عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

الحافلة المدرسية.. الخيار الأكثر أماناً يرهق ميزانية الأسرة

تحقيق:  ميثا الأنسي 
لم يعد الطريق إلى المدرسة مجرد رحلة يومية قصيرة يقطعها الطلبة، بل تحولت إلى مرآة تعكس ملامح التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأسرة المعاصرة، إذ ارتفعت كُلَفُها حتى صارت عبئاً يثقل ميزانية الكثير من الأسر، ومع هذا الارتفاع، وجدت العائلات نفسها مدفوعة إلى البحث عن بدائل تخفف من الكُلَف، وقد لجأت بعض الأسر إلى اقتناء سيارة خصيصاً من أجل توصيل الأبناء إلى المدرسة، بينما اكتشف آخرون قيمة التعاون المجتمعي فابتكروا مبادرات تقوم على تقاسم الأدوار بين الجيران أو الأقارب في مرافقة الطلبة، وبين هذه الحلول، تتجلّى حكاية اجتماعية أوسع، حيث يختلط هاجس الأمان برغبة الحفاظ على الكرامة المعيشية، ويغدو النقل المدرسي أكثر من مجرد وسيلة، بل رمز لصراع الأسرة مع إيقاع الحياة المتسارع.

«الخليج» تسلط الضوء في التحقيق التالي على قضية النقل المدرسي، التي لم تعد مجرد وسيلة انتقال يومية، بل موضوع يمسّ الأسرة والمجتمع معاً، ومن خلال آراء أولياء الأمور وتربويين، نناقش أبعاد هذه الظاهرة وتحدياتها، ونستعرض رؤى مختلفة وحلولاً واقعية توازن بين الأمان والظروف المعيشية.
وسائل التنقل المدرسية التي ابتكرتها الأسر لم تكن مجرد استجابة لحاجة آنيّة فقط، بل تعبير عن وعي جمعي يبحث عن التوازن بين متطلبات العصر والقدرة على الاستمرار، ومن هنا يصبح ارتفاع أسعار الحافلات المدرسية علامة فارقة في قراءة المشهد الاجتماعي الراهن.

الجودة والكُلَف


قال أنس عادل، مدير مدرسة، إن السبب الرئيسي لرفع رسوم الحافلات المدرسية عادةً يعود إلى ارتفاع كُلَف التشغيل مثل أسعار الوقود، رواتب السائقين والمشرفين، كُلَف الصيانة الدورية، إضافة إلى التزام المدرسة بمعايير السلامة والجودة، موضحاً أن الرسوم المقررة حالياً موحدة عند 3450 درهماً لكل طالب وفقاً لما تعتمده الوزارة، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض المدارس قد تضع فروقاً بسيطة بين المناطق أو المسافات، بحيث تكون الرسوم أعلى كلما كانت المسافة التي يقطعها الطالب أطول.

تسهيلات للأسر


وبيّن أن بعض المدارس تحرص على تقديم تسهيلات للأسر بهدف التخفيف من العبء المادي، حيث توفر خصومات عند تسجيل أكثر من طالب من نفس الأسرة، أو تقدم دعماً خاصاً للحالات الإنسانية والأسر ذات الدخل المحدود، وفي بعض الأحيان يتم التعاون مع جمعيات خيرية أو مؤسسات داعمة لتغطية جزء من الكُلَف، كما يُسمح عادة لأولياء الأمور بدفع الرسوم على أقساط فصلية أو نصف سنوية بما يخفف الضغط المالي عليهم.
وأضاف أنه عند تحديد قيمة الرسوم، فإن المدرسة تحاول الموازنة بين تغطية كُلَف التشغيل والحفاظ على رضا أولياء الأمور، وذلك من خلال دراسة السوق ومقارنة أسعارها مع المدارس الأخرى، مع المحافظة على جودة الخدمة المقدمة، كما تلجأ بعض المدارس إلى الشفافية في توضيح مبررات أي زيادة وإشراك أولياء الأمور في النقاش، لضمان بناء علاقة ثقة قائمة على الوضوح والتفاهم.
وأشارت حنان علي الكربي إلى أن هذا التغيير في الرسوم لم يكن سهلاً عليها في البداية، إذ ارتبطت صورة الحافلة المدرسية في ذاكرتها بالأمان والجماعية والضحكات الصباحية للأطفال، لكن الظروف الاقتصادية أجبرتها على التكيف، ومع مرور الوقت، شعرت أن هذا الحل العملي أتاح لها متابعة أبنائها بشكل أفضل وضمان وصولهم في مواعيدهم، دون أن يضيف عبئاً جديداً إلى ميزانية الأسرة، وتؤكد أن التجربة جعلتها أكثر وعياً بضرورة البحث عن بدائل واقعية، حتى وإن كانت بعيدة عن الصورة المألوفة التي اعتادت عليها العائلات لسنوات طويلة.

تعاون الجيران


وجدت بعض الأسر أن التعاون مع الجيران هو أفضل الحلول العملية لمشكلة ارتفاع رسوم الحافلات المدرسية، وقالت ريم علي مسعود، وهي أمٌّ لطفلين في المرحلة الابتدائية، أن جارها المتقاعد، الذي يذهب صباحاً بسيارته إلى المكان نفسه حيث تقع مدرسة أبنائها، عرض عليها أن يصطحب الأطفال معه يومياً، الأمر الذي وفّر عليها جزءاً كبيراً من الأعباء المالية.
وأضافت أن هذا الاتفاق لم يكن مجرد ترتيبات نقل فحسب، بل أصبح علاقة اجتماعية تقوم على المودة وحسن الخلق، فهي تدفع مبلغاً رمزياً تقديراً لجهد جارهم وحرصه على مرافقة الأطفال، وتعتبر أن قيمة هذه المبادرة تتجاوز الجانب المادي، إذ تمنح أبناءها إحساساً بالصحبة والأمان، وتشير إلى أن تجربة كهذه تعكس الوجه المضيء للتكافل بين الأسر، وتعيد الاعتبار لفكرة الجار الصديق الذي يشاركك هموم الحياة اليومية، وأن هذه المبادرة أعطتها شعوراً بالطمأنينة.
فيما ترى رجاء عبد اللطيف محمود، وهي أمٌّ لخمسة أطفال في مراحل دراسية مختلفة، أن اعتمادها على شركة توصيل مرخّصة أصبح الخيار الأمثل لتنظيم حياتهم اليومية، فالحافلات المدرسية، رغم كونها وسيلة مألوفة، تستغرق وقتاً طويلاً لأنها تدور على المنازل وتنتظر عند كل منزل، ما يجعل الأطفال يقضون ساعات إضافية في الطريق صباحاً، ويزيد من الضغط النفسي على الأسرة.

العبء المالي


وأضافت أن ارتفاع أسعار الحافلات المدرسية زاد العبء المالي على الأسرة، ما جعل الحل التقليدي غير عملي، خاصة مع تعدد مراحل أبنائها الدراسية وتباعد مواقع المدارس، موضحة أنها كانت تدفع 5,000 درهم عن كل طفل سنوياً مقابل خدمة النقل المدرسي، وذلك حتى بعد احتساب خصم الإخوة الذي تمنحه المدرسة، وهو ما شكّل عبئاً كبيراً عند جمع المبلغ على أبنائها الخمسة، ومن هنا جاء اختيارها لشركة توصيل مرخصة بسعر أقل من ذلك، ما وفر عليهم كلفة ملموسة دون التضحية بالراحة أو الأمان، حيث كلفتها رسوم نقل الأبناء الخمسة 70 درهماً يومياً لحجز السيارة كاملة، لذلك فهي توفر مبلغاً كبيرًا مقارنةً برسوم الحافلات المدرسية.
وتشير إلى أن هذا الترتيب منح الأسرة راحة أكبر، وسهّل تنظيم يومهم الدراسي، وحافظ على سلامة الأطفال، مؤكدة أن الاعتماد على شركة توصيل مرخصة يمثل خطوة ذكية تجمع بين الأمان والراحة وتقليل التوتر اليومي الناتج عن طول الرحلات وأسعار الحافلات المرتفعة.

سلامة الأبناء


وقال زايد أحمد الشكيلي أنه على الرغم من ارتفاع كلف الحافلة المدرسية، فإنني أراها استثماراً في سلامة أبنائي وراحتهم، وأؤمن أن تطوير هذه الخدمة يمكن أن يزيد من ثقة الأسر بها، ويمكن مثلاً اعتماد إلكتروني يتيح للوالدين متابعة مسار الحافلة بدقة ومعرفة وقت الوصول والمغادرة، إلى جانب تركيب كاميرات داخلية لضمان المزيد من الأمان.

بين الاطمئنان والضغط


في المقابل، فضّل بعض الآباء تحمل مسؤولية التوصيل بأنفسهم، فيقول خالد عبد الله العصيري، أب لثلاثة أطفال، إن ارتفاع أسعار الحافلات المدرسية أجبره على تحمّل مسؤولية توصيل أبنائه يومياً بنفسه، مشيراً إلى أن هذه المهمة رغم أنها تمنحه شعوراً بالاطمئنان على أطفاله، أصبحت عبئاً ثقيلاً يزداد يوماً بعد يوم، لأنها تستنزف الكثير من وقته وجهده.
وأضاف أن خروجه مبكراً كل صباح لإيصال الأبناء، ثم عودته في وقت الظهيرة لإرجاعهم، يؤثر بشكل مباشر في التزامه بمواعيد العمل ويقلل من تركيزه وإنتاجيته خلال ساعات الدوام، موضحاً أن الانشغال المستمر بالتنقل بين البيت والمدرسة يجعله أقل قدرة على إنجاز مهامه الوظيفية، ويضاعف شعوره بالتعب الذهني والجسدي، ويرى أن هذه المسؤولية، التي لم يكن يتوقع أن تتحول إلى ضغط يومي بهذا الحجم، تعكس حجم المعاناة التي يواجهها الكثير من الآباء مع تزايد الأعباء المعيشية وغياب حلول ميسّرة تخفّف عنهم هذا الحمل.

شعور بالاطمئنان والأمان


قال زايد أحمد الشكيلي، أب لثلاثة أطفال: «أحرص دائماً على أن يستخدم أبنائي الحافلة المدرسية، فأنا أعتبرها الخيار الأكثر أماناً مقارنة بوسائل النقل الأخرى، فوجود سائق مدرّب ومشرف يرافق الأطفال طوال الطريق يمنحني شعوراً بالاطمئنان، خصوصاً مع ازدحام الشوارع وكثرة المخاطر التي قد يتعرض لها الطالب إذا اعتمد على النقل الفردي أو السير وحده، وكما أن وجودهم بين زملائهم في الحافلة يضيف جانباً تربوياً مهمّاً، إذ يتعلمون النظام والالتزام بالمواعيد، إضافة إلى تنمية روح الجماعة والشعور بالانتماء إلى بيئة المدرسة منذ لحظة مغادرتهم المنزل وحتى عودتهم».

شركة مرخصة للحافلات


تسبب الارتفاع الكبير في أسعار الحافلات المدرسية إلى وضع الأسر أمام عبء مالي، وهو حال حنان علي الكربي، وهي أمٌّ لثلاثة أبناء في مراحل دراسية مختلفة وتباعد مدارسهم عن بعضها، وأوضحت أن بعض المدارس وصلت رسوم النقل فيها ما بين 5000 و6000 درهم سنوياً للطالب الواحد، وهو ما جعلها بعد مقارنة دقيقة بين الكلفة وخيارات النقل الأخرى، تقرر الاستعانة بشركة مرخصة للحافلات الخاصة التي تحمل أعداداً قليلة باعتبارها أقل سعراً وأكثر مرونة، ورسوم هذه الحافلات 3000 درهم على الطالب.

الخدمة لا تقتصر على النقل فقط

تؤكد جيهان حمدي عبد ربه، منسق عام المواصلات ومسؤول الأمن والسلامة بإحدى المدارس الخاصة في أبوظبي، أن رسوم المواصلات المدرسية تبلغ 3444 درهماً، وهي موحّدة من مرحلة الروضة وحتى الصف التاسع، وتختلف بحسب المناطق التي تخدمها الحافلات، نحن نحرص على ألّا يقل عدد الطلبة في الحافلة عن 25 طالباً، ونخصص حافلة لكل منطقة لتغطية جميع الأحياء.

وأضافت «أنه لا يوجد أي ارتفاع على أسعار المواصلات هذا العام، فالرسوم لم تتغير، وهي أصلاً محددة من دائرة التعليم والمعرفة، وليست من صلاحيات المدرسة، ومن غير المسموح لأي مدرسة خاصة أن تحدد رسوماً إضافية أو تفرض مبالغ غير مدرجة في اللائحة الرسمية، والرسوم موزعة بوضوح ومعلنة للجميع، سواء عبر لوحات كبيرة في المدرسة أو على موقعها الإلكتروني وصفحاتها الرسمية».

وتابعت أن الخدمة لا تقتصر على النقل فقط، بل نحرص على توفير معايير السلامة داخل كل حافلة من خلال وجود مشرفة لمتابعة الطلبة، إضافة إلى أجهزة تتبع تُمكّن أولياء الأمور من معرفة مواعيد انطلاق ووصول أبنائهم بدقة، ونحن نتحمل جزءاً كبيراً من الكلفة التشغيلية من أجل استمرار الخدمة.

ولفتت إلى مراعاة ألا تكون الحافلات ممتلئة بالكامل لإعطاء الطلبة راحة أثناء التنقل، وبالنسبة للخصومات، فكل طالب تُطبق عليه الرسوم بشكل منفصل، ولا يوجد إعفاءات خاصة للطالب الثاني أو الثالث، إذ تُعامل الرسوم على الكتب والزي والمواصلات بالطريقة نفسها.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا