جراحات التجميل أضحت عالماً واسعاً يضجّ بكثير من التفاصيل، ويشهد الكثير من المستجدات، فيومياً يخرج علينا هذا الطبيب أو ذاك بجديد فيها، فمن جراحة تصغير الأنف التي تفردت، وتصدرت يوماً ما، ولم يكن من تجميل للوجه سواها، إلى جراحات قصّ الجفون المتهدلة، وشد الوجه، وتصغير الفكّ، وزراعة شعر الرأس والحواجب، ونحت الخصر، إلى نفخ أماكن معينة في الجسم، وإزالة الدهون من أخرى، وهكذا.
لكن إذا غيّرت المرأة ملامح خلقتها التي ولدت بها، إلى أخرى مختلفة عما كانت عليه، من دون أن تفصح لشريكها عن ذلك، قبيل الارتباط به، فهل تقع في خانة الغشّ، والمحاسبة القانونية، أم أن ذلك حرية شخصية لا دخل لأحد فيها، من باب «لا ضرر ولا ضرار».
وأيضاً إذا نظرنا إلى الرجال، فسنجد أن بعضهم أصبحوا يسابقون النساء في دخول عالم التجميل، وإجراء جراحات مختلفة، منها إزالة الكرش، أو حقن الوجه بالبوتوكس والفيلر، أو إذابة دهون الصدر، وغيرها، فهل في ذلك مخالفة شرعية لما يجب أن يكون عليه الرجل من الخشونة والجدية، أم أن الأمر يندرج في نطاق تحسين المظهر، وتجويد ظاهر البدن؟
لا يوجد نصّ
حول ذلك تنوعت الآراء، وتباينت نسبياً، حيث أكد المستشار القانوني د. يوسف الشريف، أنه في إطار القوانين الإماراتية المتعلقة بالزواج والطلاق، لا يوجد نص قانوني صريح، يتناول مباشرة، الإجراء القانوني لمسألة اكتشاف الزوج لعمليات تجميلية، أجرتها الزوجة قبل الزواج أو بعده، قائلاً: ومع ذلك، فإن المبادئ العامة للقانون التي تتعلق بعقد الزواج، ومبدأ الشفافية، والتدليس، يمكن أن تُستخدم لتقديم حكم شامل في هذه المسألة.
ويعترف القانون الإماراتي، بأن الزواج عقد يستند إلى الرضا الكامل، والوعي بالمعلومات الجوهرية، والتدليس، أو الغش، فعل يؤدي إلى خداع أحد الأطراف، في أمر جوهري في العقد، إذا أثبت الزوج أن العمليات التجميلية التي أجرتها الزوجة قبل الزواج، كانت عاملاً مؤثراً في قراره بالزواج، فإن هذا يمكن أن يُعد نوعاً من التدليس، ما يعطيه الحق في طلب فسخ العقد، بناء على هذا الأساس، وفي هذه الحالات، يمكن للزوج أن يرى نفسه متضرراً، أو يلجأ إلى القانون لإثبات أن عدم الإفصاح عن تلك العمليات أثر في رضاه الكامل بالزواج.
إثبات الضرر
ومن ناحية أخرى، إذا لم تؤثر العمليات التجميلية في قدرة الزوج على الاستمتاع بعلاقته مع زوجته، أو لم تؤثر في جوهر العلاقة الزوجية، فإن القانون لا يميل إلى إتاحة فسخ الزواج، بناء على مجرد إجراء هذه العمليات، وفي المقابل، فإن اكتشاف الزوجة إجراء الزوج عملية تجميل، تغير ملامحه، فإن الأمر بالمثل، إذا كان لذلك التغيير تأثير في الرضاء، أو استمتاعها بالزوج، الذي هو جوهر العلاقة الزوجية.
حيث يمكنها طلب فسخ الزواج، أما إن لم يكن لذلك تأثير، فلا يثبت الضرر، الذي يعدّ السند القانوني للفسخ، ومن ثم لا يقبل طلبها، إلا مع توافر الضرر، ونرى أنه ليس كل ضرر يمكن أن يكون سبباً لذلك، بل يجب أن يكون جسيماً، لا يمكن تجاوزه، أو استقرار الحياة الزوجية معه، وكل ذلك يخضع لسلطة المحكمة وتقديرها، حفاظاً على استقرار البيوت، والعلاقات الأسرية في المجتمع.
مسألة حساسة
وذهب المستشار القانوني سعيد الطاهر، إلى أن عمليات التجميل للشباب والفتيات أصبحت شائعة، خاصة في المجتمعات الخليجية، حيث قد يرى بعضهم أن التجميل لا يُعدّ غشاً مادام أصبح طبيعياً، ومقبولاً اجتماعياً. مشدداً على أن إخفاء أحد الزوجين – سواء الرجل أو المرأة – إجراء عمليات تجميل من دون الإفصاح للطرف الآخر قبل الزواج، وظهور الحقيقة بعد الدخول، مسألة حساسة جداً، وتُثير جدلاً في الصدق، والثقة، وتوقعات الشريك في العلاقة الزوجية.
ولفت إلى أن الزواج شراكة مبنية على الصدق والشفافية، وعندما يخفي أحد الطرفين معلومات جوهرية، مثل تغيير المظهر الخارجي عبر عمليات تجميل، فقد يشعر الطرف الآخر بأنه تعرض للخداع، حتى لو كانت النية الأصلية بريئة، ولذلك قد يلجأ أحد الزوجين إلى القضاء لطلب فسخ عقد الزواج أو الطلاق للضرر، إذا ثبت أن هناك غشاً أو تدليساً جوهرياً أثر في القبول بالزواج، وتُترك هذه المسألة لتقدير القاضي.
العلة والمرض
وقال: المشرّع الإماراتي أوضح في المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024 في شأن إصدار قانون الأحوال الشخصية، وفي المادة (69) فسخ المحكمة لعقد الزواج للمرض أو علة مضرة، إذا وجد أحد الزوجين في الآخر مرضاً، أو علة مستحكمة من العلل المنفرة أو المضرة، كالجنون، والبرص، والجذام، أو التي تمنع حصول المتعة الجنسية، كالعنة والقرن ونحوهما، جاز له أن يطلب فسخ الزواج، سواء أكانت تلك العلة موجودة قبل العقد أم حدثت بعده.
وأضاف: والمادة (71) في شأن فسخ عقد الزواج للضرر، تنص على أنه لكل من الزوجين الحق في طلب الطلاق للضرر، الذي يتعذر معه دوام العشرة بالمعروف، وللمحكمة أن تحكم به إذا ثبت الضرر، وتعذّر الإصلاح، وعليه قد يستند أحد الزوجين لفسخ عقد الزواج او الطلاق للضرر، إن كان ما اكتشفه من العلل المنفرة، التي لا يمكن معها استمرار العلاقة الزوجية بينهما، أو إن قرر أحد الزوجين أنه تضرر، وتأثر نفسياً، ومعنوياً، من عدم إفصاح الآخر لعمليات التجميل التي أجراها قبل الزواج.
وضع ضوابط
وجزم محمد صالح آل علي، رئيس لجنة الشؤون الصحية والعمل والشؤون الاجتماعية في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، بانتشار ظاهرة عمليات التجميل في السنوات الأخيرة بشكل لافت، حيث أصبحت تُجرى ليس للنساء فقط، وإنما دخل الرجال فيها أيضاً بتزايد، قائلاً: لم تعد هذه العمليات مقتصرة على الحالات العلاجية، بل تحولت وسيلة لتغيير المظهر، طلباً للكمال الجسدي، أو مسايرة الموضة، والمظاهر المنتشرة عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل.
وفند الأسباب مضيفاً: ترجع أسباب انتشار جراحات التجميل خاصة بين الرجال، إلى التأثير الإعلامي ومواقع التواصل التي روّجت لصورة نمطية للمظهر المثالي، مع ضغوط المجتمع التي تربط أحياناً النجاح بالمظهر الخارجي، وسهولة الوصول إلى الخدمات التجميلية وتنوع الخيارات المتاحة، في حين أن أكثر أنواع العمليات طلباً، وشيوعاً بين الرجال تصغير أو تعديل الأنف، ونحت الجسم، وشفط الدهون، وتجميل الفك والذقن، وشد البشرة والوجه، ولأن هذه الظاهرة تتجاوز أحياناً الحدود الطبية، إلى مجالات قد تضر بالفرد والمجتمع، يجب وضع ضوابط واضحة خاصة، لمن يكررون العمليات من دون سبب طبي واضح.
رقابة صارمة
وللتأكد من أن العملية ضرورية، وليست بدافع التقليد، أو الضغط النفسي، لا بدّ من رقابة طبية صارمة على العيادات، والمراكز التجميلية، ومنع الترويج غير المهني، أو المضلل لمثل هذه العمليات، ما يسهم في ضبط العملية، وحوكمتها، بالتعاون مع الجهات المسؤولة عن الرقابة كوزارة الصحة، وهي الجهة الرسمية التي تراقب أداء المراكز التجميلية، وتمنح التراخيص، والهيئات الطبية المتخصصة، التي تتابع التزام الأطباء بالمعايير الأخلاقية، والمهنية، وصولاً إلى المؤسسات الإعلامية، التي يجب أن تلتزم بالتوعية، بدلاً من الترويج غير المدروس.
وحسم الرأي بالقول: للحد من تفشي عمليات التجميل المبالغ فيها، يمكن اتخاذ خطوات عدة مثل نشر التوعية النفسية والاجتماعية، بقيمتي تقبل الذات، والثقة بالنفس، وتنظيم الإعلانات، والتسويق الطبي، لمنع التضليل، وتعزيز الرقابة القانونية على المراكز غير المرخصة، أو الممارسات التجارية الجشعة.
في حين عمليات التجميل قد تكون مفيدة حين تُستخدم لأسباب طبية أو إنسانية، لكن استخدامها لأغراض تجميلية بحتة، ومن دون وعي، قد يؤدي إلى آثار نفسية، واجتماعية سلبية، لذا من المهم أن نعيد التفكير في مفهوم الجمال، ونوازن بين الحرية الشخصية، والمسؤولية، وبين ما هو علاجي، وما هو مجرد تغيير سطحي، لا يضيف شيئاً حقيقياً إلى قيمة الإنسان.
الجائز والمحرم
وبالنسبة لرأي الشارع الحكيم في الجراحات التجميلية بشكل عام، أوضح الشيخ الدكتور ناصر أحمد البلوشي الزهراني، أستاذ العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكبير الباحثين في العلوم الشرعية، والمأذون الشرعي بإمارة دبي، أن منها الجائز، والمحرّم.
وأوضح: من العمليات التجميلية الجائزة، التجميل لإزالة العيب، كإزالة تشوّه خلقي وُلد الإنسان به، كالشفة المشقوقة «الأرنبية»، أو الأصبع الزائد، أو التشوّه والعيب الطارئ بسبب حادث، أو حريق، أو مرض، وهذه العمليات جائزة، لأنها من باب إزالة الضرر، وردّ الخِلقة إلى أصلها، ولإذن النبي ﷺ للصحابي الذي قُطع أنفه في الحرب أن يتّخذ أنفاً من ذهب، أو التجميل لتحسين وظيفة معينة في جسد الإنسان، كالعمليات التي تساعد على تحسين النطق، أو التنفّس، أو استعادة وظيفة عضو، وهذا النوع جائز، لأنه من باب التداوي المشروع.
أما العمليات التجميلية المحرّمة، فهي تصغير الأنف السليم فقط لمواكبة الموضة، أو تجميل الثديين بتصغيرهما أو تكبيرهما، أو نفخ الشفاه، أو تغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معين، بقصد التدليس وتضليل العدالة، أو الوشم، وتعد محرمة لأنها من باب تغيير خلق الله، الذي توعّد الشيطانُ العباد به في قوله تعالى: ﴿ولَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾، ولقوله ﷺ: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمّصات، والمتفلّجات للحُسن، والمغيّراتِ خلقَ الله»، فضلاً عن كون التجميل في هذه العمليات يهدف إلى التغيير الدائم للخلقة السليمة، لأغراض جمالية بحتة، ليست ضرورية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.