اقتصاد / ارقام

محلل بارع لكنه متداول متعثر .. لماذا؟

  • 1/4
  • 2/4
  • 3/4
  • 4/4

كثيرًا ما يرى البعض في أنفسهم القدرة على قراءة التطورات في أسواق الأسهم، حيث يتوقعون صعودًا محتملًا لسهم بعينه، أو انهيارًا قادمًا في السوق، لكن كثيرين يفشلون كمتداولين على الرغم من تحليلاتهم الصائبة للأسهم وللسوق بشكل عام.
 

فالنجاح في سوق الأسهم لا يتطلب فقط قدرة على تحليل الأرقام وقراءة التقارير والقوائم المالية، بل يمتد ليشمل استنتاج وقراءة "معنويات السوق" وآثار بعض القرارات الاقتصادية المستقبلية على الأسواق بشكل عام والشركة التي يستثمر فيها أو يعتزم شراء أسهمها بشكل خاص، فضلًا عن القدرة على التمتع بـ"الانضباط" النفسي في التداول.
 


 

محلل ناجح ومتداول متعثر
 

وتُعد قصة "جون ميريويذر" واحدة من أكثر التجارب دلالة في عالم التمويل، فهي تجسد التباين الكبير بين النجاح التحليلي والفشل العملي في التداول، حيث قدم مثالًا حيًا على المفارقة التي تكمن في أن امتلاك أذكى العقول القادرة على قراءة الأسواق بدقة لا يضمن بالضرورة النجاح عندما يتعلق الأمر بالمخاطرة الفعلية والمراهنة بالمال.
 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

درس "ميريويذر" الاقتصاد وإدارة رؤوس الأموال في جامعات كبرى مثل شيكاغو، ليصبح محللًا استثنائيًا في وول ستريت، إذ بدأ مسيرته المهنية في بنك "سالمون برازرز" Salomon Brothers، حيث لمع نجمه كقوة دافعة وراء استراتيجية التحكيم المالي المبتكرة.
 

في الثمانينات، حقق قسمه أرباحًا طائلة للبنك، ما رسخ مكانته كأحد أذكى العقول القادرة على فك شفرات تعقيدات السوق وتحديد فرص بناءً على النماذج الرياضية الصارمة.
 

كانت النقلة النوعية في مسيرة ميريويذر هي قراره عام 1994 بالانتقال من منصب المحلل الذي يقدم الاستشارات إلى منصب المتداول المنفذ بتأسيس صندوق التحوط "لونج تيرم كابيتال مانجمنت".
 

نخبة ولكن
 

ولم يكن هذا مجرد صندوق عادي، بل كان تجميعًا لنخبة النخبة، بما في ذلك اثنان من الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد، مما جعله أشبه بـ"فريق الأحلام" المالي، حيث اعتمد الصندوق بشكل كلي على النماذج الرياضية المتقدمة، وكان جوهر استراتيجيته، المعروفة باسم "التحكيم التقاربي"، هي المراهنة على أن الفروقات السعرية غير المنطقية بين الأصول المتشابهة لا بد أن تتلاشى مع مرور الوقت.



 

ولتحقيق عوائد ضخمة من فروقات سعرية دقيقة، استخدم الصندوق رافعة مالية هائلة وصلت إلى 30 ضعف رأس المال، وهو ما يمثل ذروة الثقة في قدرة النماذج على التحكم في السوق.
 

وبالفعل حقق الصندوق عوائد مذهلة في سنواته الأولى، الأمر الذي غذّى شعورًا بالثقة المطلقة في قوة نماذجه الرياضية، متجاهلاً بذلك عنصر المخاطر غير المتوقعة.
 

وجاءت نقطة التحول الكارثية في عام 1998 مع الأزمة الروسية وتخلف موسكو عن سداد ديونها، إذ تصرفت الأسواق بطريقة غير عقلانية وفوضوية لم تتوقعها النماذج الرياضية المعقدة، فتباعدت الفروقات السعرية بدلًا من أن تتقارب.
 

وفي غضون أسابيع، تكبد الصندوق خسائر بمليارات الدولارات، وواجه أزمة سيولة وشيكة كادت أن تزعزع النظام المالي العالمي بأكمله.
 

لم يكن الإنقاذ الذي نظمه الاحتياطي الفيدرالي سوى اعتراف بأن المتداول، حتى لو كان يقوده عبقري تحليل، يمكن أن يسقط عندما تتجاوز الأحداث قدرة النماذج الرياضية على استيعابها.
 

محلل ناجح ومتداول بارع
 

وفي مقابل نموذج "ميريويذر" يبرز "بول تيودور جونز" الذي كان اسمًا لامعًا في الأوساط المالية، ليس لضخامة ثروته فحسب، بل لكونه تجسيدًا حيًا لنموذج المتداول الذي ينجح في الجمع بين النظرية والتطبيق.
 

ففي الوقت الذي يكتفي فيه العديد من المحللين بوضع التوقعات النظرية، أثبت جونز قدرته الفريدة على تحويل رؤاه العميقة للأسواق إلى قرارات تداول فعّالة ورابحة. لقد حقق جونز توازنًا نادرًا يجمع بين الفكر المالي الاستراتيجي والانضباط السلوكي الصارم.
 

وبدأت رحلة جونز من خلال تبنيه التحليل الكلي، حيث كان يركز على رصد المؤشرات الاقتصادية الكبرى مثل النمو، والتضخم، وسياسات البنوك المركزية، والتطورات الجيوسياسية، وكان يؤمن بأن حركة الأسواق تتأثر بدورات اقتصادية وتاريخية يمكن التنبؤ بها.

 

ولكن نجاحه لم يتوقف عند هذا الحد، إذ كان ينتقل بسلاسة من هذه الرؤية بعيدة المدى إلى التحليل الفني، مستخدمًا أدوات مثل المتوسطات والمؤشرات لتحديد نقاط الدخول والخروج المثلى.
 

هذا الدمج المتقن بين رؤية الصورة الكبرى التي يوفرها التحليل الكلي والتركيز على التفاصيل الدقيقة التي يوفرها التحليل الفني، منحه أفضلية استثنائية في فهم ديناميكيات السوق.
 

ويكمن جوهر تفوق جونز في فلسفته الصارمة لإدارة المخاطر، حيث كان يقول دائمًا إن "النجاة هي الأهم وليس الربح"، وهو المبدأ الذي طبقه بمنتهى الدقة والصرامة.
 

"المغامرة" بانضباط
 

 ولم يكن يخاطر أبدًا بأكثر من 1% من رأس ماله في أي صفقة، وكان يبحث فقط عن الفرص التي يتجاوز فيها العائد المحتمل حجم المخاطرة بخمسة أضعاف على الأقل. ولم تكن هذه مجرد قاعدة نظرية، بل كانت استراتيجية يتم تنفيذها بدقة، مما ضمن له الاستقرار والربحية على المدى الطويل، حتى في حال خسارته لأكثر من نصف صفقاته، وهذا الانضباط في التنفيذ هو ما ميزه عن الآخرين وجعله من أكثر المتداولين استدامة.
 

ويُعد تنبؤ جونز بانهيار السوق في عام 1987، المعروف بـ"الاثنين الأسود"، مثالًا بارزًا على نجاحه في ربط التحليل بالتنفيذ، حيث قام بفضل تحليله العميق لدورات السوق والسلوك السعري بفتح مراكز بيع ضخمة قبيل وقوع الانهيار، ليحقق أرباحًا تجاوزت 100 مليون دولار في يوم واحد بينما كان سوق الأسهم ينهار.
 

وإضافة إلى براعته التحليلية والتنفيذية، تمتع جونز بصفة حاسمة وهي القدرة على الانفصال العاطفي عن السوق، فلم يسمح للمكاسب الكبيرة أن تثير حماسه ولا للخسائر اللحظية أن تؤثر على حكمه، بل كان تركيزه منصبًا على الالتزام بخطته طويلة الأمد.
 

وكان يرى في المراجعة المستمرة للأداء والتعلم الدائم أساسًا للنجاح، مؤمنًا بأن التطوير لا يتوقف حتى بعد عقود من الخبرة.
 

تلافي الفخ الحقيقي
 

وفي ذلك استطاع "جونز" تلافي الفخ الذي يقع فيه أكثر من 31% من المتداولين الذين يجعلون هرمونات أبرزها الكورتيزول والتستوستيرون والدوبامين وكذلك الأدرنالين تقودهم في الأسواق بشكل كامل، لا سيما الهرمون الأول الذي يُفرز مع التوتر ويزيد من مستويات السكر في الدم ويؤثر على 61%، بعضهم بشكل كامل والآخر بشكل جزئي.



 

وكشفت دراسة أجريت على مجموعتين من المتداولين أيضًا تم منحهم التستوستيرون يميلون إلى المخاطرة بنسبة 17% أكثر ممن لم يتم منحهم، مع ملاحظة أن التداول يدفع كثيرين لإفراز هذا الهرمون وأيضًا الأدرنالين بشكل طبيعي أثناء التداول.
 

وإذا لم يكن المتداول واعيًا لتأثير مثل تلك الهرمونات عليه أثناء التداول فسيكون لها تأثير عليه، عظم هذا التأثير أو تضاءل.
 

كما يحذر كثيرون دومًا من آثار سير الأسواق في غير الإتجاه الذي توقعها المحلل -المتداول، فإذا قدر ارتفاع السوق بنسبة معينة ثم فاقت الارتفاعات توقعاته فقد يظل محتفظًا ببعض الأسهم التي كانت خطته تقضي ببيعها عند وصولها لمستوى سعري معين أو تخطي مضاعف ربحية محدد، بما يعرضه لاحقًا لخسائر ضخمة.
 

ويبرز هنا مثال صارخ في يومنا هذا على الانضباط في التداول، في قرار "وارين بافت" ببيع أسهم في العديد من الشركات، أبرزها "أبل"، والاحتفاظ بـ"الكاش" وذلك على الرغم من ارتفاع السوق الأمريكي لمستويات قياسية تغري بالاستثمار.
 

 وبغض النظر عن صدق توقعات "بافت" بتراجع السوق لاحقًا بما يمثل فرصًا للشراء، إلا أنه يبدي التزامًا كبيرًا بالسير "عكس التيار"، ليتناغم لديه "المحلل" مع "المتداول".
 

المصادر: أرقام- بروكيجنز- نيويورك تايمز- سي.إن.بي.سي- إم.دي.بي.آي

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا