اقتصاد / صحيفة الخليج

الاسترليني في سياق «بريكست»

مايك دولان*

من الصعب تجاهل مشهد وصول الجنيه الاسترليني إلى أعلى مستوياته مقابل اليورو منذ استفتاء «بريكست» عام 2016 وحتى إعلان رئيس الوزراء البريطاني المفاجئ قبل أيام إجراء انتخابات برلمانية في الرابع من يوليو/تموز المقبل. وهو القرار الذي صدم الأسواق وفتح الباب واسعاً أمام التساؤل عن التأثير المحتمل لهذه الانتخابات على اقتصاد البلاد، مع الأمل بشفائه من الندوب التي خلّفها الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

وما وصفه معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي في واشنطن بأن «بريكست جرحٌ ذاتي» صحيح فعلاً، فقد ألحق الخروج الفوضوي من الكتلة الضرر بالاستثمار الداخلي البريطاني، والجنيه الاسترليني، والأسواق المحلية لمدة عقد من الزمان تقريباً.

ويبدو أن إلحاق الضرر هذا لم يعد الآن أمراً يستدعي الجدال بالنسبة لمعظم المراقبين، ففي الشهر الماضي فقط، قالت نائبة محافظ بنك إنجلترا للسياسة النقدية كلير لومبارديلي، بأن الأدلة تشير إلى أن«بريكست» كان له تأثير اقتصادي سلبي في من حيث الاستثمار والتجارة.

ورغم أن الصدمات الموازية الناجمة عن الوباء، وارتفاع أسعار والتضخم المرتبط بحرب أوكرانيا، جعلت من الصعب قياس الحجم الدقيق للضربة التي تلقاها الاقتصاد البريطاني، أظهرت تحليلات الخبراء أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدى إلى زيادة كبيرة وطويلة المدى في حالة عدم اليقين، وانخفاض الاستثمار، وتدهور الإنتاجية، بحسب لومبارديلي نفسها.

وبصرف النظر عن الخبراء والمحللين، يبدو أن الجمهور قد تلمّس ذلك بالفعل. فاستطلاعات الرأي الآن ترجح كفة الذين يعتقدون أنه كان من الخطأ مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي بنحو 20 نقطة على أولئك الذين ما زالوا يُصرون أنه كان صحيحاً، لا بل ازدادت الدعوات المطالبة بإعادة الانضمام.

ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت الانتخابات البرلمانية المقبلة ستغير المقياس بشكل كبير بشأن هذه القضية. لكن المؤكد أن العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تصبح أسوأ مما كانت عليه خلال السنوات الثماني الماضية.

وبالحديث عن الانتخابات المبكرة، يرى البعض أن القرار المفاجئ بإجرائها الشهر المقبل، لم يكن له ذاك التأثير الكبير في الجنيه الاسترليني أو أسعار الأصول البريطانية الأوسع نطاقاً، إذ تراهن الأسواق الآن بأكثر من 90% على فرص عودة حزب العمال المعارض إلى السلطة لأول مرة منذ 14 عاماً، مع تقدم استطلاعات الرأي الداعمة لذلك باستمرار.

لكن كما هي الحال دائماً، تؤثر عاصفة من العوامل الأخرى في الارتفاع الأخير للجنيه الاسترليني، ليس أقلها تراجع حدة التوقعات بخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل صيفاً.

لكن قوة الجنيه المتزايدة مع تغيير الحكومة المرتقب، والتي تشمل ارتفاعه مقابل اليورو إلى مستويات لم نشهدها منذ ما قبل مهزلة ميزانية الحكومة في أواخر عام 2022، تبدو أكثر من مجرد منعطف أو تحول دوري.

وقد سجل مؤشر الجنيه الاسترليني المرجح بالتجارة لبنك إنجلترا أقوى مستوياته هذا الأسبوع منذ استفتاء عام 2016 الذي أخرج بريطانيا في من الاتحاد الأوروبي عام 2020، بعد 47 عاماً من انضمامها إلى السوق المشتركة. وعلى الرغم من أنه لا يزال أقل بنحو 5% من مستويات ما قبل الاستفتاء، انتعش الجنيه بأكثر من 10% من أدنى مستوياته في انهياره المرتبط بميزانية عام 2022، وارتفع بنحو 2.5% هذا العام وحده.

علاوة على ذلك، انضمت الأسهم البريطانية، التي لم تكن مرغوبة ولا مملوكة لفترة طويلة، وتم قيمتها بشكل كبير، أخيراً إلى نظرائها عند مستويات قياسية مرتفعة هذا الشهر على الرغم من ارتفاع الجنيه الاسترليني، لكن العودة إلى مستويات عام 2016 تشكل بالفعل علامة فارقة.

وعلى الرغم من حرص حزب العمال على تجنب إثارة قضية «بريكست» للانقسام في الحملات الانتخابية، واستبعاده أي خطط للعودة إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، تعهد الحزب بإعادة التفاوض على اتفاقية ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع كتلة بروكسل التجارية. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، وعد زعيم حزب العمال ورئيس الوزراء القادم المحتمل كير ستارمر بتحسين العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي في عام 2025 إذا فاز حزبه في الانتخابات.

وقال ستارمر، إنه سيسعى إلى إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد عندما يحين موعد مراجعة الشراكة العام المقبل، بهدف تحسين اتفاقية التجارة والتعاون لعام 2021 التي أبرمها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون في مجالات مثل الأمن والابتكار والبحث.

يبدو هذا هامشياً وبعيداً عن أي إشارة إلى عكس كبير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكن الأغلبية البرلمانية الكبيرة المتوقعة لحزب العمال قد تمنح الحكومة الجديدة مساحة كبيرة للتعامل مع بروكسل بشأن مجموعة كاملة من القضايا إذا رغبت في ذلك.

وبالنسبة للأسواق التي تراقب الوضع عن كثب، تمثل الانتخابات منعطفاً مهماً قادماً، حتى لو كانت الآمال في أي شيء ملموس بشأن تداعيات الخروج متأرجحة. لكن رغم ذلك، يبدو أن الجنيه الاسترليني عاد ليسلك طريقه الخاص بهدوء بعيداً عن الضجيج الحاصل.

* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا