اقتصاد / صحيفة الخليج

التطوير والابتكار محفزان لاقتصاد

أنطوان نصر *

تتنامى أهمية جهود البحث والتطوير والابتكار (RDI) في تحقيق التقدم الاقتصادي، لا سيما في ضوء تزايد ترابط الاقتصاد العالمي. وتدرك أغلب الدول والمجتمعات اليوم الدور الحاسم للبحث والتطوير والابتكار في تأمين مستقبلها. وبرزت دولة في صدارة هذه الجهود، بفضل تركيزها الاستراتيجي على مجالات محددة، تتضمن الرعاية الصحية، والغذاء والزراعة، والأمن والدفاع، والاستدامة والطاقة، والطيران والفضاء.
وبالتزامن مع تحول الإمارات إلى اقتصاد معرفي منافِس على مستوى العالم، أكدت الدولة الدور التحفيزي لجهود البحث والتطوير والابتكار، وذلك من خلال الاعتماد عليها بصفتها ركائز لا غنى عنها في الاستراتيجية الوطنية.
ولتحقيق هذه الغاية، أنشأت الدولة مجلس الإمارات للبحث والتطوير وأطلقت سياسة حوكمة البحث والتطوير في سبتمبر 2021، سعياً منها للارتقاء بأدائها وفاعليتها في قطاع العلوم والتكنولوجيا، بما يتماشى مع جهودها لتحقيق اقتصاد قائم على المعرفة. وتولى مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة هذه المساعي بعد إنشائه، إذ يعمل على توحيد جهود المنظومة التقنية الوطنية ويُشرف على ثلاثة أذرع، هي معهد الابتكار التكنولوجي، وفينتشر ون، وأسباير.
وتتضمن الأهداف الرئيسية التي يسعى مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة إلى تحقيقها إرساء منظومة أبحاث وتطوير مرنة وقوية، ووضع معايير وطنية لتحسين جودة الأبحاث، وتعزيز رأس المال الفكري البشري لدولة الإمارات، إضافة إلى دعم تنافسية قطاعاتها المستقبلية على مستوى العالم.
كما واظبت الدولة على إطلاق مبادرات تعود بالنفع على مجموعة من مشروعات البحث والتطوير والابتكار، ومن بينها برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، الذي يوفر منحاً للباحثين الدوليين في مجال تقنيات الاستمطار. فيما تزود مراكز وحاضنات الابتكار التي تعمل على دعم جهود البحث والتطوير وإدخال نتائج الأبحاث إلى حيّز الاستخدام التجاري، مثل» HUB71 «ومسرعات دبي المستقبل، الباحثين ورواد الأعمال بالموارد والتوجيه وفرص التواصل. 
وتكشف هذه المبادرات النمو الكبير في الإنفاق على البحث والتطوير والابتكار في الإمارات، وذلك من 0.68% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014، إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، وهو ما يمثّل خطوة نحو صدارة مشهد الاقتصادات المبتكرة.
ومع تنامي أهمية مبادرات البحث والتطوير والابتكار في رسم ملامح الاستراتيجيات وجهود التنمية الوطنية، تحتاج الحكومات إلى اتباع أفضل الممارسات ووضع أُطر عمل شاملة. وتكمن الفائدة الحقيقية للاستثمار في جهود البحث والتطوير والابتكار في تأثيرها الطويل الأمد على النمو الاقتصادي، والذي لا يظهر إلا بعد 5 إلى 10 سنوات، تبعاً لعوامل عديدة مثل الجدول الزمني لعمليات التطوير والاختبار، ومدى اعتماد السوق لنتائج هذه العمليات، والموافقات التنظيمية والقدرات الإنتاجية.
ولا يقتصر تأثير استثمارات البحث والتطوير والاستثمار على الفوائد الاقتصادية المباشرة، بل يمكنها أيضاً معالجة بعض أكبر التحديات في المجتمع، مثل التعليم والرعاية الصحية والبيئة، في حال الاستفادة من استراتيجية شاملة وتنفيذها بطريقة صحيحة. وتسهم جهود البحث والتطوير والابتكار في تنويع الاقتصاد وتقليل اعتماده على جهات خارجية، لا سيما فيما يتعلق بالموارد الحيوية مثل المياه النظيفة والطاقة المتجددة وتكنولوجيا الدفاع، وليس من المستغرب أن تأتي الدول الرائدة في جهود البحث والتطوير والابتكار في مقدمة مؤشر القوة الناعمة العالمي.
لذا من الضروري لدول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من زخم الابتكار الذي تشهده دول مثل الإمارات، لدعم تحول المنطقة إلى الاقتصاد القائم على المعرفة.
يُعد التمويل أحد الجوانب الرئيسية التي يمكن تحسينها في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ لطالما كان قليلاً نسبياً وتمويلاً مؤسسياً في معظمه، مع اعتماد كبير على الدعم الحكومي. وتركَّز جزء كبير من الأبحاث في المستويات الأساسية والتمهيدية، واقتصرت على مجالات محدودة الاستخدام التجاري، وفي بعض الحالات غير متماشية تماماً مع الاستراتيجيات والأهداف الوطنية. وتزايد اعتماد دولة الإمارات على أنشطة البحث والتطوير والابتكار المُموّلة من الشركات، مع وجود فرص لزيادة الإنفاق الحكومي في هذا المجال.
في عالم متزايد التعقيد والترابط، تكتسب الإدارة الفعالة للبيانات أهمية كبيرة، لا سيما في مجال البحث والتطوير والابتكار. وواجهت دول مجلس التعاون الخليجي تحديات في هذا الجانب، حتى أن العديد من المقاييس والمؤشرات العالمية قللت من شأن جهود الابتكار في المنطقة بسبب نقص البيانات الموثوقة. 
وتشكل عدم القدرة على التقييم الدقيق لنجاح المبادرات المُنفّذة ومدى أهمية المبادرات المستقبلية عائقاً كبيراً.
يُعد التقدم الذي حققته الإمارات العربية المتحدة في جهود البحث والتطوير والابتكار دليلاً على تخطيطها الذكي ومنهجيتها الرائدة والتغييرات المؤسسية التي أجرتها. وعلى وجه التحديد، صنعت الجهود المُنظمة التي بذلها مجلس الإمارات للبحث والتطوير، ووزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، ومجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، ومؤسسة دبي للمستقبل، من دولة الإمارات نموذجاً تحتذي به الدول الأخرى.
وفي عالم يتّسم بالسرعة والديناميكية، يُعد دمج استراتيجيات الابتكار والتطوير خطوةً في غاية الأهمية للدول، وهو ما تفوقت فيه الإمارات. 
وتتمتع الدولة بمكانة تمكّنها من تحقيق طموحاتها المستقبلية الجريئة في مجال التطوير، بفضل اعتمادها على حوكمة مرنة ورشيقة للبحث والتطوير والابتكار ودعمها لمنظومة تعزز الابتكار والتميز.

* مدير إداري أول ورئيس شؤون القطاع العام الإقليمي لدى «إف تي آي كونسلتنج».. وشارك في كتابة المقال جورج عاصي ورائف عبلا

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا