تحقيق: ميثا الأنسي
صباح الحضانة «التعليم المبكّر» لم يعد يقتصر على توديع سريع ودمعة في عين الطفل، بل بات يبدأ بقائمة تحضيرات قد تُربك حتى أمهر منظمي الفعاليات، فبين يوم «الفواكه» ويوم «الشخصية الكرتونية» ويوم «اللون الموحد»، تحولت الحضانة إلى برنامج مزدحم بالاحتفالات، الطفل الصغير، الذي لا يكاد يفرق بين اليوم والأمس، أصبح فجأة مشاركاً دائماً في عروض أسبوعية، لا يتذكر منها شيئاً، لكنه يظهر فيها بزيّ جديد في كل مرة، وكأن عليه أن يؤدي دوراً لا يُناسب عمره.
الأهالي، الذين لجؤوا إلى الحضانة «مؤسسات التعليم المبكّر» بوصفها خياراً منطقياً لتخفيف العبء اليومي وسط متطلبات العمل والحياة، وجدوا أنفسهم أمام شكل جديد من الالتزام، لم تعد الحقيبة تحتوي فقط على حفاض وزجاجة حليب، بل أصبحت تضم فاكهة موسمية أو لباساً تنكرياً، وربما «إكسسوارات» تُناسب لباس اليوم، وفي كل مرة، يتكرر الجهد والإنفاق، من دون توقف، ودون وضوح في الغاية التربوية.
تحت مظلة الفعاليات والأنشطة تتسلل ثقافة استهلاكية تُحمّل الأهل فوق طاقتهم، وتُلبس الطفولة ثوباً لا يليق ببساطتها، فبدلاً من التركيز على الجوهر، وهو الرعاية والاحتواء والتعليم، أصبحت الحضانة أحياناً ساحة عرض اجتماعي، ومع كل صباح مزدحم بالتحضيرات يتآكل المعنى الحقيقي لتلك السنوات الأولى من الطفولة، التي يُفترض أن تكون هادئة، وعفوية، وبعيدة عن ضغط «الروزنامة».
عبء التحضيرات
عدد من الأمهات تحدثن إلى «الخليج» عن المتطلبات المبالغ فيها للفعاليات، حيث قالت رجاء عبد اللطيف محمود «أصبح تجهيز المستلزمات للحضانة كثيراً، مثل ألوان خاصة، وأدوات فنية، أو زي معين، وهذا يزيد أعباءنا المالية. في بعض الأحيان أشعر بأن هذه المتطلبات تتكرر بمبالغة، ما يجعل من الصعب عليّ متابعة كل نشاط من دون الشعور بضغوط مادية متزايدة، خاصة مع وجود أطفال آخرين في المنزل، أتمنى أن تقلل الحضانة من هذه الطلبات أو توفر الأدوات الأساسية للأطفال، لتخفيف العبء علينا».
كلف زائدة
وأوضحت منار الجعدبي «رغم أن ابنتي تحب الفعاليات، فإن كثرتها أحياناً تسبب لها إجهاداً، خصوصاً مع الواجبات المنزلية والأنشطة الأخرى التي نقوم بها، من جهة أخرى، تتطلب بعض الفعاليات مستلزمات وأدوات مثل مواد الرسم أو أدوات الطهي التي نحتاج لشرائها بشكل متكرر، وهذا العبء المادي يتراكم ويجعلني أشعر بصعوبة في المتابعة على المدى الطويل. أعتقد أن تنظيم الفعاليات بعدد أقل وتركيز أكبر على الجودة بدلاً من الكم سيكون أفضل للجميع، من حيث تقليل الضغط المادي والبدني على الأطفال والأهالي».
إشعار متأخر
وقالت سارة المنصوري، إنها تشعر بإحباط كبير بسبب الطريقة التي تُدار بها الفعاليات الأسبوعية في الحضانة، حيث يُفرض على أولياء الأمور المشاركة في أنشطة متعددة من دون استشارتهم أو مشاركتهم في اتخاذ القرار. والحضانة عادةً ما تخبرهم بموعد الفعالية ومتطلباتها قبلها بيومين أو ثلاثة فقط، وهو وقت قصير جداً لا يسمح لهم بالتحضير المناسب، خاصة عندما تتطلب الفعالية شراء زي معين أو أدوات خاصة يجب شراؤها «أونلاين»، وغالباً لا تصل هذه الطلبات في الوقت المناسب، ما يسبب ضغطاً وتوتراً على الأسرة، ويجعل تجهيز الطفل للفعالية أمراً معقداً ومرهقاً، مؤكدة أن هذا الأسلوب في فرض الفعاليات دون استشارة الأهل يُشعرهم بأنهم مجرد متلقين للقرارات، ما يقلل من شعورهم بالشراكة في العملية التعليمية.
فعاليات تربوية
«الخليج» التقت مسؤولات في عدد من الحضانات تحدثن عن هذه القضية، حيث قالت موزة المهيري، نائبة مديرة في حضانة، إن للفعاليات الأسبوعية دوراً كبيراً في تنمية مهارات الأطفال الاجتماعية واللغوية والحركية، حيث تتيح لهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم، والتفاعل مع زملائهم ومعلماتهم، واكتساب مفردات جديدة.
كما أنها تعزز ثقة الأطفال بأنفسهم وتساعدهم على الشعور بالانتماء والاندماج في البيئة الصفية بطريقة ممتعة وتربوية. وأضافت أن تخصيص أيام مثل «يوم الفواكه» أو«الشخصية الكرتونية» يهدف إلى ربط التعلم بحياة الطفل اليومية، وتحفيز فضوله وحبه للاستكشاف، فمثلاً «يوم الفواكه» يساعد الأطفال على التعرف إلى الغذاء الصحي عملياً. أما يوم «الشخصية الكرتونية»، فيشجعهم على التعبير عن مشاعرهم وخيالهم ضمن أجواء ترفيهية تربوية، لأن الأطفال يتفاعلون إيجاباً مع هذه الأنشطة، حيث يظهرون حماساً واندماجاً واضحين أثناء تنفيذها.
تخطيط مدروس
وأشارت إلى أن جميع الفعاليات تخطَّط وتُربط بمخرجات التعلم الأساسية مع مراعاة التوازن بين التعليم والترفيه. والحضانة تأخذ آراء أولياء الأمور في الحسبان، عند التخطيط، وتحرص على تقديم بدائل مرنة للأسر التي قد تواجه صعوبات، والهدف الأساسي مشاركة الطفل وليس الكلف أو التحضيرات، مع استخدام أدوات بسيطة تضمن مشاركة الجميع دون تمييز.
بيئة محفزة
وقالت مي سعيد، مديرة حضانة «في حضانتنا نحرص على تقديم فعاليات أسبوعية مدروسة تهدف إلى تنمية مهارات الأطفال في جو من المتعة والتعلم، منها: «يوم الفن والتلوين» لتشجيع الإبداع، و«يوم القصة والمسرح»، لتعزيز اللغة والتعبير، و«يوم الرياضة» لتقوية الحركة والتعاون، و«يوم الطبيعة والاستكشاف»، لتنمية حب المعرفة، و«يوم الطهي البسيط» لغرس مفاهيم الاستقلال والمسؤولية.
وأضافت: نُعلِم أولياء الأمور مسبقاً بخطة الفعاليات الأسبوعية برسائل أو جداول إلكترونية عبر تطبيقات التواصل الخاصة بالحضانة، حتى يكونوا على دراية بما يحدث في يوميات أطفالهم. كما نحرص على أن تكون التجهيزات المطلوبة بسيطة جداً، ولا تمثل عبئاً مادياً أو لوجستياً على الأسر.
وأشارت إلى أن هذه الفعاليات تسهم في تطوير شخصية الطفل، وتعزز ثقته بنفسه، وتجعله أكثر حماساً للحضور والتعلم. كما أن الكثير من أولياء الأمور عبّروا عن سعادتهم بهذه الأنشطة التي تعود على أبنائهم بفائدة كبيرة، وتخلق رابطاً جميلاً بين الحضانة والبيت، حيث يعود الطفل ليشارك والديه ما تعلمه وأنجزه خلال اليوم.
تطور مستمر
وقالت فاطمة المنصوري، معلمة في حضانة، «الفعاليات الأسبوعية التي نقدمها في الحضانة تترك أثراً واضحاً في سلوك الأطفال وتفاعلهم اليومي، هي ليست مجرد لحظات ممتعة، بل تجارب تعليمية متكاملة تُسهم في تنمية مهارات الطفل في مجالات متعددة، مثل التعبير، والتواصل، والتعاون، والإبداع، ونلاحظ كيف ينتظر الأطفال يوم القصة بحماس، ويشاركون في التمثيل، ويستخدمون كلمات جديدة، وفي يوم الفن يظهر كل طفل بطريقته الخاصة، يعبر بالألوان والأشكال، بينما تمنحهم الأنشطة الحركية الفرصة للتعبير عن طاقاتهم والتعاون مع أصدقائهم. وهذه الفعاليات تقربنا من الأطفال أكثر، فنتمكن من فهم شخصياتهم وتحديد نقاط قوتهم، ما يساعدنا في توجيههم بشكل أفضل. كما أن مشاركة أولياء الأمور وإطلاعهم على هذه الأنشطة يعزز العلاقة بين البيت والحضانة، وكثيراً ما يخبروننا بسعادة أبنائهم، وبأنهم يعودون إلى المنزل متحمسين، يروون تفاصيل ما فعلوه وما تعلموه».
موافقة مسبقة
وأكدت دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي أنه يجب على مؤسسات التعليم المبكّر الالتزام بالحصول على موافقة الدائرة قبل فرض أي رسوم إضافية، ويجب عدم فرض أي رسوم إضافية اختيارية على أولياء الأمور من دون موافقتهم، كما يجب على المؤسسات الالتزام بالحرص على التعامل مع جميع حالات عدم الدفع بأسلوب متفهم ومهذب لتجنب احتمال تعريض الطفل أو أولياء الأمر للإحراج.
وذكرت أنه وفقاً لسياسات التعليم المبكر التي يجب على جميع مؤسسات التعليم المبكر الامتثال الكامل لها مع بداية الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 2025 2026، أن توضح في سياستها للرسوم أي رسوم إضافية تنوي فرضها خلاف الرسوم الدراسية، ويشمل ذلك الرسوم التي قد تُفرض لتوفير خدمات متخصصة للأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الإضافية، وتلتزم مؤسسات التعليم المبكّر بضمان شفافية ووضوح أي رسوم إضافية مطبقة للخدمات المتخصصة.
كما يجب أن تكون هذه الرسوم الإضافية مفصلة في الفواتير، ويجب عدم فرض أي رسوم إضافية اختيارية على أولياء الأمور من دون موافقتهم، وتوضيح الرسوم المفروضة على المخيمات أثناء العطلات التي تقام خلال أوقات الاستراحة الدراسية (الشتاء، والربيع، والصيف) ضمن هيكل الرسوم.
وأوضحت أن الرسوم الإضافية هي التي تفرض خلال العام الدراسي مقابل خدمات إضافية، مثل الاستلام المتأخر للطفل، والإيصال المبكّر للطفل، والخدمات الطبية، والأندية بعد أوقات الدوام/ الأنشطة اللامنهجية، وبرامج/مخيمات أثناء العطلات.
مستلزمات طارئة
تقول ريم عبد الرحمن: «أشعر أحياناً بأن الفعاليات تحتاج لمستلزمات وأدوات غير مذكورة مسبقاً، ما يجعل بعض النفقات غير متوقعة بالنسبة لنا نحن أولياء الأمور، وهذا يجعل من الصعب علينا التخطيط المالي وإدارة ميزانيتنا بشكل جيد، مثلاً في بعض الأيام يطلب من الأطفال أدوات أو مواد لا نعلم عنها إلا قبل وقت قليل، هذه المفاجآت تخلق ضغطاً مادياً غير ضروري».
موقف صعب
توضح ملاك محمد: «واجهت موقفاً صعباً خلال إحدى حفلات الحضانة التي تطلبت من الأطفال ارتداء زي موحد خاص بالفعالية، لم أتمكن من شراء هذا الزي لابنتي بسبب الأحوال المالية التي نمر بها. وعندما ذهبت ابنتي إلى الحضانة ورأت بقية الأطفال يرتدون الزي الموحد، شعرت بالحزن والحرج الشديدين، وهذا الأمر أثر في نفسية الطفلة وجعلها تشعر بأنها مختلفة أو أقل شأناً، ما سبب لها انزعاجاً واضحاً».
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
