اقتصاد / صحيفة الخليج

آسيا وقوة الدولار

نيكولاس سبيرو *

تضطر البنوك المركزية في بعض الدول الآسيوية إلى ضخ مليارات الدولارات لدعم عملاتها في ظل تبدد الآمال بتخفيف السياسة النقدية الأمريكية هذا العام، ما يسفر عن ارتفاع في قيمة الدولار مقابل تلك العملات.

وكانت أحدث خطوة على هذا الصعيد تخصيص بنك عشرات المليارات من الدولارات مؤخراً لدعم الين بعد انخفاضه إلى أدنى مستوى منذ 34 عاماً مقابل الدولار . إذ هوى بأكثر من 10% مقابل الدولار هذا العام، ما رفع خسائره خلال السنوات الثلاث الماضية إلى 43%.

إن استمرار تراجع العملة اليابانية، على الرغم من القرار بالغ الأهمية الذي اتخذه بنك البلاد المركزي في مارس/آذار برفع تكاليف الاقتراض للمرة الأولى منذ عام 2007، ينبئنا بالكثير عن القوى التي تحرك أسواق العملات.

ويبدو أن فروق أسعار الفائدة هي الأداة الأكثر استخداماً من قبل صناع القرار. وتتراوح أسعار الفائدة القياسية في الولايات المتحدة بين 5.25% إلى 5.5% مقابل 0% إلى 0.1% في اليابان، ما يزيد من جاذبية الاستثمار في الأصول ذات العائد المرتفع المقومة بالدولار الأمريكي.

وكان احتمال ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول، وبقاء الدولار الأمريكي أقوى لفترة أطول أيضاً، سببين في ضرب الأسواق الآسيوية بشدة بشكل خاص. وبهذا الصدد، يُعَد الين المثال الأكثر تطرفاً لنقاط الضعف على مستوى المنطقة. وباستثناء الهند، فإن أسعار الفائدة في الاقتصادات الرئيسية في آسيا أقل بكثير من نظيراتها في الولايات المتحدة، على عكس أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، حيث تظل تكاليف الاقتراض في الأسواق الرائدة أعلى على الرغم من بدء دورات التيسير النقدي.

وهذا يضع آسيا في وضع غير موات، خاصة بعد أن تلاشت الآمال في أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا العام. ويشير بنك «إتش إس بي سي» إلى أن العملات الآسيوية ذات العائد المنخفض تتحمل وطأة السياسة النقدية الأمريكية، حيث يركز المستثمرون «على المستوى النسبي لأسعار الفائدة».

ويتم استخدام العملات الآسيوية، بما في ذلك الرينغيت الماليزي، والبات التايلندي، كعملات تمويل في «تجارة المناقلة»، ما يضعها تحت ضغط عندما يتم بيعها لتنفيذ عمليات شراء العملات ذات العائد المرتفع مثل الدولار الأمريكي.

ولم تنج الأسواق الآسيوية ذات تكاليف الاقتراض المرتفعة من المتاعب. وانخفضت الروبية الهندية إلى مستوى قياسي مقابل الدولار الأمريكي، في حين رفع البنك المركزي الإندونيسي أسعار الفائدة بشكل غير متوقع الشهر الماضي للدفاع عن الروبية. وتعمل أسعار الصرف الضعيفة على تضخيم تأثير الارتفاع الأخير في أسعار النفط، وهو تهديد أكبر لآسيا نظراً لوضع المنطقة بوصفها مستورداً صافياً للطاقة، كما تعمل على تأجيج الضغوط التضخمية.

وقد أدى انخفاض قيمة الين إلى تركيز الاهتمام على اليوان، وهو العملة الإقليمية الرئيسية. وفي حين أن خفض قيمة العملة بشكل مفاجئ على غرار ما حدث في عام 2015 أمر غير مرجح، نظراً للذكريات المريرة لفقدان الثقة وهروب رأس المال الناتج عن هذه الخطوة السياسية المفاجئة، أدى ارتفاع الدولار الأمريكي إلى تفاقم أولويات بكين المتضاربة.

ولا شك في أن أجزاء من اقتصادات آسيا تستفيد من ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي. فالشركات التي تستمد حصة كبيرة من عائداتها من الصادرات إلى الولايات المتحدة من شأنها أن تستفيد من قوة العملة الأمريكية لفترة أطول. ويشير «غولدمان ساكس» إلى أنه في حين أن 10% من إيرادات الشركات في مؤشر الأسهم الآسيوية الذي يستثني تأتي من البر الرئيسي، فإن 17% تأتي من الولايات المتحدة.

وتتمتع الشركات التايوانية والكورية الجنوبية واليابانية بأعلى نسبة انكشاف على المبيعات في الولايات المتحدة، بما يصل إلى 30% في حالة تايوان. وهذا يفسر جزئياً سبب ارتفاع أسهم شركة «تايوان لتصنيع أشباه الموصلات»، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، بأكثر من 40% هذا العام.

ومع ذلك، فإن الدولار الأمريكي المفرط يمثل قطعة قماش حمراء بالنسبة للثور الحمائي، وخاصة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية ذات الأهمية الكبيرة. وعلى النقيض من الرئيس الأمريكي جو ، يتحدث دونالد ترامب بصوت عالٍ للغاية بشأن قيمة الدولار، التي ينظر إليها عبر منظور العجز التجاري الأمريكي المستمر.

ووفقاً لصحيفة «بوليتيكو»، فإن مستشاري ترامب بقيادة روبرت لايتهايزر، مهندس الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق ضد الصين، يناقشون سبل إضعاف الدولار الأمريكي. لكن القول أسهل من الفعل. ومن المرجح أن تؤدي تهديدات الأخير بفرض تعريفات جديدة، إلى تعزيز الدولار، جزئياً عن طريق تغذية التضخم، وهو ما من شأنه أن يزيد من احتمالات استئناف بنك الاحتياطي الفيدرالي حملته التشددية.

ومن الواضح أن آسيا لا ينبغي لها أن تعتمد على الدولار الأمريكي الأضعف إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض. والطريقة الوحيدة التي قد تهبط بها العملة بشكل ملموس تكمن في تباطئ الاقتصاد الأمريكي بشكل حاد وفي خفض الفيدرالي أسعار الفائدة في وقت أقرب وبسرعة أكبر مما تتوقعه الأسواق. وقد لا تتخذ خطوات خفض الفائدة هذا العام، لذا سيظل «الدولار الملك» مصدر قلق لصناع السياسة الآسيويين لبعض الوقت.

* شريك في مجموعة «لوريسا» الاستشارية «شبكة آسيا مورنينغ بوست»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا