شعر الأستراليون بالقلق منذ نزول المستعمرين الأوائل على شاطئ القارة، قبل أكثر من قرنين من الزمان، واستمرت حالة انعدام الأمن حتى مع ازدهار أستراليا وتعزيز مؤسساتها، فهي ديمقراطية ليبرالية ذات مساحة شاسعة غنية بالموارد، ومحاطة بالمياه من كل جانب، واليوم أصبحت المخاوف الأسترالية حادة، حيث تتأرجح قوتان تدعمان صعودها الحديث، وبينما تحالفت مع أميركا لأغراض الدفاع، فقد أرست علاقات اقتصادية متينة مع الصين، وعلى الرغم من كل ذلك، بعد أسبوع من الحديث مع كبار رجال الأعمال والسياسيين ومسؤولي الأمن القومي، فإن صحيفة «تيليغرام» الأسترالية العريقة لديها حدس بأن القلق الأسترالي يمنح البلاد بداية جيدة.
واليوم، لدى كل حليف لأميركا سبب للقلق من الرئيس، دونالد ترامب، وهذه أوقات مخيفة أيضاً للدول التي تتاجر مع الصين، وفي العديد من الصناعات أصبح البيع للصين أكثر صعوبة، لأن نموها يتباطأ، وقادتها عازمون على تحقيق قدر أكبر من الاعتماد على الذات.
وفي الوقت نفسه، يصر حكام الصين على الهيمنة على أسواق التصدير المهمة، وهم على استعداد لاستخدام قوتهم الاقتصادية لردع أي دولة تقف في طريقهم، ويبدو الآن أن من حسن الحظ أن أستراليا كانت تفكر في اعتمادها على أميركا والصين لبعض الوقت، في حين كانت قوى غربية عديدة، خصوصاً في أوروبا، نائمة في هدوء.
تحالف أمني
إن التاريخ الرائع للسياسة الخارجية الأسترالية الذي كتبه الدبلوماسي ومحلل الاستخبارات الراحل، آلان جينجل، يُطلق عليه بصراحة «الخوف من التخلي: أستراليا في العالم منذ عام 1942».
ويصف هذا التاريخ، الصدمة التي شعرت بها أستراليا عندما انسحبت بريطانيا، الدولة الأم الإمبراطورية، من آسيا، وأصبحت قوة أوروبية متوسطة الحجم، وسعت أستراليا على نحو لائق إلى إقامة تحالف أمني مع أميركا، وصاغت حججاً صديقة لواشنطن حول سبب كونها شريكاً يتحمل العبء.
ويروي جينجل أن الزعماء السياسيين الذين أرسلوا قوات أسترالية إلى فيتنام للقتال إلى جانب القوات الأميركية، تحدثوا في ستينات القرن الـ20، عن دفع قسط «بوليصة تأمين».
وبعد نصف قرن من الزمان، يجري صقل الخطوط التي ترضي ترامب في العاصمة الأسترالية، كانبرا، المدينة الريفية الهادئة، وقد قدمت أستراليا أخيراً مساهمة بقيمة 500 مليون دولار لدعم صناعة بناء الغواصات في أميركا.
وكان ذلك بمثابة دفعة أولى لخطة «أوكوس»، وهي خطة تجمع أميركا وأستراليا وبريطانيا في تحالف لمواجهة وردع القوة البحرية الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لعقود مقبلة.
ومن المقرر أن تبلغ كلفة الخطة، التي تم الاتفاق عليها مع إدارة بايدن، ما يصل إلى 228 مليار دولار، على مدى سنوات طويلة، وتدعو الخطة أستراليا وبريطانيا إلى تصميم وبناء غواصات متقدمة تعمل بالطاقة النووية، بشكل مشترك، لتسليمها إلى أستراليا في أوائل الأربعينات من القرن الـ21.
وكخطوة مؤقتة، ستشتري أستراليا أسطولاً من الغواصات المصنوعة في أميركا، كما تنفق مليارات الدولارات على ترقية قاعدة بحرية بالقرب من مدينة «بيرث» الغربية، ما يوفر للغواصات الأميركية والبريطانية، إمكانية الوصول الخفي إلى المحيط الهندي.
تقييم المخاطر
ومع وجود ترامب في البيت الأبيض، هناك حديث في «كانبرا» عن «فترة التصنيف حسب الأولوية»، ويجب على المسؤولين تقييم المخاطر العاجلة، مثل استعداد الرئيس الأميركي لفرض رسوم جمركية على الحلفاء.
وفي الاتصالات المبكرة، ذكّر القادة الأستراليون، ترامب وفريقه بأن الميزان التجاري بين بلدهم كان لمصلحة أميركا منذ عهد الرئيس ترومان، ثم يأتي اللغز الأطول أمداً، حول ما قد تريده إدارة ترامب بالفعل من أستراليا، عندما يتعلق الأمر بمواجهة الصين.
وأفاد عضو برلماني، من يمين الوسط عن محادثات مع جمهوريين في واشنطن، الذين أخبروه بأن أميركا «ستحتاج إلى ضمانات منا» بأن أي غواصات أميركية تباع لأستراليا، ستكون متاحة في حالة نشوب معركة بقيادة الولايات المتحدة، مع الصين بشأن تايوان.
وفي مقابل ذلك، يجب على المسؤولين أن يزنوا تعليقات ترامب وبعض مساعديه، والتي بدت ساخرة، بشأن فرص تايوان في البقاء على قيد الحياة، في حالة وقوع هجوم صيني.
ويتم تفسير كلمات وزير الدفاع الأميركي، بيت هيجسيث، بحظر شديد، وفي وقت سابق قال هيجسيث لنظيره الأسترالي إن ترامب «يدعم مشروع (أوكوس)، لكن العمل على الغواصات الأميركية، التي تسعى أستراليا للحصول عليها، متأخر عن موعده»، وعندما سُئل عما إذا كانت الغواصة الأولى ستكون جاهزة للبيع لأستراليا، أجاب الوزير «نأمل ذلك بالتأكيد».
مصلحة راسخة
وفي استطلاع رأي استمر أسبوعاً، عبّر مسؤولون وأرباب أعمال أستراليون عن شكوكهم في أن مشروع «أوكوس» سيُنجز كما هو مخطط له، ويتوقع العديد منهم أن ترغب أميركا في استخدام قاعدة الغواصات بالقرب من بيرث، على الأقل، وحتى إذا رفض ترامب الدفاع عن تايوان، فمن المؤكد أن أميركا ستكون لها مصلحة راسخة في مواجهة الهيمنة الصينية في الممرات البحرية بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفي الوقت الجاري، تقدم أستراليا نفسها لإدارة ترامب باعتبارها قيمة مضافة، وإذا ساعد الحلفاء أميركا بشكل مشترك في إعادة بناء قاعدتها الصناعية الدفاعية، فيمكن للغرب أن ينافس مزايا الصين من حيث الحجم.
وتقع قاعدة الغواصات بالقرب من بيرث، وتم بناؤها بمبالغ ضخمة، ثم استخدمت لإرسال السفن المحملة بخام الحديد والفحم والصوف والأغذية والسلع الأخرى إلى الصين.
ومع ذلك، فإن مخاطر التبعية الاقتصادية معترف بها، وذكريات المقاطعات الاقتصادية المستخدمة لمعاقبة حكومة أسترالية سابقة لتحديها للصين بشأن تعاملها مع جائحة «كورونا» وغيرها من القضايا، لاتزال حية، ويقول هيو ماكاي، من الجامعة الوطنية الأسترالية، إن «الطلب الصيني على خام الحديد قد ينخفض بنسبة 40% في السنوات الـ30 المقبلة، مع تباطؤ النمو وإعادة تدوير الصين للمزيد من الفولاذ».
في سياق متصل، تحدث سياسي أسترالي عن تجسس صيني «مستمر»، وهجمات إلكترونية على البنية التحتية الحيوية، وفي «كانبرا» الخطط جارية، وتتعمق العلاقات مع اليابان والهند وغيرهما من الجيران المتشككين في الصين، وهناك أمل ضئيل في حشد حكومات جنوب شرق آسيا، لأنها تفضل الصين، من جانبها، تختار أستراليا معاركها مع الصين، وتُدين التصرفات الصينية الصارخة، ولكن بحذر، وهناك حديث عن ردع الصين مع الانخراط اقتصادياً.
ينبغي للغرب أن يهدف إلى جعل الحرب مكلفة للغاية، والسلام ثميناً للغاية، ولدى أستراليا أسباب للقلق، وهي على الأقل تفكر في البقاء في عالم أكثر عزلة، وقد حان الوقت لكي تلحق بلدان أخرى بالركب. عن «إيكونوميست»
استهداف أجنبي
أكد رئيس جهاز الاستخبارات الأسترالي، مايك بورغيس، الأربعاء الماضي، أن «الجيش الأسترالي بات مستهدفاً من قبل المخابرات الأجنبية، بسبب شراكته مع الولايات المتحدة وبريطانيا في مجال الغواصات النووية، ويواجه تهديدات متزايدة بالتجسس والتخريب»، وحذر بورغيس من المخاطر المحدقة بالأمن القومي، وقال إن «جهاز الاستخبارات حدد جهات أجنبية، بما فيها تلك الصديقة لأستراليا، تستهدف مشروع (أوكوس) من أجل تحديد قدراته، ومعرفة كيف تنوي أستراليا استخدام الغواصات، وتقويض ثقة حلفائها».
وأضاف بورغيس، خلال اجتماع تقييم التهديدات السنوي: «تسعى دول متعددة بلا هوادة للحصول على معلومات حول قدراتنا العسكرية»، موضحاً أنه «يتم استهداف أفراد الجيش شخصياً عبر الإنترنت».
. القادة الأستراليون ذكّروا ترامب وفريقه بأن الميزان التجاري بين بلدهم كان لمصلحة أميركا منذ عهد الرئيس ترومان.
. مسؤولون وأرباب أعمال أستراليون عبّروا عن شكوكهم في أن مشروع «أوكوس» سيُنجز كما هو مخطط له.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.