عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

السبّ الهاتفي.. جريمة الإثبات الصعب

تحقيق جيهان شعيب
* ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} هذا قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم، وهي القاعدة السلوكية التي يجب أن يمتثل لها الجميع في تعاملاتهم، فلا بهتان وتزوير مقبولان، ولا كذب وتدليس مبرران، ولا سبّ وقذف وتشهير مجازة، لا مجال لمثل هذه السلوكات الرديئة، وغيرها المشابهة لها، في قاموس القول والفعل من أي كان، مهما يكن السبب والدافع، في كل الأحوال والوقائع.

والمؤسف بخصوص قولنا السابق، لجوء بعضهم إلى سبّ الآخرين وتحقيرهم، وازدرائهم، عبر المحادثات الهاتفية، تنفيساً عن الغضب، أو للإهانة والتقليل من شأنهم، أو لإثبات القوة والسيطرة والقدرة على التجاوز والتطاول، من دون خوف من العواقب التي قد تترتب على ذلك.

الأكثر أسفاً في هذا الأمر أن يسبّ أحدهما الآخر عقب انتهاء محادثة هاتفية بينهما، دون أن ينتبه الفاعل إلى أن الخط الهاتفي ما يزال مفتوحاً بينهما، فيسمع المتضرّر، مسبّته بنفسه، وهو من كان يعتقد أن علاقته بمحدّثه جيدة، وأنه ما من سبب لتعرضه لذلك منه.. والسؤال هنا: هل يستطيع التقدم بشكوى عليه، من دون أن يكون لديه دليل على ما تعرض له من سبّ؟ وكيف للجهات المعنية إثبات الضرر؟ وهل من عقوبة مقررة على هذا الفعل؟

  • مؤثم قانوناً

السبّ الهاتفي المباشر أو من دونه، محل حديثنا في الأسطر الآتية، حيث قال المستشار القانوني الدكتور يوسف الشريف: في الوقت الذي سهلت فيه وسائل الاتصال، التواصل بين الناس، وجدنا بعضهم يسيء استعمالها، فبدلاً من الاقتصار على الانتفاع بفوائدها، والغايات التي اخترعت لتحقيقها، هناك من يستغلّها أسوأ استغلال إلى حدّ ارتكاب الجرائم، وإلحاق الأذى بالآخرين، ومن هذه الصور السبّ الهاتفي، وهنا يثار السؤال هل هذا السبّّ يمكن تجريمه؟ وهل يجوز تسجيل المحادثات الهاتفية، لإثبات مثل تلك الوقائع؟ وكيف يمكن إثباتها حال عدم تسجيلها؟

الحقيقة، ومما لا شك فيه أن السبّ بالوسائل كافة، مؤثّم قانوناً، ومعاقب عليه، لكن المشكلة تكمن في إثبات الواقعة، فإذا كانت المكالمة التي تضمنت السبّ مسجلة، يكون هذا التسجيل دليلاً عليه، وهنا نكون أمام واقعة سبّ عبر الهاتف في مواجهة المجني عليه، إن كان السبّ مباشراً خلال المكالمة، لاسيما أن تسجيل المحادثات الهاتفية غير مؤثم قانوناً مادام مقتصراً على التسجيل دون النشر، أو التوزيع، على غير أطراف المكالمة، ومن ثمّ إذا ثبت السبّ بمكالمة هاتفية مسجلة، قامت جريمة السبّ، عبر الهاتف في مواجهة المجني عليه، ووجب العقاب.

  • وجوب الإثبات

وواصل: أما حال عدم التسجيل، فلا بدّ من إثبات واقعة السبّ بأي وسيلة أخرى مقبولة قانوناً، مثل وجود سمع المحادثة الهاتفية بما حوته من سبّ، وفي هذه الحال أيضاً نكون بصدد جريمة السبّ عبر الهاتف في مواجهة المجني عليه إذا كان خلال المكالمة، وهناك حالات قد يكون السبّ وإثباته أكثر صعوبة وذلك في حال إنهاء محادثة هاتفية، من دون أن يغلق أحد طرفيها الهاتف عقب إنهائها، فيبقى الخط الهاتفي مفتوحاً سواء عن عمد، أم لا، وهنا قد يسمع هذا الطرف سبّه من قبل الطرف الآخر، الذي ظنّ الهاتف مغلقاً، وهي جريمة سبّ عبر الهاتف أيضاً، ولكن ليست في مواجهة المجني عليه، لأن الحديث لم يكن موجهاً له مباشرة.

ولكن إذا أنهى الطرفان المحادثة، وأغلقا الهاتفين، وكان هناك طرف ثالث سمع سبّ طرف لآخر، وأبلغ ذلك الطرف بسبّ الآخر له، فهنا لا نكون بصدد جريمة سبّ عبر الهاتف، وإنما جريمة سبّ عادية، وفي هذه الحال يكون الطرف الثالث هو الدليل على واقعة السبّ، وكذلك في حالة تسجيل المكالمة. أما عند عدم التسجيل وعدم وجود طرف ثالث شاهد، فلا ريب في صعوبة الأمر، ما لم يواجه المتهم، ويعترف وهو ليس بالأمر اليسير إن لم يكن مستحيلاً، وتعود العقوبة من عدمها هنا لتقدير القاضي.

وبشكل عام، فالسبّ في جميع أحواله مؤثّم ومعاقب عليه قانوناً، وتصل العقوبة إلى الحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر، وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف درهم، لكن الأمر يتوقف على إثبات الواقعة من عدمها. فيما نوجه رسالتنا إلى الجميع بالالتزام بحسن استخدام وسائل الاتصال والتواصل، لننتفع بإيجابياتها، ونتلافى سلبياتها، ليسود الودّ، وتعمّ المحبة بين الناس، وهي الغاية المنشودة من الاختراعات البشرية.

  • عقوبة مشددة

وبحسب المستشارة القانونية منوهة هاشم قولها: قد يتحدث «سين» من الناس مع «صاد» هاتفياً، عبر مكالمة تسودها الجدية، وروح الأخوّة، في الوقت الذي قد لا يتبادر إلى ذهن أي منهما تعرضه للإساءة اللفظية من الآخر عقب المكالمة، إلا أنه قد يحدث بعد إنهاء «سين» المكالمة، أن ينسى سهواً أن يتأكد من إغلاق الخط، وهنا قد يسمع - الطرف الثاني - «صاد» وهو يسبّه لشخص ما يجاوره في الجلسة، بألفاظ نابية، ويردّد في حقه كلمات جارحة تمسّ شخصه وعرضه، وهنا ما موقف «صاد» من تعديه بالسبّ على «سين»؟ وهل إنكاره يكفي في عدم إدانته؟ وهل يحق «لسين» أن يتخذ الإجراءات القانونية في حقه؟

بالنظر للقانون نجد أن المشرّع الإماراتي نصّ في المادة (374) من قانون العقوبات الاتحادي على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم إذا وقع القذف، أو السبّ بطريق الهاتف، أو في مواجهة المجني عليه، وبحضور غيره، وتكون العقوبة الغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم، إذا وقع القذف أو السبّ في مواجهة المجني عليه في غير حضور أحد، أو في رسالة بعث بها إليه بأية وسيلة كانت، ويعد ظرفاً مشدداً إذا وقع القذف أو السبّ في الحالات المبيّنة في الفقرتين السابقتين في حق موظف عام، أو مكلف خدمةً عامةً أثناء أو بسبب، أو بمناسبة تأدية الوظيفة، أو الخدمة العامة، أو كان ماسّاً بالعرض أو خادشاً لسمعة الأسر، أو كان ملحوظاً فيه تحقيق غرض غير مشروع.

  • لسنا في غابة

ومن هنا - والحديث للمستشارة منوهة - يتضح أن المشرّع شدّد العقوبة، وعليه جاء في المنثور للزركشي: إعذار الجاهل من باب التخفيف، لا من حيث جهله، حيث نصّ بعض العلماء على أن جهله لا يكون عارضاً مؤثراً، في عدم مؤاخذته، بل يؤاخذ بهذا الفعل، وقد تحدث مثل هذه الحالات في أثناء المرافعات، وحضور الجلسات عن بعد إلكترونياً، وكذلك في أثناء التحدث إلى خدمة العملاء، والمتصل لم يتأكد من إغلاق المكالمة نهائياً، وقد أحيلت مثل هذه الدعاوى إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، وهنا يجب الاقتداء بالمثل القائل «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن أهنته أهانك». وعلى الإنسان أن يحرص على قول الحق إن كانت له وجهة نظر سلبية، ولكن على أن يكون ذلك بالطريقة الصحيحة قولاً ولفظاً، وفي المكان الصحيح، وللجهة المخوّلة. الاختصاص نفسه.

وليس لنا الحق في أن نترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لكل من هبّ ودبّ للتلفظ بالسوء، وعلينا احترام كيان المجتمع، وقانونه، وضوابطه، لأننا لسنا في غابة همجية، ولا بدّ من الحرص ثم الحرص على القول السديد، وإن كان لدى الفرد ملاحظة، فعليه توجيهها لأصحاب الاختصاص، لأنهم المخوّلون بحل أي معضلة، وإن كان الأمر شخصياً، والقانون، ولله الحمد، حفظ الحقوق والحريات، وحماها للشخص الطبيعي، والاعتباري، ولا بدّ من التذكير بحديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لمعاذ: «وهل يَكُبُّ النَّاسَ في النّار على وجوهِهِم، أو علَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم». فالسبّ معاقب عليه شرعاً وقانوناً، وفي كل الشرائع والأديان، فليمسك المرء لسانه، ولا يخترق الحريات، بالسبّ، والقذف، وسوء الكلام.

  • آفة خطرة

وعن موقف الشارع الحكيم من التجاوز اللفظي سبّاً، وتطاولاً، وغيبة ونميمة، قال الباحث الشرعي الدكتور السيد البشبيشي: انتشرت بين الناس عامة، وفي أوساط الشباب، خاصة آفة السبّ واللعن، والشتم، حتى أضحت عادة على ألسنة بعضهم، متجاهلين خطورة ذلك، وقول سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر». فنرى أحدهم يسبّ فلاناً، ويلعن فلاناً، ويخوض في عرض فلان، وهذا فسق وحرام بإجماع الأمة، فيما قال عليه الصلاة والسلام: «ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش البذيء». وقال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلاً، وإلا رجعت إلى قائلها».

وأما المسبوب فمن حقه الانتصار لنفسه بقدر مظلمته، كما قال تعالى: {ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبيلٍ}. إلّا أن الأفضل والأكمل الصبر والعفو، والمؤسف ما يحصل من بعضهم حينما يتحدث مع غيره هاتفياً، بوجهين: فأمامه يمدحه ويسالمه ويسامره، فإذا انتهت المكالمة سبّه، ولعنه، وشتمه، وخاض في عرضه، وسلخه بلسان من حديد!! فجمع بين هذه المنهيات والغيبة المحرّمة، وخالف قول ربنا {ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ}، وربما تعظم المصيبة حينما يظنّ أن الآخر قد أغلق الخط، فيأخذ راحته في السبّ والطعن واللعن، والآخر لا يزال على الخط يسمعه، فيوغر صدره ويحمل إثمه ووزره، وتقع العداوة والبغضاء بين الاثنين.

  • الكلمة خطرة

ولربما صنع الآخر ذلك متعمداً، حين أبقى الاتصال مفتوحاً تجسساً، وتصنتاً على أخيه، فيسمع منه ما يكره، لأنه هو الآخر قد خالف النهي في قول الله جل وعلا: {ولا تَجسّسوا}، فعاقبه الله بسماع ما يكره. كما أن هناك من الناس من نراه مثل وكالة أنباء متنقلة، ينتقل من مجلس إلى مجلس، ومن شخص إلى شخص، ينقل كلاماً من هنا وهناك، ويمشي بين الناس بالنميمة، ليوقع بينهم العداوة، والبغضاء، قصد ذلك أم لم يقصده، فقد وقع في النميمة، وهي كبيرة من الكبائر، التي تحرم صاحبها نعيم القبر، والجنة.

  • تصرف لا أخلاقي من غير الأسوياء

في التركيبة السيكولوجية لمن يعتمد السبّ في حديثه، والتطاول، وإهانة الآخرين، أوضحت الاختصاصية النفسية الدكتورة غاية الشامسي، أن التلفّظ بألفاظ تدخل في إطار السبّ، والشتيمة، تعدّ تصرفاً غير أخلاقي ممن يقوم بذلك، وهو شخص غير سويّ، لا يحترم نفسه والآخرين، ويكون بشكل عام منبوذاً بين أفراد أسرته، وزملائه، سواء في المراحل التعليمية، أو الحياة الوظيفية، وقد يتجنّبه المحيطون به لطبيعته تلك، ويصل الأمر إلى كراهيته، مع خسارته للعلاقات الاجتماعية التي تؤدي به إلى العزلة، لعدم رغبة أحد في التعامل معه، ما يصيبه أحياناً بحال اكتئاب، عزلته.

ومن يلجأ إلى السّباب والشتائم يفتقد للمشاعر، والأحاسيس المرهفة، التي يجب أن نتحلّى بها، ويعوض ذلك بالسّباب، والتطاول، وإهانة الآخرين، وهو تصرف غير مقبول دينياً واجتماعياً.

كما أن الشخص الشتّام، بشكل عام، يفتقر إلى الوازع الديني، ويحاول فرض قوة زائفة ورجولة، وإثبات ذاته، باستخدام السباب، لإحساسه بضعف شخصيته. وأحياناً يلجأ بعضهم للسبّ في إطار المزاح، وهو تصرف غير مقبول، وهنا للتنشئة الاجتماعية دور مهم في التربية، وإكساب الفرد قيماً سوية، ومبادئ سليمة خالية من كل ما قد يخلّ بالآداب العامة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا