منوعات / صحيفة الخليج

«سيكو سيكو».. تجربة شبابية ناجحة

مارلين سلوم

السينما لم تستعد حيويتها بكم إنتاج الأفلام، فأفلام قد تكون الأقل عدداً هذا الموسم مقارنة بما كانت تضخه السينما المصرية خلال مواسم الأعياد والتي تعتمد على إقبال العائلات إلى الصالات خلال الإجازات، لكن العدد لم يكن يوماً أزمة في «الفن السابع» حتى في أسوأ الأحوال، بل شهدنا في سنوات مضت زخماً في كم الأفلام السينمائية وتراجعاً كبيراً في النوع وهشاشة في المضمون، الانتعاشة تكون غالباً بالنوعية لا بالكمية، ففي الصالات أربعة أفلام فقط أبطالها من النجوم الشباب الذين يحبهم الجمهور، ولأن هذا الجمهور ذكي ويعرف التمييز بين الغث والسمين، أقبل بكثافة على الأفضل فرفع من إيرادات «سيكو سيكو» بشكل لافت، وتراجعت خلفه بمسافة باقي الأفلام، فيلم توفرت فيه شروط العمل الكوميدي الناجح وزاد من رصيد أبطاله في سلم نجاحاتهم الفنية.
ليس سهلاً اختيار الأفضل من حيث الجودة والقيمة الفنية في السينما العربية، فأحياناً نمشي خلف اختيارات النجوم المحببين لأعمالهم لنعود بخيبة لم نكن نتوقعها، وخصوصاً في الأفلام الكوميدية والتي تعد الأصعب من حيث الصناعة، فهي تعتمد على الحرفية في الكتابة، إذ تقف دائماً عند الحد الفاصل ما بين التفاهة والضحكة النابعة من القلب بلا استظراف أو تفاهة وسذاجة، وهي تحتاج إلى فهم حقيقي لمعنى الكوميديا من قبل المؤلف أولاً والمخرج ثانياً وثالثهما المنتج، صناعة أصعب وأدق من أفلام الأكشن التي تعتمد أكثر على السخاء في الإنتاج ليتمكن المخرج من تعويض السطحية في المضمون بمشاهد الضرب والمطاردات والسرعة في الإيقاع من خلال مشاهد تتم فبركة معظمها داخل الاستوديوهات وخلف أجهزة الأبعاد الثلاثية والرباعية والتقنيات الحديثة والمتطورة، ورهان النجوم الشباب على التنويع في تجاربهم يأتي في محله، لكنه يضعهم في اختبار صعب، مثل طه دسوقي وعصام عمر المتألقين في الدراما التلفزيونية، لكن نجاحهما هناك لا يعني بالضرورة نجاحهما في جذب الجمهور إلى الصالات خصيصاً لمشاهدة فيلمهما الكوميدي «سيكو سيكو»، رهانهما لم يكن على حب الجمهور فقط، بل من المؤكد أنه يحسب لهما حسن اختيارهما للرهان على كتابة المؤلف محمد الدباح، وعلى المخرج عمر المهندس الذي سبق أن نجح في ثنائيته في العمل مع عصام عمر في «بالطو».


كلهم شباب، من التأليف إلى الإخراج إلى التمثيل، وكلنا أمل في هذه النهضة الجميلة التي تشهدها السينما وتجدد الدماء فيها، وبمباركة النجوم الذين سبقوهم بسنوات وخطوات والذين يظهرون في أدوار مساندة لا في البطولة، مثل خالد الصاوي وباسم سمرة ضيفا الشرف في هذا الفيلم، ومعهما سليمان عيد ومحمود عزب، ربما لم يخرج المؤلف محمد الدباح عن المألوف في اختيار القصة والتي تحكي عن يحيى (عصام عمر) الذي يعمل في إحدى شركات النقل «ميل بوكس» ويشعر بالملل، وابن عمه سليم (طه دسوقي) الذي يحاول الترويج للعبة إلكترونية ابتكرها ويبحث عن أحد يتبناها ويكون ممولاً لها ويفشل باعتبار أنها لعبة عادية، حتى يتم استدعاؤهما من قبل المحامي سليمان (سليمان عيد) لنكتشف أن عمهما ترك لهما ميراثاً وثروة تقدر بنحو 15 مليون جنيه، يحيى وابن عمه سليم يكرهان عمهما، لكنهما يسرعان طبعاً لاستلام هذه الثروة التي يحتاج إليها كل منهما لانتشال نفسه من الأزمة المالية والاجتماعية التي يعيشها.


القصة تبدو مألوفة، لكن السر والسحر في كتابة محمد الدباح الذي صاغ تفاصيل جميلة واعتمد كوميديا الموقف لا الإيفيهات التي «تغتصب الضحكة» من الجمهور ولا تجعلهم يضحكون بشكل تلقائي وعفوي، مواقف كوميدية مفاجئة تثير ضجات كل الجمهور الذي ملأ الصالة، عائلات جاءت بأكملها استمتعت وخرجت راضية، بل سعيدة. نص الدباح و«شطارة» عمر المهندس دفعا الجمهور إلى التفاعل بالتعليقات أيضاً وليس بالضحك فقط، وكأنهم يشاهدون مسرحية لا فيلماً مصوراً.
لم يكن يعلم سليم ويحيى أن عمهما محمود البحيري تاجر مخدرات معروف، إلى أن يكتشفا كمية ضخمة من «البضاعة» خبأها في مخزنه داخل شاحنة نقل للأثاث، فيفهمان أن عليهما بيع البضاعة للحصول على الملايين التي تحدث عنها عمهما في رسالة تركها في صندوق في البنك. بين سليم ويحيى، علاقة قرابة مشوّهة منذ طفولتهما، ذكريات قائمة على صراعات وضرب وكره بين الطفلين ويبدو أن غياب العواطف والروابط العائلية كان يعم العائلة كلها، إذ يكن سليم ويحيى الكره لعمهما محمود.


هل يتحول سليم ويحيى إلى تاجري مخدرات؟ كل منهما يجد مخرجاً لهذا المأزق من خلال عمله، سليم يستغل لعبة الفيديو التي ابتكرها ويحيى يستفيد من مخزن الشركة التي يعمل بها.. ولمزيد من الصدف التي تخلق مساحات جيدة ورائعة للكوميديا، يقرر سليم التعرف إلى أهل حبيبته غادة (ديانا هشام) ليكتشف أن والدها اللواء وائل الكردي (باسم سمرة) في جهاز مكافحة المخدرات، ما يضعه في موقف لا يحسد عليه، وطه دسوقي يتفوق بأداء دور الشاب الصغير البنية المرعوب المرتبك والضعيف الباحث عن وسيلة للخروج من مآزقه، والشاب الذكي الذي يغلب عقله على بدنه وعضلاته، بينما يجسد عصام عمر شخصية البطل المهتم بلياقته البدنية وعضلاته وطوله، والقوي لكنه ذكي في نفس الوقت. ثنائية دسوقي وعمر ناجحة جداً، الفوارق البدنية تلعب دوراً عادة في زيادة جرعة الكوميديا، إضافة إلى تميز كل منهما في الأداء الهادئ والسلاسة والموهبة الحقيقية، ما يجعل روح الشباب تسيطر على هذا الفيلم وتحوّله إلى تجربة شبابية ناجحة بامتياز، بل تجعل الجمهور مستمتعاً وراغباً في مشاهدة الفيلم أكثر من مرة والضحك في كل مرة.


بجانب طه دسوقي وعصام عمر يتألق علي صبحي بدور تاكس الديلر، كذلك أحمد عبد الحميد وظهور للوجوه الجديد أحمد عصام السيد الذي تألق في بمسلسل «عايشة الدور»، مرورا بخالد الصاوي في شخصية حاتم حرفوش كبير تجار المخدرات الذي يعتبر إضافة للعمل ومساندة مهمة للشباب، بينما دور باسم سمرة أكبر مساحة ويساهم أيضاً في زيادة جرعة الكوميديا، كذلك محمود عزب يجدد تألقه بعد غياب طويل مجسداً دور أبو ليلى تاجر المخدرات، حتى تارا عماد تعتبر ضيفة شرف بدور داليا ابنة صاحب الشركة التي يعمل بها يحيى. الوجود الأنثوي في الفيلم يسند ولا يشكل عموداً فقرياً، يكمل الصورة الاجتماعية والجوانب الشخصية للبطلين ليكون لغادة وداليا دوراً في حث البطلين على الرغبة في تحسين أوضاعهما الاقتصادية والاجتماعية.


نجاح مخرج «سيكو سيكو» عمر المهندس في أول تجربة سينمائية له قد تزيده إحساساً بالخوف والمسؤولية، خاصة أنه تحدث عن خوف شعر به من هذه الخطوة الجديدة وأن التحضير لهذا العمل استغرق عامين، مخرج يتحمل مسؤولية الفيلم ويدرك أهمية هذه التجربة لا شك أنه يبشرنا بالمزيد من الأعمال الناجحة والمتميزة، شرط أن يحافظ على نفس معاييره في الإتقان واختيار القصة والسيناريو، وهو نجاح مماثل للمؤلف ولكل أبطال العمل، الذين سيصبحون سريعاً نجوم شباك التذاكر في السينما.

[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا