اقتصاد / صحيفة الخليج

القدرات الصناعية.. أعظم أصول أمريكا

روبرت أوبراين*

تنبع قوة أمريكا دائماً من قدرتها على التفوق العالمي في الإنتاج، فقوتها الصناعية هي التي تدعم التفوق العسكري والاقتصادي والبراعة التقنية. وتتمتع الولايات المتحدة بجميع الموارد الضرورية، بشرية كانت أم طبيعية، للعودة السريعة والحاسمة إلى ريادة التصنيع.
فعلى مدى خمسة وسبعين عاماً، جلبت الزعامة الأمريكية معها حقبة غير مسبوقة من السلام والازدهار والاستقرار للأمة، وعصراً من البراعة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. وهذه الركائز صحيحة، لكن ما الذي كان يدعمها؟
إن البراعة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية لا تأتي من فراغ، بل من شيء أعمق نواجه خطر فقدانه اليوم، ألا وهو «القدرة الصناعية». فالتصنيع داخل الولايات المتحدة خلال القرن العشرين هو الذي مكَّنها من تحقيق مثل هذه القفزات الهائلة في هذه المجالات. وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، كان الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يمثل نصف الإجمالي العالمي، وأكثر من ربع هذا الناتج في ذلك الوقت مصدره قطاع التصنيع.
لكن الحال تغير منذ طفرة ما بعد الحرب الصناعية، مع تجاوز الولايات المتحدة، وتربعها على عرش التصنيع العالمي، لتمثل اليوم نحو 29% من الناتج الصناعي العالمي، مقابل أقل من 17% للولايات المتحدة. والواقع أن سبب تراجع التصنيع في أمريكا هو الاعتماد المفرط لسنين طويلة على مصادر خارجية في دعم قدراتها. ولا يقتصر النمو الحاد لقطاع التصنيع الصيني على الألعاب والملابس الرخيصة التي تملأ متاجر الولايات المتحدة الكبيرة، بل يشمل أيضاً تقنيات بالغة الأهمية تؤثر في أمننا الاقتصادي والوطني والشخصي، مثل المركبات الكهربائية، والروبوتات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الشمسية، والمستحضرات الصيدلانية، والطائرات بدون طيار، والبطاريات، والسفن.
فالصين اليوم هي أكبر منتج للسيارات الكهربائية، مع نحو 57% من الإجمالي العالمي. وهي أيضاً أكبر مستوعب لبناء السفن في العالم، متجاوز القدرة الإنتاجية للولايات المتحدة بأكثر من 230 مرة. وكان السماح بحدوث ذلك، خطأً استراتيجياً سيؤدي، لو استمر، إلى تدهور القوة الاقتصادية الأمريكية أكثر بمرور الوقت.
إن الصناعات القوية المناسبة للقرن الحادي والعشرين تتطلب مكونات أساسية أكثر من مجرد التشكيل والهندسة، مثل المحركات وأجهزة الكمبيوتر والرقائق الدقيقة والسبائك المعقدة وعدد لا يحصى من التقنيات الحيوية الأخرى ذات سلاسل التوريد الهشة. والواقع أن الصين نجحت في بسط سيطرتها على الكثير من سلاسل التوريد هذه. على غرار قطاع الصلب، الذي تستحوذ الآن على نحو نصف إنتاجه العالمي.
وفي ضوء ذلك، يتطلب إحياء التصنيع في الولايات المتحدة بيئة داعمة لآلاف الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم لكونها العمود الفقري للقطاع. وهذا أمر بالغ الأهمية لمنع الإفراط في دمج الشركات الصغيرة، التي تشكل محركات مهمة للابتكار وتشغيل العمالة. ونحن بحاجة إلى استراتيجية تدمج كل قدراتنا، من المصانع الكبيرة إلى ورش الآلات الصغيرة، في قاعدة صناعية أعيد بناؤها.
كما أن الإفراط في التنظيم يخنق شركات التصنيع الأمريكية، ويجب استخدام الضوابط الحكومية بشكل حذر يعزز النمو الاقتصادي ولا يقمعه دون داع. وترتبط ضرائب الشركات المرتفعة ارتباطاً وثيقاً بالإفراط في التنظيم، ومن المؤكد أنها ستدفع أفضل رواد الأعمال لمغادرة وطنهم بحثاً عن أماكن بديلة ذات بيئة ضريبية مواتية أكثر.
وهنا لا بد من الإشارة إلى قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم ، الذي، ورغم احتياجه إلى بعض المراجعات، قد يثبت أنه سابقة مفيدة في عصره. حيث تعمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي تجمع بين الموارد ورأس المال في بيئات مستهدفة، على إحداث نقلة نوعية في التحول الصناعي للولايات المتحدة، وتسمح لها باللحاق بالصناعات الأساسية والضرورية للمستقبل.
وفي السياق نفسه، تحتاج المصانع الجديدة إلى عمالة ماهرة ذات أجور عادلة نسبياً، واختصاصات متعددة قادرة على إنجاز المهام المختلفة. لكن الحكومة الفيدرالية لا تزال صامتة بشأن أهمية تعزيز القوة العاملة في قطاع التصنيع، فضلاً عن توسيع المدارس المهنية وبرامج التدريب المهني. نحن بحاجة إلى الشباب الذين يرغبون بالعمل في مصانعنا، كما ينبغي السماح للعلماء والمهندسين الأجانب الذين يتخرجون في جامعاتنا، ويتقاسمون قيمنا وعاداتنا، بالبقاء بدلاً من دفعهم إلى الخارج، وبالتالي ما درسوه وما اكتسبوه من خبرات لصالح المنافسين.
يتعين علينا أيضاً تعزيز البنية التحتية الصناعية في أمريكا وشبكات الطاقة المحلية لجعلها أكثر مرونة في مواجهة الهجمات الإلكترونية المتزايدة. فآلاف الاختراقات الإلكترونية اليومية والتحقيقات التي نراها الآن ليست سوى مجرد نذير لما يمكن أن نتوقعه من هجمات مقرصنة في المستقبل.
وأيضاً، يضمن الاستثمار في البحث والتطوير في القطاع الخاص بقاء أمريكا في طليعة السباق التكنولوجي مع الصين في المجالات الرئيسية للذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية. وعليه، يجب على الحكومة أن تتوقف عن توجيه الضربة تلو الأخرى لشركاتنا التقنية بدعاوى مكافحة الاحتكار وغيرها، مع السماح لحلفائنا، وخاصة الاتحاد الأوروبي، بفعل الشيء نفسه.
* مستشار الأمن القومي السابق، ورئيس شركة «أمريكان غلوبال ستراتيجيز»، (ذا ناشونال إنترست)

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا