دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الأكثر نشاطاً بتاريخ الولايات المتحدة، «لا يكل ولا يمل»، له رأي في كل شيء، ولا يمانع في تغييره خلال أقل من 24 ساعة، يتقن فن التفاوض ويهوى سياسة المغامرة، وحافة الهاوية، ويعشق الصفقات ويتقن لعبتها، استناداً إلى خلفيته من الصغر في عالم المال والأعمال.
لن نذهب في ذاكرتنا إلى مدى بعيد، ولكن إلى أيام قليلة مضت وتحديداً إلى نهاية الأسبوع قبل الماضي، وقبل إغلاق الأسواق الأمريكية بساعة، عندما خرج إلى الجميع ليعلن إلغاء لقائِه المرتقب مع الرئيس الصيني، ورفع الرسوم الجمركية الأمريكية على مجموعة من السلع الصينية، رداً على رسوم بكين على المعادن وعلى تقييدها استيراد فول الصويا من أمريكا.
ماذا حدث عند الإعلان؟ أصابت أسواقَ المال الأمريكية ومؤشراتها جميعاً خسائر بعدة تريليونات من الدولارات، بينها تريليون دولار لشركات التكنولوجيا وحدها، وقضى المستثمرون نهاية أسبوع بخسائر واكتئاب، وشمل ذلك مديري صناديق المعاشات والتحوط.
وخلال عشية عطلة الأسبوع التالية، عاد ترامب إلى تغيير لهجته تجاه الصين، وبدأ يتحدث تدريجياً عن انفراجات في العلاقات الأمريكية الصينية وعن لقاء مرتقب بينه وبين الرئيس الصيني، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى التفاؤل ليضخُّوا مجدداً ملياراتهم في الأسواق الأمريكية التي توشك على الإغلاق، لتقفز بمكاسب تريليونية من جديد، وكأن شيئاً لم يكن، ليكمل ترامب مفاجآته في نهاية الأسبوع ويطلق تصريحاته من كوالالمبور عن التوصل إلى اتفاق مع الصين وعن لقاء قادم مع الرئيس الصيني خلال ساعات.
هذا درس بسيط من دروس ترامب للأسواق المالية، حدث «مراراً وتكراراً» منذ توليه السلطة في مطلع العام 2025، وأيضاً في ولايته الأولى، حيث تأرجحت أسواق المال في مناسبات عدة، وكانت حالة عامة فيما كان الاستقرار هو «الاستثناء».
إذا أردت أن تواصل الاستثمار في أسواق المال العالمية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، في هذه المرحلة وعلى مدار السنوات الثلاث المقبلة، عليك أن تعي أن التأرجح والاهتزازات ستكون هي السائدة وعنوان المرحلة، وأن تصريحات ترامب المتكررة، وتدخله المفاجئ في أبسط القضايا التابعة للشركات والقطاع الخاص، هي أحد أبرز محركات الأسواق، وعليك هنا «تقييم مخاطر استثمارك، التي كلما ازدادت قد يصبح عائدك أعلى وخسائرك أعلى في المقابل».
وبعيداً عن نظرية «المؤامرة» التي تتحدث عن أن ترامب يقصد إثارة الأسواق ليستفيد هو ومجموعة مقربة منه من اهتزازات الأسواق، يبقى الثابت، أن أسواق المال ليست كلها أرباحاً، ولا هي خسائر، بل على العكس تتيح فرصاً مجزية ومدهشة للجميع لتحقيق تنمية استثماراتهم ومدخراتهم، فهناك أسهم النمو، وهناك أسهم المضاربة، وهما متاحان للجميع، وعلى كل من يدخل السوق أن يعمل دراساته الخاصة التي باتت أكثر إتاحة من أي وقت مضى، بسبب التقنيات المتقدمة التي توفر المعلومات والتحليلات المناسبة، وهناك مكاتب وصناديق الاستثمار التي تتيح ذلك.
الأسواق لا تُكافئ المتسرعين، ولا ترحم الغافلين، لكنها تمنح فرصاً ثمينة لمن يُجيد قراءة إشاراتها.
وفي زمن ترامب، تلك الإشارات تُكتب — أحياناً — بتغريدة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
