اقتصاد / ارقام

الوحدة إكس: كيف يقوم البنتاجون ووادي السيليكون بتشكيل مستقبل الحروب؟

  • 1/3
  • 2/3
  • 3/3

- في ظلمة عام 2006، وعلى خط نار ملتهب فوق الحدود العراقية الإيرانية، وجد الكابتن راج شاه، قائد طائرة مقاتلة من طراز إف-16، نفسه في مأزق وجودي.

 

- فهو لم يكن يعرف على أي جانب من الحدود يحلق، في لحظة فارقة كادت أن تشعل فتيل أزمة دولية أو تودي بحياته.

 

- وذلك ليس لخلل في محركاته، بل لمفارقة صارخة: كانت مقاتلته، التي تُعد أيقونة التفوق الجوي وتكلف 30 مليون دولار، تفتقر إلى خريطة رقمية متحركة، تلك الميزة البسيطة المتوفرة في أي ذكي.

 

- وفور عودته إلى القاعدة، لم ينتظر بيروقراطية وزارة الدفاع، بل عمد إلى حلّ المشكلة بجهاز لوحي مدني لا يتجاوز ثمنه 300 دولار، ثبّته على ساقه، وانطلق في مهمته التالية.

 

 

- لم تكن هذه الحادثة، التي كانت بمثابة صدمة كاشفة لشاه، مجرد قصة شخصية، بل الشرارة التي كشفت عن أزمة أعمق وأكثر خطورة.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- تلك الحقيقة القاسية، التي أكدتها الحرب الأوكرانية في أبلغ صورها: تقف القواعد الصناعية الدفاعية للولايات المتحدة وأوروبا عاجزة بشكل محبط عن مواكبة متطلبات حرب تقليدية ضروس.

 

- فجأة، بدت الترسانة الأكبر في العالم، بميزانية تقارب 900 مليار دولار، وكأنها عملاق مقيّد، يملك المال والسلاح، لكنه يفتقر إلى القدرة على إنتاج ما يحتاجه بالسرعة والحجم المطلوبين لصراعات اليوم، فكيف إذن بصراعات الغد التي يلوح شبحها في الأفق، وعلى رأسها مواجهة محتملة مع حول تايوان.

 

- ولا يخفى على أحد أن المشكلة في جوهرها ليست نقصًا في الأموال أو العقول، بل هي أزمة ثقافة واستحواذ وبيروقراطية.

 

- فالسرعة والإلحاح اللذان يجعلان وادي السيليكون قاطرة الابتكار العالمي، لم يجدا طريقهما بعد إلى ممرات البنتاجون المترهلة.

 

- وكما يكشف كتاب "الوحدة إكس" لمؤلفيه راج شاه وكريستوفر كيرشوف، فإن البنتاجون في عصر الآيفون لا يزال يستخدم، في أحسن الأحوال، هاتف "بلاك بيري" عتيق الطراز.

 

هوة سحيقة بين ثقافتين: صراع العمالقة بين واشنطن وكاليفورنيا

 

- على ضفاف ساحل كاليفورنيا الذهبي، تنبض الحياة في وادي السيليكون بشكل متسارع، حيث الفشل السريع مجرد عتبة نحو المجد، وتتدفق المليارات على الأفكار الجريئة.

 

- وعلى بعد آلاف الأميال، في أروقة البنتاجون الحصينة، تتحرك أضخم آلة بيروقراطية في العالم ببطء وثقل، وهي مصممة لتقليل المخاطر إلى الصفر، حتى لو كان الثمن هو تجميد الزمن.

 

- فكيف يمكن للجيش أن يبني جسرًا فوق هذه الهوة السحيقة بين عالمين متناقضين؟

 

- هذا هو السؤال المحوري الذي يجيب عنه كتاب "الوحدة إكس"، الذي يأخذنا في رحلة استكشافية مثيرة إلى كواليس أصعب معارك الابتكار داخل وزارة الدفاع الأمريكية.

 

- فالكتاب ليس مجرد سرد تقني، بل هو رحلة مليئة بالقصص الإنسانية والتحديات الدرامية بامتياز. لقد كانت الفجوة شاسعة بحق؛ فبينما يتحدث وادي السيليكون بلغة الأكواد ورأس المال المغامر، يتحدث البنتاجون بلغة الإجراءات المعقدة والخطط الخمسية والعشرية.

 

- في هذا المناخ، وُلدت "وحدة الابتكار الدفاعي" (DIU) في عهد الدفاع آشتون كارتر، لتكون سفارة البنتاجون في قلب عالم التكنولوجيا، بمهمة تكاد تكون مستحيلة: ربط هاتين الثقافتين.

 

- وكما يروي المؤلفان، لم تكن مهمتهما مجرد شراء التكنولوجيا، بل "قرصنة البنتاجون نفسه" لتغييره من الداخل.

 

شهادة من قلب العاصفة: قصة الوحدة إكس

 

- تكمن قوة الكتاب في منظور مؤلفيه الفريد؛ فراج شاه، المدير السابق للوحدة، وكريستوفر كيرشوف، المستشار البارز ذي الخلفية الأمنية العميقة، يقدمان شهادة حية من قلب المعركة.

 

- تمنح هذه التجربة المباشرة تحليلهما مصداقية وعمقًا استثنائيين، وتتيح للقارئ فهم الديناميكيات الداخلية للبنتاجون، والصراعات الثقافية، والجمود المؤسسي الذي يعيق الابتكار.

 

- ولعل أحد أروع فصول الكتاب هو اعترافهما الصريح بفشل النسخة الأولى من الوحدة، وكيف تم اختيارهما لإعادة إحيائها.

 

- والكتاب ليس مجرد قصة عن التكنولوجيا والحروب، بل يُعد درسًا بليغًا في التغيير التنظيمي. وهو يسلط الضوء على أهمية وجود فريق عمل استثنائي، وداعم قوي في قمة هرم السلطة، وضرورة تحقيق "انتصارات سريعة" لبناء الزخم والثقة.

 

- إنه يؤكد على أن فهم الثقافات المختلفة، وإيجاد هدف مشترك يوحد الجميع -وهو هنا تسليح الجندي بأفضل الأدوات- هو مفتاح النجاح.

 

نقد لاذع: هل هو نجاح حقيقي أم مجرد واجهة؟

 

 

- قد يخرج القارئ من الكتاب بانطباع وردي بأن البنتاجون بدأ أخيرًا يواكب العصر. لكن هذا الانطباع، كما يتضح أنه أبعد ما يكون عن الحقيقة.

 

- فما تمارسه وزارة الدفاع في الغالب هو "مسرح استحواذ أدائي"، كانت وحدة الابتكار الدفاعي جزءًا ناجحًا منه، لكنه يظل مسرحًا.

 

- انتشرت مكاتب الابتكار مثل DIU وAFWERX، لكن النظام الأساسي الذي خلق الخلل لا يزال قائمًا لم يُمَس.

 

- وهنا تبرز إحدى عثرات الكتاب؛ فبينما يغوص في قصص النجاح، فإنه يميل أحيانًا إلى نبرة احتفالية، مقللاً من مساحة النقد الموضوعي لحدود الوحدة وإخفاقاتها، وهو ما كان سيمنح السرد ثراءً أكبر.

 

في قلب الأزمة: حوافز مشوهة ونظام يرفض التغيير

 

- لماذا يصعب تغيير هذا النظام؟ ببساطة لأن هياكل الحوافز فيه مشوهة تمامًا، وتعمل ضد الابتكار السريع والفعّال. ويمكن تقسيم المشكلة إلى محورين رئيسيين:

 

أبرز مشكلات الوحدة

1- عمالقة الصناعة الدفاعية

 

 

- تفضل الشركات الكبرى مثل "لوكهيد مارتن" و"بوينج" و"رايثيون" النظام كما هو، وتبنى نماذج أعمالها على عقود طويلة الأمد ذات أسعار ثابتة وتكاليف مضافة.

 

- وهكذا تحقق الأرباح وتقدم القيمة للمساهمين، وهو مقياس نجاحها الأساسي.

 

ومن ثمّ، ليس لديها أي حافز حقيقي لإنتاج أنظمة قديمة ومجرّبة بكميات كبيرة إذا لم يكن هناك طلب واضح ومستمر من البنتاجون.

 

- والشاهد هنا أن وتيرة الابتكار المتسارعة والحلول زهيدة الثمن التي يقدمها وادي السيليكون تهدد هوامش ربح هذه الشركات الكبرى.

 

2- ثقافة البنتاجون

 

 

- تباطؤ الوزارة نفسها في شراء الأنظمة المجرّبة والفعّالة بكميات كبيرة؛ إذ إن كل جهة وكل فرع من القوات المسلحة يريد حصته من "كعكة" الدفاع، ويسعى للحصول على أحدث التقنيات وأكثرها تعقيدًا، أو ما يسمى بـ "الأسلحة الخارقة".

 

- وغالبًا ما تتجاوز هذه المشاريع الميزانية وتتأخر عن الجدول الزمني، لكنها تضمن مسارات وظيفية مرموقة للمسؤولين عنها.

 

- وفي حين يستشهد المسؤولون بأوكرانيا التي أثبتت جدوى المسيّرات البسيطة وقذائف المدفعية وصواريخ جافلين وستينجر، فإنهم في مكاتبهم يطلبون الجيل القادم من الأسلحة التي لم تثبت جدواها بعد.

 

 

ثورة التكنولوجيا في ميادين القتال

 

 أبرز التأثيرات التكنولوجية على الحروب الحديثة حول العالم

أهمية الابتكار العسكري:

 

 

- ولى الزمن الذي يُقاس فيه التفوق العسكري بحجم الجيوش وترساناتها التقليدية، وأصبح الابتكار التكنولوجي هو المحرك الجوهري للقوة العسكرية.

 

- فالقوى التي تمتلك زمام المبادرة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات المتقدمة، وأدوات الحرب السيبرانية، هي وحدها القادرة على فرض هيمنتها في ساحات المعارك المستقبلية.

 

- يمنح هذا التفوق الجيوش القدرة على تنفيذ عمليات خاطفة وشديدة الدقة، وبتكلفة بشرية ومادية أقل، مما يجعل الاستثمار في الابتكار خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه.

 

الفضاء السيبراني: شريان الحرب الجديد

 

 

 

- في خضم هذا التطور، يبرز التفوق السيبراني كعامل حاسم في تحديد مصير النزاعات.

 

- فالدولة التي تسيطر على هذا الفضاء الرقمي تملك القدرة على شلّ خصمها بالكامل قبل أن تُطلق رصاصة واحدة.

 

- أضحت الهجمات السيبرانية سلاحًا استباقيًا فتاكًا، قادرًا على تعطيل شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، وإغراق الدولة المستهدفة في ظلام وفوضى شاملة.

 

- لذا، تحول السباق المحموم للسيطرة على هذا الميدان إلى حجر زاوية في استراتيجيات الدفاع الوطنية للقوى العظمى.

 

الروبوتات والمُسيّرات: جنود لا يعرفون الخوف

 

 

 

- أصبحت الروبوتات والمركبات غير المأهولة جزءًا لا يتجزأ من المشهد العسكري الحديث، حيث تنفذ مهام الاستطلاع والمراقبة والهجمات بدقة متناهية.

 

- وتعمل هذه الأنظمة، سواء كانت مُسيّرات تحلق في السماء أو غواصات آلية تجوب الأعماق، كعيون وآذان للجيوش في البيئات الأكثر خطورة، دون تعريض حياة الجنود للخطر.

 

- أحدثت تقنيات التحكم عن بُعد ثورة في الكفاءة القتالية، حيث بات بإمكان الجندي إدارة روبوت مسلح من موقع آمن خلف خطوط القتال، مما يقلص الخسائر البشرية إلى حدها الأدنى.

 

الأسلحة "المفكرة": بين الكفاءة والمعضلة الأخلاقية

 

 

 

- وصل التطور التكنولوجي إلى ذروته مع ظهور "الأسلحة ذاتية التحكم"، وهي أنظمة قتالية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قراراتها بنفسها، بدءًا من تحديد الهدف وحتى تنفيذ الهجوم دون أي تدخل بشري.

 

- غني عن القول إن دمج هذه الأنظمة المتطورة يفرض على الجيوش تحديات هائلة، ليس فقط على مستوى التدريب والتأهيل، بل أيضًا في تطوير بنية تحتية قادرة على تشغيلها وصيانتها في أقسى الظروف القتالية.

 

 

سباق لا مكان فيه لمن يتخلف عن ركب التكنولوجيا

 

 

- في نهاية المطاف، لا يتمحور كتاب "الوحدة إكس" حول الأدوات الذكية، بل حول ضرورة استراتيجية ملحة: وهي حاجة الولايات المتحدة، والغرب بالتبعية، إلى الحفاظ على التكافؤ التكنولوجي مع خصومها، كوسيلة للردع.

 

- يُعد الكتاب، الذي حظي بإشادة واسعة من شخصيات بارزة مثل ديفيد بتريوس، الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية، تذكير بأن هذا التكافؤ ليس أمرًا مفروغًا منه.

 

- ومن الطبيعي أن ينتهي الكتاب في أوكرانيا؛ حيث تخوض القوات المدعومة من الغرب نفس نوع الحرب التي تصورتها "الوحدة إكس" قبل عقد من الزمان.

 

- صمدت القوات الأوكرانية، رغم تفوق العدو في العدد والعتاد، بفضل تبنيها السريع للتكنولوجيا التجارية المطوّرة، والتي رعت "الوحدة إكس" جزءًا منها.

 

- وكما قال الجنرال دوجلاس ماكارثر عام 1940، فإنه "يمكن تلخيص تاريخ الفشل في الحروب في 3 كلمات: "بعد فوات الأوان".

 

- وفي سباق التسلح في القرن الحادي والعشرين، لا يوجد جائزة للمركز الثاني، ولا عذر لمن يصل متأخرًا.

 

المصدر: فاينانشال تايمز

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا