بورسعيد – محمد عزام

في قلب المدينة الباسلة بورسعيد، حيث تختلط رائحة البحر بملامح التاريخ، يطل متحف النصر للفن الحديث كجسرٍ يجمع بين الإبداع الفني والذاكرة الوطنية، فهو ليس مجرد متحف للعرض، بل مساحة حيّة تُوثّق ملاحم المقاومة، وتحتضن أعمالًا فنية صنعتها أنامل كبار التشكيليين المصريين، لتبقى شاهدة على عبقرية المكان وروح أهله.

يقع المتحف في حي الشرق، أحد أعرق أحياء بورسعيد، أسفل مسلة الشهداء التي تخلّد ذكرى أبناء المدينة الذين كتبوا بدمائهم صفحات المجد في معارك المقاومة، ومن هذا الموقع الاستثنائي يستمد المتحف رمزيته كحارس لذاكرة المدينة.

افتُتح المتحف في 25 ديسمبر 1995 ضمن احتفالات العيد القومي لبورسعيد، في عهد اللواء فخر الدين خالد محافظ بورسعيد الأسبق، وبحضور وزير الثقافة آنذاك الدكتور فاروق حسني.

جاءت الفكرة بمبادرة من الفنان التشكيلي البورسعيدي عاطف زرمبة، الذي لم يكتفِ بالاقتراح، بل تولى إدارة المتحف لعدة سنوات ليحوّله إلى منارة ثقافية بارزة.

يضم المتحف أكثر من 119 عملًا فنيًا متنوعًا لنحو 100 فنان مصري من الرواد، بينهم: فاروق حسني، أحمد نوار، السيد عبده سليم، مصطفى مهدي، مديحة متولي وغيرهم.

وتتنوع الأعمال بين النحت، التصوير، الجرافيك، الخزف، والرسم، لتتناول قضايا المقاومة، الحرب، السلام، والانتماء الوطني، مما يجعل القاعات أشبه بكتاب بصري يوثّق تاريخ مصر وبورسعيد.

لم يتوقف المتحف عند دوره التقليدي، بل شهد محطات تطوير مهمة:

2014: إضافة قاعة معارض متغيرة تستضيف إبداعات فناني بورسعيد، بحضور وزير الثقافة د. صابر عرب والمحافظ اللواء مصطفى عبد اللطيف.

2017: إنشاء قسم الديوراما الذي يجسّد تاريخ بورسعيد منذ حفر قناة السويس وحتى بطولات المقاومة في العدوان الثلاثي 1956 وحرب أكتوبر 1973، بجانب ركن للمشروعات القومية وزيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي.

كما يضم المتحف تماثيل لشخصيات المقاومة الشعبية مثل زينب الكفراوي، محمد مهران، السيد عسران، وأبطال عملية خطف الضابط البريطاني "أنتوني مورهاوس".

يلعب المتحف دورًا محوريًا في نشر الثقافة من خلال:

ورش فنية شهرية في مجالات مثل الرسم، النحت، الخيامية، والخط العربي.

ندوات وأمسيات موسيقية مرتبطة بالمناسبات القومية والوطنية.

معارض لفناني بورسعيد دون مقابل مادي، مع توفير الدعاية اللازمة.

بهذا أصبح المتحف منصة لاحتضان المواهب الشابة، وفضاء مفتوحًا للحوار بين الأجيال عبر لغة الفن.

يفتح المتحف أبوابه يوميًا من 9 صباحًا حتى 4 عصرًا، والدخول مجاني أيام الجمعة والسبت والأحد، بينما يكون برسوم رمزية باقي الأيام، لتشجيع المواطنين على زيارة المكان.

يقول المؤرخ البورسعيدي المهندس محمد بيوض: "متحف النصر للفن الحديث ليس مجرد صرح فني، بل شاهد على تاريخ مدينة كتبت بدمائها صفحات العزة، فهو يختلف عن المتحف الحربي، إذ يركز على الفن والتراث، ويجسّد هوية بورسعيد من خلال لوحات ومنحوتات تحمل رسائل المقاومة والانتماء".

ودعا "بيوض" زوار المحافظة إلى إدراج المتحف ضمن برنامجهم السياحي، معتبرًا إياه منارة ثقافية تستحق الاكتشاف.

تسعى وزارة الثقافة إلى إعادة تطوير المتحف مع الحفاظ على قيمته التراثية والفنية، ليظل مركز إشعاع ثقافي في مصر، ووجهة رئيسية لعشاق الفنون والباحثين عن ذاكرة مدينة المقاومة.

بين جدران متحف النصر للفن الحديث، تتلاقى ريشة الفنان مع بطولات المقاوم، ليبقى المكان شاهدًا على أن بورسعيد ليست مجرد مدينة، بل أيقونة في الذاكرة المصرية.

متحف النصر ببورسعيد 

متحف النصر من الداخل