؤلفون على كثير من النقاط فتبرز الإسقاطات جلياً، مثل وجود صحيفة شائعات تروج لأخبار فنية وصوت يقول «أين ضاعت النزاهة الصحفية؟».. فرح تصارع للوصول إلى المركز لإنقاذ رايلي الغارقة بالأخطاء وسوء التصرف والأنانية بسبب القلق، فقد تخلت عن صديقتيها لتلتحق بفريق فالنتينا أو «فال» (ليليمار) والتي تعتبرها رايلي قدوة في لعبة الهوكي، تكذب وتختلق القصص اعتقاداً منها أنها ستليق بفريق «فال»، صدمة تسببها لصديقتيها الآتيتين معها من أجل الالتحاق بمعسكر الهوكي لثلاثة أيام، تفقد معها توازنها وتصل إلى الذروة في الأنانية والطيش وتضارب المشاعر والإحساس بالخذلان.. انعكاس يبرع المخرج كيلسي مان في تجسيده في هذا المشهد، رايلي تجلس وحيدة تكاد تنفجر من القلق والتوتر، وفي داخلها تتسارع الشخصيات محاولة التصرف لإنقاذ الموقف، المشاعر القديمة تقودها فرح تتمكن من الوصول إلى مركز التحكم، بينما يفشل الملل والإحراج والآخرون من ردع القلق من تهوره، وهذا الأخير يصل إلى حد فقدان السيطرة على نفسه والدوران بشكل عصبي؛ بل هستيري.. تخبط مشاعر قوي يجعل الفتاة «أنا أنانية، أنا طيبة، أنا سيئة، أنا جيدة..»؛ كل المشاعر تجتمع في هذه اللحظة لتستعيد الفتاة توازنها.

قمة الجمال والذكاء والعمق في التعبير وضعها المخرج في مشهد، ثم يعود ليبرّد توتر الجمهور المتفاعل مع ما يحصل على ، باستكمال رايلي لعب الهوكي ضد فريق فال وهي منتعشة وكأن الجليد برد أعصابها وأعصاب المشاهدين.

  • مستوى التحدي

كيلسي الكاتب والمخرج حقق نجاحاً كبيراً ورفع من مستوى التحدي في مثل هذه النوعية من أفلام الكرتون غير المخصص للأطفال فقط، ونجح وفريق العمل في تحقيق أرباح مادية حقيقية، حيث تجاوزت إيرادات الفيلم حتى الآن ملياراً و 500 مليون دولار، بينما لم تتجاوز كلفة الإنتاج 200 مليون.
[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا