اقتصاد / صحيفة الخليج

الاستثمار الأجنبي في السوق الصيني

نيكولا ستويف *

تتفاقم المخاوف السياسية المتزايدة بسبب التحول السلبي في المؤشرات الاقتصادية الصينية. وبعد أن كان حجم ونمو السوق الصينية عامل جذب رئيسياً للشركات الأجنبية، غير النمو الاقتصادي البطيء، والتركيبة السكانية المُسنّة، وانهيار قطاع العقارات، الحكاية والسرد الحاصل.
وتنص الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين (2021-2025) على أن أهداف التغلب على الفقر المدقع وإنشاء مستوى معيشة متوسط الدخل قد تحققت أخيراً، ما أدى إلى تهميش السعي وراء النمو الاقتصادي الرئيسي لصالح رعاية التقنيات الحيوية وقدرات الاكتفاء الذاتي والأمن الوطني. ويُعد التحول مهماً للغاية من حيث النمو الإجمالي، حيث يتوقع الكثير من المحللين انخفاض المعدلات من متوسطات 7% في السنوات السابقة إلى 3-4% سنوياً.
وبينما كانت الشركات الأجنبية في رائدة في التكنولوجيا والجودة، تبدل الحال بالنسبة للبيئة التنافسية في كثير من الأحيان. حيث أصبحت الصين رائدة في مجال الابتكار والذكاء الاصطناعي والسكك الحديدية عالية السرعة والتجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني، كما أصبحت الشركات الصينية قوة عالمية في مجال المركبات الكهربائية والإلكترونيات الاستهلاكية ومعدات الاتصالات والألواح الشمسية والكثير من الصناعات الأخرى.
في المقابل، أدى تباطؤ النمو المحلي وزيادة الضغوط التنافسية إلى جعل قصة الاستثمار في الصين أقل إقناعاً، وينعكس هذا في أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر التي كانت في انخفاض مستمر منذ فبراير/شباط 2022، حيث تجاوزت تدفقات الاستثمار الخارجة تلك الواردة منذ مايو/أيار .
وبين عامي 1996 و2010، شكلت الشركات الأجنبية أكثر من 50% من صادرات الصين من حيث القيمة. وكانت هذه الحصة في انحدار هيكلي، ولكنها تظل كبيرة عند أقل من الثلث في الوقت الحاضر. إضافة إلى ذلك، تتمتع الشركات الأجنبية بهامش ربح أعلى بنحو 15% من نظيراتها الصينية، ما يعني كفاءة رأسمال أكبر. وعلى سبيل المثال، في عام 2022، شكلت الشركات ذات الاستثمار الأجنبي 20.7% من إيرادات أعمال الشركات الصناعية، و23.8% من الأرباح. وهذا يقارن بعام 2005، عندما شكلت تلك الشركات 31.6% من الإيرادات، ولكن 28% من الأرباح.
في غضون ذلك، تجد الشركات الأجنبية في الصين نفسها محاصرة في الجغرافيا السياسية العالمية إلى حد أكبر من أي وقت مضى. كما جُمدت الكثير من الشركات الكورية خارج السوق الصينية بعد نشر نظام الدفاع الجوي الصاروخي «ثاد» في عام 2017.
وخرجت مجموعة «لوت»، التي كانت لديها عمليات واسعة النطاق في جميع أنحاء الصين، من السوق بشكل كامل. كما أغلقت شركة «سامسونغ» للإلكترونيات، التي كانت ذات يوم واحدة من أكبر المستثمرين في الصين، آخر مصنع لها للهواتف الذكية في البر الرئيسي عام 2019، وآخر مصانعها لأجهزة الكمبيوتر الشخصية والتلفزيون عام 2020.
وعلى الرغم من التعليقات الصحفية التي تشير إلى العكس، فإن الصين هي التي بدأت عملية الانفصال في عام 2005. وتهدف استراتيجية «التداول المزدوج» الصينية إلى تقليل اعتماد البلاد على بقية العالم وجعله أكثر اعتماداً عليها. ويبدو أن الاستراتيجية نجحت، فقد أفادت شركة «ماكينزي» بأن تعرض العالم للصين تضاعف ثلاث مرات من عام 2000 إلى عام 2017، في حين انخفض تعرض الصين لبقية العالم بمقدار الربع.
ومن شأن التوترات الجيوسياسية المتزايدة، واستعداد الصين لفرض عقوبات على الشركات رسمياً أو بشكل غير رسمي، بسبب أفعال أو تصريحات أدلت بها في أي مكان في العالم، أن يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للشركات الأجنبية، مع احتمالات وقوعها في فخ المشاعر العامة وتضارب المصالح السياسية بين الصين وبلدانها الأصلية.
وما يُمثل تحدياً هائلاً أيضاً لتلك الشركات هو الخطة الخمسية التي تؤكد الاكتفاء الذاتي على حساب النمو الاقتصادي الرئيسي، والقدرات سريعة التطور للشركات الصينية، إضافة إلى ظهور سوق استهلاكية تفضل بشكل متزايد الشركات والعلامات التجارية المحلية. وهذا صحيح بشكل خاص مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، وتقلص فرص السوق لبعض الشركات، ونمو احتمالات الوقوع في فخ التوترات الجيوسياسية.
وبالنسبة للشركات التي تستمر في الاستثمار في الصين، فقد أصبح من الواضح أنها يجب أن تفكر بجدية أكبر في بعض الأسئلة الحرجة، هل قطاعها مفتوح أم مغلق أمام الاستثمار الأجنبي المباشر؟ هل له أهمية استراتيجية بالنسبة للصين؟ هل تستهدفه السياسة الصناعية في بكين؟ وهل هذه الشركات قادرة على دعم الأولويات الرئيسية للصين، أو راغبة في ذلك؟ ويتعين عليها أن تسأل نفسها عن مدى الدور الذي تلعبه الصين في استراتيجياتها العالمية، وعن مدى رغبتها في المنافسة، وربما الفشل، في واحد من أهم اقتصادات العالم وأكثرها تحدياً.
إن الموقف صعب، لكن تبقى الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وتسهم في جزء كبير من نموّه، وهي موطن للمنافسين والعملاء الذين قد يغيرون طبيعة الصناعات الدولية، ما يمنح الشركات الأجنبية سبباً استراتيجياً للبقاء فيها، وتقييم السياسية والتجارية والاقتصادية والجيوسياسية المتغيرة في الصين.
*خبير اقتصادي في البلغارية «جيو بوليتيكال مونيتور»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا