عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

متسولون يستغلون .. والجهات المعنية تقف بالمرصاد

شهر الفضيل بروحانياته التي تعم الأجواء والأنحاء، واستعدت له البيوت على مدى أيام لاستقبال الشهر الكريم، كلٌّ وفق مخططه في قضاء هذه الأيام الطيبة، الملأى بالخيرات والبركات.
وبالتوازي يستعد آخرون، ممّن ينتظرون هذا الشهر، للتكسّب، مشمّرين عن سواعدهم، تمهيداً لطلب المساعدة، وقد يكون كثير منهم ليسوا بحاجة إليها، لكنهم اعتادوا التسول مهنة رائجة ، سريعة الكسب، لاسيّما في الشهر الكريم، الذي ترقّ فيه القلوب، وتسمو فيه النفوس، ويعلو التعاطف الإنساني غيره من السلوكات، ورغم هذه الظاهرة الدخيلة إلا أن الأجهزة المختصة تقف لهم بالمرصاد.
رغم أن دولة وفرت الجهات الخيرية التي تعمل جاهدة وعلى مدار الساعة في مدّ يد العون لكل محتاج يتقدم لها بما يثبت حاجته الفعلية المالية، أو سداد كلفة الدراسة، أو التكفل بالعلاج وما شابه، فإن هذه الفئة من المتسولين لا تستطيع التقدم لهذه الجهات الرسمية، المرخصة، والمدعومة بطلب مساندتها ودعمها، لانعدام صدقيتها في مزاعم التي تطرحها، وقصصها المزيفة.

صور كاذبة
وتتنوع صور التسول واستعطاف الناس، حيث يدّعي بعضهم المرض، ومعاناة خطورته، مع انعدام مقدرتهم على كلفة العلاج المرتفعة، ويعرضون وصفات وتقارير طبية – مزيفة طبعاً - لإثبات ادّعائهم، وقد يدّعي آخرون التعطّل عن العمل، ولديه أسرة وأطفال، لا يمكنه تلبية حاجتهم من المأكل والمشرب، ما يثير الشفقة ويدفع أصحاب الأيادي البيضاء لمساعدته.
وقد يستخدم آخرون أوضاعهم الحياتية بفقدهم منازلهم وممتلكاتهم في دولهم جراء هروبهم منها، بعدما تعرضت للتخريب والحروب، سبيلاً لطلب المساعدة بعدما أصبحوا لايمتلكون ما يقيم أودهم.
ومن المتسولين كذلك من يزعمون تعرضهم للسرقة، وحاجتهم إلى مساعدة للعودة إلى بلدانهم، ومنهم خاصة المتسولات من يزعمن فقد أزواجهنّ، أو أنهنّ مطلقات، وليس لديهنّ مصدر رزق لإطعام أبنائهنّ. فيما قد يتظاهر بعضهم بإعاقات جسدية، سواء كانت حقيقية أو مصطنعة، للحصول على التعاطف، فضلاً عمن يدّعي أنه طالب وغير قادر على دفع كلف دراسته، وغير ذلك.
العقوبات المقررة
بداية ذكر المستشار القانوني د. محمد بطي الشامسي، العقوبات المقررة في معاقبة المتسولين ومنها المادة 475 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 31 لسنة 2021، بإصدار قانون الجرائم والعقوبات، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 3 أشهر، وبالغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف درهم، كل من ارتكب جريمة التسول بالاستجداء للحصول على منفعة مادية، أو عينية بأي صورة أو وسيلة.
وقال: يعد وضعاً مشدداً إذا ارتكبت جريمة التسول في الأحوال التالية، وهي: إذا كان المتسول صحيح البنية أو له مورد ظاهر للعيش، وإذا كان قد اصطنع الإصابة بجروح، أو عاهات مستديمة، أو تظاهر بأداء خدمة للغير، أو استعمل أي وسيلة أخرى من وسائل الخداع، والتغرير، بقصد التأثير في الآخرين لاستدرار عطفهم.والمادة (51) من المرسوم بقانون رقم (34) بمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية عاقبت على فعل التسول إذا ارتكب باستخدام وسائل تقنية المعلومات، بالاستجداء، أو بأية صورة أو وسيلة التسول الإلكتروني، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وبالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف درهم، أو بإحداهما.كذلك نص القانون رقم 10 لسنة 2012 في مكافحة التسول، والتشرد الصادر من حكومة رأس الخيمة، أنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف درهم، أو بإحداهما كل من وجد في أحد مظاهر التسول المذكورة في القانون.
ظاهرة متكررة
وتحدث عن التسول بشكل عام قائلاً: مع اقتراب الشهر الفضيل الذي هو شهر للعبادة وزيادة الأجر، لدى عموم المسلمين، هو كذلك شهر الخير والعطاء لدى من لديه نية استغلاله، لتحقيق مكاسب مادية بالتسول.
فالتسول هو أن يطلب شخص أو مجموعة، المال، أو الطعام، أو أي نوع آخر من المساعدة من الآخرين غالباً في شكل عطية أو تبرع، وكان طلب المال أو المنفعة لا ترتبط بمدة زمنية محددة، فإنه من الملاحظ أنها تكثر في رمضان، بحيث أصبحت من الظواهر السلوكية المتكررة سنوياً، بالرغم من جهود الإدارات المحلية في مكافحتها والتحذير من استغلال الشهر في ممارسة التسول.
ولفت د. الشامسي، إلى أن التسول قد يعمد إليه الشخص لأسباب عدة، مثل الفقر، والبطالة، أو الحاجة إلى مساعدة مالية في أوقات الأزمات، ويأخذ أشكالاً عدة، منها التسول المباشر بطلب المال، أو الطعام من الآخرين في الأسواق، أو في مواقف المساجد.وأضاف: وهناك التسول غير المباشر، كزيارة المجالس المفتوحة، وتقديم أوراق تعكس حالة العوز والفقر اللذين يعانيهما هو، أو أسرته واستحقاقه لزكاة المال مثلاً.
ويختلف الرأي القانوني في التسول من بلد إلى آخر، ولكن بشكل عام، يُعدّ التسول في الشوارع والمناطق العامة جريمة في كثير من البلدان وفي دولة الإمارات، التسول من المخالفات التي تترتب عليها معاقبة المتسوّل، وفقاً للقانون بتهمة مخالفة الأوامر المشروعة، بالحبس أو الغرامة والترحيل في بعض الأحيان.
وندعو الجميع إلى التعاون من السلطات المحلية لمكافحة هذه الظاهرة، وتوجيه المحتاجين إلى الجمعيات الخيرية لدراسة حالاتهم، وتوفير الدعم المناسب لهم، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
الجمعيات الخيرية
عن دور الجمعيات الخيرية في إعانة المحتاجين، من دون لجوء أي منهم للتسول، قال سعيد مطر الطنيجي، رئيس لجنة شؤون الأسرة في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، ومدير «جمعية الشارقة الخيرية» إدارة البطائح: الدولة وفرت الكثير من المؤسسات الخيرية، وسخرتها لدعم المحتاجين، عقب التأكد من حاجة أي منهم للمساعدة، وفق أطر صحيحة، وعبر لجان تعمل على دراسة الحالة، والتأكد من أحقيتها للمساعدة.
وأضاف: لا بدّ من التوعية بأهمية التصدي لظاهرة التسول، وبيان تأثيراتها السلبية في المجتمع، مع التحذير من أخطارها على الأمن، والأخلاق والدين، وتوفير فرص العمل للمعرضين للفقر والتسول، وبرامج دعم اجتماعي كذلك، والتعاون مع المؤسسات التي تعمل على القضاء على الظاهرة بشكل عام.
وعلى أفراد المجتمع عدم التبرع للمتسوّلين في الشوارع والمساجد، والتعاون مع المؤسسات التي تعمل على القضاء على الظاهرة، وتوعية الأطفال بعدم تصديق المتسوّلين، وعدم التعاطف معهم، واستخدام مواقع التواصل، للتحذير من هذه الظاهرة السلبية، وأضرارها على الفرد والمجتمع، والأمن الاجتماعي والعام.
تأثيرات سلبية
وعددت المحامية مريم صالح شامس، التأثيرات السلبية للتسول، قائلة: إنه ظاهرة اجتماعية تتضمن طلب المال، أو المساعدة من الآخرين، ويرتبط غالباً بالفقر أو الحاجة، ومن تأثيراته تدهور الصورة الاجتماعية للمجتمع حيث يؤدي انتشاره إلى ذلك، وقد يمنح انطباعاً سلبياً عن الوضع الاقتصادي، والاجتماعي، ويمكن أن يرتبط التسول بزيادة الجرائم مثل النصب والاحتيال، حيث قد يستغل بعضهم تعاطف الناس لأغراض غير مشروعة.
وقد يؤثر التسول سلباً في نفسية الأفراد، ما يؤدي إلى شعور بالإحباط أو القلق في المجتمع، وفي دولة الإمارات، التسول غير قانوني، ووضعت قوانين صارمة لمكافحة هذه الظاهرة، من معاقبة المتسولين. فيما يشدّد الرأي القانوني على أهمية معالجة أسباب التسول، مثل الفقر والبطالة، بتوفير التعليم، والتدريب، وفرص العمل، وتتطلب الحلول الفعالة لمشكلة التسول تعاون المجتمع والدولة، بتقديم الدعم الاجتماعي، والبرامج التنموية بدلاً من العقوبات وحدها.
الدور الإعلامي
للإعلام دور واجب في التوعية المجتمعية عامة، وبالظواهر السلبية خاصة، لاسيما التسول، عن ذلك قال الإعلامي خالد أحمد الزرعوني: رمضان شهر التكافل والعطاء، حيث يتسارع الناس إلى فعل الخير ومساعدة المحتاجين، إلا أن هذه الأجواء الإيمانية أصبحت فرصة من بعض المتسولين، أفراداً أو مجموعات منظمة، لاستغلال تعاطف افراد المجتمع، لجمع المال بطرائق غير مشروعة، وتبرز هذه الظاهرة بشكل لافت في الأماكن العامة، خاصة عند المساجد، والمراكز التجارية.
ولمواجهة هذه الظاهرة، من الضروري تعزيز الوعي المجتمعي، بأهمية توجيه التبرعات عبر المؤسسات الخيرية الموثوقة، التي تضمن وصول الدعم لمستحقيه، وهنا للإعلام دور حيوي، حيث يجب أن يسهم في الحد من التسول بالإضاءة على مخاطره، ونشر حملات توعوية تحثّ الناس على تقديم المساعدات عبر القنوات الرسمية، واستعراض نماذج ناجحة لمبادرات إنسانية محلية، وخارجية، أثبتت فاعليتها في تقديم الدعم بطرائق مستدامة.
الموقف الشرعي
ونصل للقول الفصل، وهو الموقف الشرعي من التسول، حيث يقول الشيخ الدكتور السيد البشبيشي: انتشرت في العقود الأخيرة ما يُعرف بظاهرة التسول في مجتمعات المسلمين، خاصة في مواسم معينة، وأخصها شهر رمضان، حيث يجوب فيه المتسولون البلدان، والأحياء، والأسواق، والمساجد، والمتنزّهات، بل يطرقون المجالس، والمنازل على أهلها، دون خجل أو استحياء.
وربما ظهرت، كذلك، عصابات منظمة تقود المتسولين، وترتب لهم عملهم، وأماكن وجودهم، وربما زاد ذلك من جرائم اختطاف الأطفال، وبتر بعض أعضائهم من الأيادي، والأرجل، لمزاولة المهنة البغيضة.
والسؤال هنا: هل يعطي المسلم لكل من سأله من الناس، أو من رأى عليه علامات الفقر من ثياب ممزقة، أو عاهة ظاهرة، أو نحو ذلك من الأمور؟ والجواب: كلّا، لأن الواجب تأمل حال السائل والتفرس فيه، وذلك لما ورد عن عبدالله بن عدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتاه رجلان يسألانه، فقلب فيهما البصر فرآهما جلدين، فقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب».
فكم من مدّعٍ للفقر وما به فقر، وكم من متعارج وما به عرج، لأن الوازع الديني ضعف، واختلط الحابل بالنابل، فلا يُميز بين المستحقين للزكاة والصدقة، وغير المستحقين لها، فتضيع حقوق المستحقين والمتعففين.
حل عظيم
وواصل د. البشبيشي: المتأمل في قول النبيّ وفعله، يجد حلاً عظيماً لمشكلة التسول وهو التواضع، واللين، وحسن الاستقبال عملاً بقول الله تعالى {وأمّا السائلَ فلا تَنْهر}، والموعظة، والنصيحة، مع التهديد والترهيب في قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغنيّ ولا لقويّ مكتسب»، حيث يجب أن يبين الفرد، ويهدد إن لزم الأمر، أنه سيرفع أمر المتسول هذا إلى الجهات المعنية، وله كذلك أن يحذر الناس منه إن تأكد من حاله، أو رآه متسولاً هنا وهناك.
ولذلك نحزن حين نسمع بعض الناس يقول: اترك الناس تسترزق، ولا تكن قاطعاً لأرزاقهم! وهل هذا منطق وكلام يُرضي الله عزّ وجل، أم أنها عواطف، وهي في زمن الفتن والمتسولين عواصف!
فإن رأيت شخصاً يسرق أو يختلس أو يرتشي، ماذا سيكون رد فعلك؟ وما الفرق بين الحالتين، فالمتسول يسرق أموال الفقراء والمساكين، ويأكل حقوقهم بالباطل، ولكن بموافقة ورضا أصحاب المال والصدقات، ولو أنهم وجدوا الناس قد نفروا منهم، وصدوهم بالحسنى، ولم يعطوهم شيئاً لما اتكلوا على ذلك، ولربما ارتدعوا، وبحثوا عن أعمال كريمة يتعفّفون بها عن تلك الجريمة.
ثم إن قسمة الزكاة ومصارفها صادرة عن علم الله عز وجل وحكمته، فلا يجوز تعديلها، أو صرف الزكاة في غيرها، لأن الله تعالى أعلم بمصالح خلقه، وأحكم في وضع شرائعه «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير»، «ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون».
خطورة الظاهرة
أكد مسؤولون أن للتسول سلبيات عدة، حيث يؤدي إلى تشويه صورة المجتمع، ويسهم في زيادة معدلات البطالة بسبب اعتماد بعض الأفراد عليه، بدلاً من البحث عن عمل. كما قد يشكل عبئاً على الاقتصاد، حيث الأموال التي يحصل عليها المتسولون لا تدخل في الدورة الاقتصادية المفيدة للمجتمع.
وقالوا إن التسول قد يرتبط في بعض الأحيان بالجرائم، مثل السرقة والاحتيال، عندما تنظمه عصابات تستغل الضعفاء.

التركيبة النفسية
أوضح أساتذة نفس واجتماع أن التركيبة النفسية والسلوكية للمتسول تعتمد على عوامل عدة، مثل الأحوال الاجتماعية، والتجارب الحياتية، والشخصية الفردية، من الشعور بالعجز أو قلة الحيلة، حيث كثير من المتسولين يفتقدون الشعور بالسيطرة على حياتهم، ما يدفعهم للاعتماد على الآخرين.
ويمكن أن يكون لدى المتسول شعور بالنقص، أو عدم الاستحقاق، خاصة إذا كان تعرض لرفض المجتمع أو إهماله، كما قد يكون يعاني الاكتئاب، القلق، أو اضطرابات مثل الفصام أو الإدمان، فيما إذا كان التسول يحقق مصدر دخل جيداً لممارسه، فقد يتحول إلى عادة.
وقالوا إن سلوكات المتسولين تتمثل في التودد والاستعطاف، بالكلام المؤثر، وإظهار الفقر، مع سردهم قصصاً محزنة، وادّعاء المرض، وفي حال عدم الاستجابة لهم، أو تعرضهم للإهانة، قد يظهر بعض هؤلاء المتسولين سلوكاً عدوانياً أو تهديدياً.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا