في ليلة كئيبة ممطرة يضيء البرق سمائها وتحيطها أصوات الرعد من كل اتجاه، كان إندي يتواجد في مكتبه بكلية مارشال لدراسة بعض المواضيع المثيرة للاهتمام تتعلق برحلته الاستكشافية القادمة. جذب اهتمام بطلنا صوت غريب في القسم السفلي الذي يحتضن متحف الكلية، يسرع إندي لمعرفة حقيقة تلك الأصوات ليجد نفسه أمام شخص مثير للريبة يدعى لوكاس أسقطه أرضًا وسرق قطعة أثرية نادرة كان البروفيسور قد أكتشفها قبل عدة أشهر في منطقة أهرامات الجيزة بمصر. يسعى إندي جاهدًا لمعرفة السر الكامن وراء هذا الأثر، ويقوده التحقيق إلى أعماق الفاتيكان، حيث يكتشف خريطة مذهلة تُظهر مواقع روحانية منتشرة عبر العالم وتشكل دائرة محاذية تمامًا، كأنها شفرة كونية خفية. من أهرامات مصر القديمة إلى معابد سوخوثاي في تايلاند، ومن شنغهاي الصاخبة إلى جبال الهيمالايا المغطاة بالثلوج، ينطلق بطلنا في رحلة لا يعرف إلى أين تقوده لكن هناك شيء واحد فقط يدفعه للمضي قدمًا… حب المغامرة وتخليد اسمه بصفته المستكشف الأعظم في تاريخ البشرية.
يدرك إندي بعد وقت قصير أن السر الكامن وراء تلك القطعة الأثرية أكبر بكثير مما خُيل له، وفي هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، ينضم إليه الصحفية الجريئة جينا لومباردي، لتكشف معه أسرارًا تهدد بتغيير مصير البشرية، والنتيجة هي واحدة من أفضل القصص وأكثرها تشويقًا في ألعاب المغامرات القائمة على أسرار وخبايا العالم القديم، والقصة الأفضل في تاريخ المغامر الخيالي، ليس فقط في صناعة الألعاب (والتي شهدت تجارب محدودة للغاية)، وإنما حتى مقارنة بسلسلة الأفلام السينمائية منذ جزئها الأول الصادر في 1981 وحتى الجزء الأخير في 2023.
لدى MachineGames تاريخ حافل بالإصدارات المميزة لألعاب المغامرة، ولأكون صريحًا من البداية، أحب ألعاب الاستوديو لكنها دائمًا ما تفتقد الصقل أو اللأفكار الفريدة لأضعها ضمن قائمة عناويني المفضلة، لكن هنا يتغلب الاستوديو على نفسه في تقديم مغامرة سينمائية تجمع بين السرد الممتع والأحداث المشوقة والشخصيات الجذابة التي ستتعلق بها مباشرة، وبين الحرية في أسلوب اللعب ومنح اللاعب متسعًا للإنحراف عن الطريق الرئيسي في كل مرة أراد ذلك، بل والاستمتاع بنفس القدر واكتشاف أسرار لا تقل إثارة مقارنة باللغز الرئيسي، بل وربطها بالحبكة الرئيسية بشكل ملتوي سيجعل الابتسامة تعلو وجهك تلقائيًا عندما تربط تلك الأحداث سويًا، هذه هي لعبة MachineGames الأفضل في مساره، وأحد أفضل ألعاب هذا العام، ومشروع جديد سطر اسمه بحروفٍ ذهبية في عالم ألعاب المغامرات، ومنافس قوي لألعاب Tomb Raider، ووسيلة رائعة لملء الفراغ الذي تركته سلسلة Uncharted منذ 8 سنوات.
ما يميز Great Circle حقًا هي أنها ليست Uncharted أو Tomb Raider، ولا تحاول أن تبدو مثلهما، بل لعبة مختلفة تحمل في طياتها روح الشخصية السينمائية والشعور الذي ستحصل عليه عند مشاهدة سلسلة الأفلام، الأمر هنا كما لو أننا عدنا بالزمن للوراء وحصلنا على جزء آخر من هاريسون فورد وهو في ريعان شبابه، وساعد في ذلك الكتابة الرائعة للشخصية والأداء الصوتي المميز لتروي بيكر والتقاطه حس الفكاهة وتلقائية إندي المرحة - لدرجة أنني سرحت في بعض اللحظات وظننت أن هاريسون فورد هو من قام بالأداء الصوتي - والسيناريو الذي تم إعداده بعناية مما جعل أحداث اللعبة مشوقة وغامضة في الوقت نفسه من اللحظة الأولى وحتى المشهد الأخير.
كشخص محب لألعاب المغامرة من المنظور الثالث، كان المنظور الأول غريبًا نوعًا ما بالنسبة لي وجديد على ألعاب هذه الفئة، لكن بعد الساعة الأولى تقريبًا كان الوضع أكثر إثارة للإعجاب مما ظننت، ولكن دعني أوضح أولًا أن اللعبة ليست منظور أول تمامًا مثل Far Cry على سبيل المثال، فلن تمر عدة دقائق إلا وستجد نفسك تتحول للمنظور الثالث تلقائيًا، يحدث هذا في كل مرة يستخدم فيها إندي السوط للقفز للجهة المقابلة، وفي كل موقف يجبره على الصعود أو الهبوط أو العبور في الممرات الضيقة، شعرت بالغرابة في البداية لكن سرعان ما اتضح أن هذا النظام أكثر تشويقًا ويساعد على التفاعل مع البيئة حولك بشكل أفضل، والأهم إنه مثالي في حل الألغاز ويمنحك أفضلية في الاشتباكات اليدوية التي تعتمد عليها أحداث العنوان بشكل شبه كامل.
يشرع إندي في رحلته معتمدًا على سوطه الشهير في التنقل من منطقة لأخرى واجتياز العوائق التي تعترض طريقه، ويعتمد – غالبًا – على التسلل للوصول إلى المستندات والوثائق والقطع الأثرية والحقائق المختلفة التي تكمل بحثه، ويستخدم بطلنا مجموعة من الهراوات والمطارق والأسلحة اليدوية المنتشرة بكثافة في كل بيئة يزورها، مع القدرة على التطرق للأسلحة النارية وتبادل إطلاق النار إذا استعصى الموقف، هذا الخيار تحديدًا استخدمته بشكل نادر للغاية طول فترة خوضي لأحداث اللعبة لأنه يتسبب في تعقيد الموقف وسعي كل من في المنطقة خلفي، كما أنه غير مناسب لطبيعة تصميم اللعبة – إلا في مواقف محدودة – نظرًا لأنك تتحدث عن عالم أثار في المقام الأول وليس زعيم عصابة، تبدو المواجهات باليدين من منظور الشخص الأول رائعة ومرضية وعشوائية في الوقت نفسه، مع نظام بسيط يعتمد على الصد واستخدام السوط لإسقاط أسلحة أعدائك ومهاجمة الكلاب، أو سحب الأعداء نحوك إذا تمكنت من تطوير قدراته، ناهيك عن على شحن اللكمات لإسقاط خصمك أسرع، أو استخدام الزجاجات الفارغة لدفع الخصم للتحرك في اتجاه محدد ومن ثم الانقضاض عليه، كانت المعارك اليدوية عشوائية بعض الشيء، خاصة عند اكتشاف أمرك ومواجهة أكثر من شخص، لكن مع القدرة على جمع الفاكهة والخبز واستعادة حالتك الصحية والبدنية، ستكون في مأمن وستواصل الصمود لفترات أطول، أضف إلى ذلك القدرة على الاندماج مع سكان المنطقة التي تتواجد فيها من خلال تغيير ملابسك لملابس محلية، مما يجعلك أقل عرضة لاكتشاف أمرك، أما النقطة الأكثر إحباطًا هنا فهي قدرة إندي على التحمل، والتي ستتركك عاجزًا في مواقف مختلفة أثناء صعود منطقة مرتفعة أو عند تسديد لكمات متواصلة لأعدائك دون أن تدرك أنك منهك، والنتيجة هي التعرض لضرب مبرح إلى أن تتمكن من استعادة قدرتك البدنية.
تكمن صعوبة استخدام الأسلحة النارية في محدودية الذخيرة، مما سيتركك عرضة للمحاصرة بعد فترة من الوقت وبعدما يكون الجميع قد اكتشف وجودك في المنطقة، رغم ذلك، تعد تلك الأسلحة مناسبة للتعامل مع الأعداء الأكبر حجمًا الذين يحتاجون لمجهود مضاعف للقضاء عليهم يدويًا. هذا هو الأسلوب الرئيسي للوصول لهدفك، على الجانب الآخر، تمنحك اللعبة حرية كاملة في التعامل مع كل هدف والانحراف عن المسار لاستكشاف المناطق المجاورة، والتي تكافئ اللاعب بشكل مجزي للغاية أما من خلال النقود التي تستخدم لشراء بعض الأدوات، أو النقاط التي تجمعها مقابل كل صورة تلتقطها لمنطقة أثرية أو كل مستند يتضمن معلومات هامة تعثر عليه، تلك النقاط مرتبطة مباشرة بالترقيات، وتشمل تطوير قدرات إندي من خلال الكتب الموجودة داخل العالم، ويمكن لهذه الكتب ترقية أشياء مثل الصحة وسعة العناصر وترقيات القدرة على التحمل، لكنها لا تقدم تغييرات جذرية أو طرق مبتكرة تمامًا، ويعيب هذه الجزئية الذكاء الاصطناعي المحبط للمرافقين وليس الأعداء، إذ تتحرك القوات النازية في دوريات منتظمة، وينتبه كبار الضباط إلى وجودك في المنطقة حتى وإن كنت ترتدي زي عامل في أهرامات الجيزة أو قس في الفاتيكان، وعلى النقيض تمامًا، يرافق إندي بعض الأصدقاء في مهام محددة لكنهم يتحركون بعشوائية وسذاجة أمام الأعداء دون أن يتم كشف أمرهم، مما قلل من مستوى الواقعية والاندماج، لكن هذا يحدث قليلًا لحسن الحظ.
النقطة الأبرز في أسلوب اللعب والأكثر متعة هي الألغاز، تقدم اللعبة مجموعة متنوعة من الألغاز مع صعوبة متباينة، والقدرة على تعديل مستوى الصعوبة بحرية من القائمة الرئيسية، يمكنك التحكم في مستوى صعوبة الألغاز بشكل منفصل عن القتال والاشتباكات، كالحصول على تلميح للخطوة التالية إذا كنت عاجزًا عن حل اللغز، يبدو دمج الألغاز في السرد والبيئات سلسًا، مما يجعلها امتدادًا طبيعيًا للمغامرة بدلاً من سلسلة من التحديات غير المتصلة، وتوفر الألغاز شعور يشبه النصر عند حلها، وتدفعك للبحث والتنقيب باستمرار، وتقدم أفكارًا مبتكرة وتصميم محكم يجمع بين الصعوبة والمتعة دون أن تصاب بالإحباط، ولا يقتصر الوضع على ألغاز القصة الرئيسية فقط، وإنما المهام الفرعية والقصص المرتبطة بسكان المنطقة وحتى الخزائن الموصدة التي تفرض عليك التحري وجمع الأدلة إلى أن تتمكن من الوصول إلى الشفرة الصحيحة وحل اللغز، رغم أن بعضها كان مكررًا.
يعتمد بطلنا على خريطة مصغرة تسمح له بالتنقل بحرية ودقة في كل منطقة يزورها، كل مرحلة رئيسية في اللعبة تزور فيها مدينة مختلفة عبارة عن عالم مفتوح لديك مطلق الحرية في استكشافه إذا استطعت تجاوز دوريات المراقبة والحواجز الأمنية، كل عالم مليء بالأسرار والمهام الجانبية والكثير مما يمكن رؤيته والقيام به، وقد تجد نفسك مضطرًا لقطع مسافات طويلة على الأقدام، لكن بعد فترة يتم فتح السفر السريع من خلال اللافتات مما يسمح لك بالانتقال سريعًا للمنطقة المستهدفة، كما أن السفر السريع يعمل في لمح البصر دون أي شاشات انتظار، رغم ذلك، لم أتطرق لهذا الأمر إلا نادرًا، وذلك لأن استكشاف العالم يؤدي عادةً إلى كتاب جديد أو لغز لحله، ويجعل استثمار وقتك في البحث والتنقيب مثمرًا.
لن أتحدث عن شخصيات اللعبة باستفاضة وسأترك اللاعب يتعرف عليهم بشكل شخصي، ولكني أخص بالذكر إميريش فوس، عالم الآثار النازي الخبيث والشرير الرئيسي الذي يحاول الإيقاع بإندي طوال الأحداث، هذا الأداء المتقن، والحرفية الشديدة في صياغة كل حوار بشكل علمي يجعله قابل للتصديق حتى وإن كان محض هراء، والقدرة المثيرة للإعجاب على الإقناع من جهة، وترهيب وتخويف أعدائه من جهة أخرى دون أن يحمل سلاحًا أو يرفع نبرة صوته، هو أداء خيالي يقارن بأداء الممثل العالمي كريستوف فالتز في فيلم Inglourious Basterds وحصوله على الأوسكار عن هذا الدور، مهما تحدثت عن دور فوس لن يكفي المؤدي الصوتي ماريوس جافريليس حقه، إذا قدم للتو أفضل أداء شخصي في ألعاب الفيديو هذا العام، وأعاد إلى ذهني الأدوار الأسطورية لأبرز نجوم هوليوود.
تتميز اللعبة بمستوى رسومي رائع وتجسيد متقن لأبرز المعالم الأثرية، كأهرامات الجيزة أو شوارع ومعالم مدينة الفاتيكان القديمة، وهنا يجب الإشادة بجهود MachineGames في التوطين، فكل منطقة ستزورها تعكس هويتها بشكل رائع، كالأطعمة الإيطالية والسكان الذين يتحدثون باللغة المحلية في الفاتيكان، أو العمال الكادحين في الجيزة، هذه واحدة من الألعاب النادرة التي قدمت مصر وسكانها بشكل واقعي ودقيق في المظهر والملابس ولون البشرة، والأهم، اللغة المصرية العامية، كل حديث ستستمع له في أسواق الجيزة وكل تاجر يتبادل معك أطراف الحديث هو مصري 100% يتحدث باللهجة العامية وبشكل تلقائي غير مصطنع كما يحدث في معظم العناوين الأخرى، حتى الأكلات والفواكه مستمدة من المجتمع المصري كبلح زغلول والعيش البلدي والتين الشوكي، هذا الاهتمام الكبير بالتفاصيل جعل التجول في كل منطقة والاستماع إلى أحاديث المارة وتعليقاتهم المختلفة متعة تضاهي روعة أحداث اللعبة نفسها.
تعمل اللعبة على Xbox Series X بمعدل 60 إطارًا في الثانية، مع تقطيع غريب في بداية كل مشهد سينمائي لا يستمر سوى لثانيتين، كذلك تعمل الإضاءة والاهتمام بالتفاصيل على خلق عوالم غنية وغامرة تجذب اللاعب على الفور مع مستوى رسومي رائع، كما أن نماذج الشخصيات مثيرة للإعجاب في المشاهد السينمائية، ولكن الرسوم المتحركة داخل اللعبة قد تبدو قديمة نوعًا ما، خاصة أثناء مشاهد القتال، على الجانب الآخر يدعم العنوان لغتنا العربية في ترجمة النصوص والحوارات والقوائم، وهي إضافة رائعة ستشجع كل لاعب عربي على الاستمتاع بخوض أحداث العنوان وقصته المتشعبة وفهم نظرياته المعقدة بطريقة سلسة وسهلة ينجم عنها التفاعل مع القصة بشكل مثالي.
تعد Indiana Jones and the Great Circle أفضل مشروع جديد كليًا من Xbox منذ سنوات، ومنافس جديد في فئة ألعاب المغامرات يهدد عرش أساطير هذا النوع، قدمت اللعبة قصة ملحمية تبقيك متعطشًا لمعرفة نهايتها، وأسلوب سرد شيق، وشخصيات جذابة، خاصة فوس العدو الرئيسي لإنديانا، وتصميم مبهر للمدن والمناطق المختلفة التي قدمتها، كل هذا بجانب أسلوب اللعب الممتع والألغاز الفريدة المصممة بحرفية، ولا يعيبها سوى الذكاء الاصطناعي المتدني للمرافقين، وعشوائية المعارك اليدوية في بعض المواقف، ومقياس القدرة على التحمل المزعج.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.