ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، احتضنت خشبة مسرح بيت المونودراما العرض الجزائري «اليوم الأخير»، عن نص للكاتب قاسم مطرود، إخراج نور الدين كحيل، وأداء مبهر للممثلة شهيناز دريال، التي اعتلت الخشبة بامتلاء جسدي ووجداني استثنائي، وقدّمت مونودراما لا تستعرض الألم فقط، بل تحاوره وتختبر حدوده.
منذ اللحظة الأولى، تجسّد العرض كقطعة فنية حيّة على أكثر من صعيد. جاءت السينوغرافيا غنيّة ومفعمة بالتفاصيل البصرية، دون أن تسرق من النص عمقه، بل شكّلت معه نسيجاً عضوياً يخدم المعنى. أما الإضاءة، فكانت حيوية، ديناميكية، تتحرّك مع جسد الممثلة كأنها ظلّه الداخلي، تتبع أنفاسها وتحولاتها، لتُبرز صعودها وانكسارها في آن واحد.
الأداء كان شديد الإحكام، منضبطاً دون أن يُخنق، عاطفياً من غير أن يُستدرّ الشفقة. شهيناز دريال نجحت في تلوين صوتها وجسدها بحسب إيقاع النص الذي بدا وكأنه سلّم موسيقي، لا يترك للمشاهد فرصة للشرود أو الانفصال عن اللحظة. قدمت شهيناز دريال عرضاً مفعماً بالحيوية والصدق، وأثبت أن المونودراما ليست مجرد وقوف وحيد على الخشبة، بل قدرة نادرة على ملء الفراغ بالحضور وحده.
النص، وإن بدا مألوفاً من حيث الثيمة، إلا أن عرضه لم يكن تقليدياً. شابة موهوبة، رسّامة، ترى في وطنها حاجزاً يحول دون انطلاقتها الفنية. ترفض قيود الواقع وتقرر الهروب بفنها إلى حيث يُمنح الحلم فرصة للبقاء، لكنها سرعان ما تكتشف أن للمنفى أثماناً أخرى: تتالت الخيبات، وتكاثرت الخسائر، حتى جاء «الفانوس السحري» على هيئة رجل أعمال وعدها بالنجاح... والزواج.
الرجل لم يردها هي، بل أراد لوحاتها، توقيعها، ووجهها كواجهة تجارية. رفض الإنجاب، واحتكر الحلم، حتى أدركت أنها ليست سوى أداة، وأن الصفقة أكبر من العاطفة. تخلّصت منه، وعادت تحاول بناء ذاتها من جديد، لكن كان الأوان فات ؛ فالشيب غزا شعرها، والوقت سرق منها ما تبقّى من شباب الروح.
هنا، يبدأ التحوّل الجوهري في الشخصية: من فكر نسوي غاضب وثائر، إلى امرأة تصالح مع جراحها، لتدرك أن الفكرة ذاتها لم تكن كافية لتعويض الداخل. الوحدة أصبحت الوحش الحقيقي، فاختارت العودة إلى الوطن، حيث وجدت والدها فارق الحياة.
الممثلة تجسّدت في كل هذه التحولات بأداء بارع، منح المشاهد إحساساً غامراً بالتأثر، وأعاد طرح الأسئلة القديمة الجديدة: هل الوطن هو السجن، أم الملاذ؟ هل تحرر النساء يكمن في الرحيل، أم في الاعتراف بالهشاشة؟ هل للندم مكان على الخشبة... أم أن المونودراما وُجدت أصلاً كي نمارسها أمام جمهور صامت؟«اليوم الأخير» ليس فقط عنواناً لمشهد نهائي، بل هو تأمل بصوت عالٍ في آخر لحظة من وهمٍ جميل، حلمٌ انتهى، وامرأة تقف وحدها على أطلاله، تهمس:«لم أنجُ، لكنني حاولت».
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.