فن / اليوم السابع

جمال عبد الناصر يكتب: الكوميديا ديلارتي المصرية.. (بلاي)

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

كان لي الحظ أن أتعلم قواعد وفنون أداء "الكوميديا ديلارتي" بشكل عملي من خلال دروس قدمها المخرج الإيطالي الشهير " بينو "، حينما استدعاه المخرج الكبير الراحل محسن حلمي لمسرح الطليعة ليقدم ورشة عن هذا النوع من المسرح الذي يعتمد بشكل أساسي على الارتجال، فيضع المخرج إطار خارجي لقصة، ويبدأ الممثلون بالارتجال حولها أثناء العرض، والكوميديا ديلارتي لها شخصيات ثابتة ومألوفة، منها "بنتالوني pantlone"، و"دوتور dottor"، و"الكابيتانو capitano"، و"أرلكينو، وأساس التمثيل في الكوميديا ديلارتي قائم بالأقنعة والماكياج المسرحي الذي يميز كل شخصية عن الأخرى، إلى جانب الأزياء التي تعبر عن كل شخصية.

تذكرت وأنا أشاهد مسرحية " بلاي " تأليف الدكتور سامح مهران وإخراج الدكتور محمد الشافعي الكوميديا ديلارتي الإيطالية، ولكننا هنا في هذا العرض أمام نوع مصري أطلق عليه "الكوميديا ديلارتي المصرية "، فالعرض يعتمد على الارتجال في إطار عام للمسرحية، حيث تدور الأحداث حول فرقة مسرحية تبحث عن نص لتقديمه في موسمها الجديد، مما يفتح المجال لحالة من الارتجال تسلط الضوء على مواقف وأحداث معاصرة داخل المجتمع من خلال تجسيد أسرة مصرية بتنوع شخصياتها.

مسرحية بلاي فرجة مسرحية متنوعة
مسرحية بلاي فرجة مسرحية متنوعة

العرض يعتمد علي فكرة التمثيل داخل التمثيل أو المسرح داخل المسرح، ووصفي لهذه التجربة بالكوميديا ديلارتي المصرية نابع من الابتكار الذي صنعه المؤلف مع المخرج ما بين الارتجال والحرفية المسرحية، فكل ممثل لديه مستويين من التمثيل، مستوي يمثله من خلال دوره في الفرقة كممثل أو كمخرج ، ومستوي آخر في تقمص شخصية من واقع الحياة أو من الشخصيات المسرحية الشهيرة لشكسبير.

يضع المؤلف الدكتور سامح مهران كل أشخاص المسرحية أمام ذواتهم ويجعلهم في مأزق ما بين الواقع المعاش والخيال وتعمق مهران في نفوس الممثلين والشخصيات التي يلعبوها، وأحدث المخرج من خلال رؤيته للنص المواجهة بين الذات والشخصية التي يجسدها كل ممثل، والمخرج هنا وهو الدكتور محمد الشافعي قدم لنا فرجة مسرحية وجعلنا كمشاهدين نتعايش ونندمج في المشاهد، وعمق ذلك بالوضع الذي يشاهد به الجمهور هذا العرض، فالجمهور يحيط بالممثلين في شكل شبه دائري، وهذا الشكل يصنع حميمية ما بين الممثل والجمهور، ويجعل المشاهد كأنه مشاركا ومنغمسا في القصص والحكايات التي يقدمها الممثلون .

عبير الطوخي ونائل علي في مشهد بمسرحية بلاي
عبير الطوخي ونائل علي في مشهد بمسرحية بلاي

وإذا كانت الكوميديا ديلارتي الإيطالية تعتمد علي "القناعات" وكل قناع يحدد ملامح الشخصية التي تؤديها الممثل، فنحن هنا في عرض " بلاي " سنجد الكوميديا ديلارتي المصرية في  وجوه الممثلين أنفسهم بما صنعوه لكل شخصية من شكل وأداء وملابس وإكسسوار، فمثلا شخصية "الحارس" التي قدمها على كمالو، صنع من خلالها عدة أقنعة وعدة شخصيات تثير الضحك، نستطيع من خلالها تثبيت شخصية والارتجال حولها ، ولدينا أيضا جلال عثمان في شخصيتين المخرج/ الأب، فمن الممكن أن يتم الارتجال في قصص ممثلة لهاتين الشخصيتين وهكذا بقية الممثلين والممثلات ( عبير الطوخي / نائل علي / أحمد نبيل/ إيمان مسامح/ وليد الزرقاني) فالعرض يشارك في بطولته نجوم فرقة مسرح الغد وجميعهم يقدم دوره بحرفية وانضباط، وقد وظفهم المخرج في شخصيات وأدوار مختلفة تماما عما اعتدت أن أراهم فيها، وأبهرني في العرض الفنان المبدع الصديق العزيز جلال عثمان بأدئه المتوازن والموظف بعناية ما بين الكوميديا والتراجيديا، وأعجبتني بشدة الفنانة عبير الطوخي في دور جديد ومختلف، فهي اكتشاف كوميدي بعيدا عن الأدوار الجدية التي قدمتها من قبل.

إيمان مسامح وجلال عثمان
إيمان مسامح وجلال عثمان

قدمت أيضا إيمان مسامح دورها بخفة ظل ورشاقة، وهي مشروع نجمة مسرحية تحتاج مساحات أكثر لأنها موهوبة وتمتلك كاريزما علي المسرح ، ويقدم أيضا الفنان نائل علي دورا مختلفا ومميزات عما قدمه من قبل وايضا سنجده يمتلك الكاريزما علي الخشبة، وله داخل العمل المسرحي مشاهد مختلفة أظهر بها براعته كممثل في التنوع، والتنقل ما بين الكوميديا بكل أشكالها، ولأول مرة أشاهد الفنانين وليد الزرقاني، و أحمد نبيل في عرض مسرحي وهذا ربما تقصير مني لكنهما متميزان وكل منهما قدم دوره بحرفية واقتدار، ويتبقي الفنان علي كمالو وهو في هذا العرض المفاجأة الكبري كما يقول أصحاب التريندات علي السوشيال ميديا لأنه قدم أفضل أدواره وهو رمانة الميزان في العرض، ويتميز هنا بخفة ظل وارتجال ونجح كثيرا في رسم البسمة علي وجوه المشاهدين من خلال عدة مواقف كوميدية يضعه العرض فيها .

الديكور لدينا زهير تم توظيفه في  مساحة القاعة بقطع لا تشكل كتلة واحدة و لكن " موتيفات " بسيطة تستطبع من خلالها الانتقال من مشهد لآخر ومن زمن لزمن ومكان لمكان، لكنها أوصلت المعني، وكذلك الملابس كانت ملائمة لطبيعة وثقافة كل شخصية ، كما وظف عز حلمي الإضاءة حسب طبيعة كل مشهد لتمنح المشاهد الإحساس بالمشهد في اللحظات الدرامية ما بين الكوميديا والتراجيديا .

علي كمالو ونائل علي
علي كمالو ونائل علي

في : نحن أمام تجربة مسرحية تحمل كل عناصر الفرجة الممتعة، ونص يحمل الكثير من الأفكار ويتماس مع الواقع ويطرح مشاكل وهموم حياتية من خلال مشاهد شبه مرتجلة، لتفتح تلك التجربة الباب أمام تجارب أخري تصنع لنا كوميديا ديلارتي بروح مصرية وخفة دم مصرية، والشكر لمدير مسرح الغد الفنان سامح مجاهد علي إنتاجه هذا العرض المغامر والمتميز وأتمني استمراره ليشاهده أكبر عدد من الجمهور .

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا