المتحف المصرى الكبير رسالة حضارية من قلب مصر إلى العالم
بقلم الدكتور أسامة الأزهرى
إن افتتاح المتحف المصرى الكبير يُعد حدثًا يتجاوز كونه مشروعًا ثقافيًا ضخمًا ليصبح رسالةً روحيةً من قلب مصر إلى ضمير الإنسانية، نظراً لأن هذا الصرح يعكس عُمق الشخصية المصرية التى جمعت بين الإيمان والعلم، والروح والعقل، والماضي والمستقبل في لوحة واحدة من الإبداع الإنساني.
إن مصر كانت ولا تزال قلب الحضارة النابض، وأرض الرسالات والعطاء المتجدد عبر الزمان، فعلى أرضها خَطَّت الإنسانية أولى صفحات التاريخ، وفي ربوعها شُيّدت أعظم الشواهد على عبقرية الإنسان وإيمانه بخالقه، ومصر هي التي علّمت العالم معنى البناء والإبداع والإرادة، وكانت ولا تزال منبعًا للحكمة ومأوىً للأمن والسلام، الحضارة لا تُبنى بالحجر وحده، بل بالعقل والروح والإيمان.
ويجيد المتحف المصري الكبير مبدأ العمران في أسمى صوره، إذ يمزج بين العمران المادي الذي شيّدته أيادي المصريين، والعمران الروحي الذي يعبّر عن سعي الإنسان الدائم لمعرفة الله عبر التأمل في الكون والخلق والتاريخ، فكل قطعة أثرية داخله «تحكي حكاية إنسانٍ بحث عن الله، وترك على الجدران أثر إيمانه بالخلود والحساب والبعث، بعد أن حول هذا الإيمان إلى فلسفة وهندسة وتشييد».
إن الحضارة المصرية القديمة لم تكن حضارة حجرٍ وصنم، بل حضارة إيمانٍ وضمير، فالمصري القديم حين نحت المعابد وشيّد المقابر، كان يؤمن أن وراء هذا العالم حياةً أخرى، وأن العمل الصالح والعدل والصدق هي مفاتيح البقاء الأبدي، وهي القيم نفسها التي جاءت بها الرسالات السماوية بعد ذلك.
والحفاظ على هذا التراث العظيم، واجب ديني وإنساني، لأن الله تعالى أمرنا بالنظر في سنن الأولين والتأمل في آثارهم، والمتحف المصري الكبير ليس مجرد مكان لعرض الآثار، بل منارة للتدبر والتفكر في آيات الله في التاريخ والإنسان، وهنا أدعو الزائرين إلى أن تكون زيارتهم للمتحف (رحلة عقلٍ وروح) ينظرون فيها إلى القطع الأثرية بوصفها رسائل حيّة تنطق باسم الإنسان الباحث عن الإيمان.
ويمثل افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا عالميًا يليق بعظمة مصر وتاريخها المجيد، ويؤكد أن حاضرها امتدادٌ لمجد أجدادها، وأنها ما زالت قادرة على أن تُدهش العالم كما فعلت عبر العصور .. فهذا الصرح العظيم ليس مجرد مشروع أثري أو ثقافي، بل رسالة حضارية خالدة تجسد ما تمتلكه مصر من إرثٍ إنساني زاخر يجمع بين أصالة الماضي وروح الحاضر ويفتح آفاق المستقبل للقيم والعقول معًا.
ويُعد المتحف المصري الكبير أحد أعظم إنجازات الدولة المصرية الحديثة، إذ «يرفع راية مصر عاليًا في سماء الحضارة والإنسانية، ويجسد عودة مصر إلى موقعها الطبيعي كعاصمة للثقافة والتاريخ والإيمان»، كما أنه «يُعيد صياغة صورة مصر أمام العالم»؛ حيث أن الدولة المصرية لا تحافظ على آثارها فحسب، بل تحمي ذاكرة الإنسانية وتعيد تقديمها في إطار يجمع بين التراث والإبداع الحديث، والعلم والإيمان.
وإقامة المتحف بهذا الحجم والدقة، تُعبّر عن رؤية القيادة السياسية التي تسعى لإحياء رسالة مصر التاريخية في نشر قيم السلام والعلم والاحترام المتبادل بين الشعوب، وسيكون المتحف بمثابة منصة حضارية تُظهر للعالم أن مصر ليست دولة تاريخٍ مضى، بل دولة تصنع المستقبل بروح حضارتها العريقة.
ويحمل افتتاح المتحف في هذا التوقيت دلالات عميقة تجمع بين العلم والإيمان، والتراث والهوية، والتاريخ والإنسان، وأن في كل ركنٍ من أركانه نقرأ آية من آيات الله في الإبداع، ودروسًا في الإتقان والعزيمة والإيمان بقدرة الإنسان على الخلود بعمله الصالح وجهده المخلص .. وما نشهده اليوم من افتتاح هذا الصرح الحضاري العظيم، يؤكد أن الدين والحضارة وجهان لرسالة واحدة، فالحضارة ليست نقيضًا للإيمان، بل ثمرة من ثماره، إذ يدفع الإيمان الصادق صاحبه إلى العمل والعطاء وخدمة الإنسانية.
واليوم تُجدد مصر رسالة أجدادها الذين شيّدوا حضارة خالدة على أساس من الإيمان بالله واليقين بخلوده، لتواصل مسيرتها بروحٍ تجمع بين الأصالة والتجديد، والعلم والأخلاق، والإيمان والعمل، في تناغمٍ يليق بأمةٍ وصفها الله تعالى بقوله: «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا».
ويحمل المتحف المصري الكبير في جوهره رسالة روحية عميقة، تؤكد أن الإيمان والعلم شريكان في بناء الحضارة، وأن الدين الحق لا يتعارض مع التقدم، بل يوجّهه نحو الخير والعمران.
والإسلام حين دعا إلى بناء المساجد ليُذكر فيها اسم الله، دعا كذلك إلى عمارة الأرض بالعلم والفكر والعمل الصالح، مصداقًا لقوله تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» [التوبة: 105]، فعبادة الله لا تكتمل إلا حين يقترن الإيمان بالعمل النافع الذي يرفع شأن الإنسان ويخدم مجتمعه.
ويعد الحفاظ على هذا الصرح العظيم، مسؤولية وطنية ودينية في آنٍ واحد، لأن كل حجرٍ في المتحف المصري الكبير، شاهدٌ على أمانة الإنسان في حمل رسالة الإعمار التي كُلّف بها من خالقه جل شأنه، وندعو الله أن يحفظ مصر ويبارك في سعي أبنائها، وأن يجعل هذا الافتتاح المبارك فاتحة خيرٍ ونورٍ تُضيء دروب الأجيال القادمة بالإيمان والعلم والعمل.
إن المتحف المصري الكبير لا يضم حجارةً جامدة، بل يحكي قصة إبداع الإنسان المؤمن بربه، الذي حول تدينه إلى حضارة، العامل في أرضه، الساعي إلى أن يترك أثرًا نافعًا يُخلّد اسمه ويُرضي خالقه، وسيظل هذا المتحف العظيم شاهدًا على عبقرية المصريين، ورمزًا لنهضة مصر الحديثة، ودليلًا على أن الحضارة المصرية لا زالت قادرة على إبهار العالم وإعلاء اسم مصر في كل محفل دولي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
