العاب / IGN

مراجعة Keeper

  • 1/2
  • 2/2

هناك ألعاب تسعى إلى التسلية، وأخرى إلى التحدي، لكن Keeper من Double Fine لا تبحث عن أيٍّ منهما. هذه اللعبة الصغيرة، الهادئة، والمريبة أحيانًا، تمضي في طريقها الخاص، حيث لا توجد حوارات ولا تعليمات، ولا حتى ملامح واضحة للقصة. فقط منارة نائمة تستيقظ بعد زمنٍ طويل، وطائر صغير يرافقها في رحلة إلى أعماق جزيرة غامضة، تحاصرها الطبيعة، ويغمرها الضوء. ومن هذه البساطة البصرية تنشأ واحدة من أكثر التجارب الفنية التي قدمها استوديو Double Fine منذ زمن.

منذ اللحظة الأولى تشعر بأن اللعبة لا تشرح شيئًا. لا توجد واجهة واضحة أو إرشادات، كل شيء متروك لتكتشفه بنفسك. تتحرك المنارة ببطء في بيئة سريالية تذوب فيها الألوان بين البني والرمادي والأزرق، بينما تبدأ الأغصان الذابلة بالتحرك كأنها كائنات حية تحاول خنق المكان. وبمجرد أن تضيء شعاعك الأول نحو العالم من حولك، تدرك أن الضوء هو لغتك الوحيدة هنا. إنه وسيلة التواصل، وسلاح الدفاع، والمفتاح الذي يحرك كل ما هو ساكن.

آلية اللعب بسيطة في ظاهرها لكنها ذكية في جوهرها. المنارة تملك شعاعًا متغير القوة، يمكنك تركيزه لتفعيل آلية محددة، أو توسيعه لإحياء النباتات المحيطة أو فتح طريق جديد. الطائر الذي يرافقك لا يُعد زينة بصرية بل جزءًا أساسيًا من أسلوب اللعب، فهو يطير نحو النقاط التي تسلّط عليها الضوء ويُفعّل ما لا تستطيع المنارة الوصول إليه. في لحظات معيّنة، هذا التعاون بين الكائنين يشبه علاقة صامتة بين صديقين يواجهان المجهول. لا حديث بينهما، فقط إشارات من الضوء والحركة، لكنها كافية لتشعرك أن بينهما صلة حقيقية.

بيئة Keeper تُصمم بطريقة تدفعك إلى التأمل أكثر مما تدفعك إلى الاستعجال. الأصوات محدودة، لا موسيقى ملحمية أو إيقاعات تصعيدية، بل مجرد نسمات بحرية خافتة، وضربات خفيفة حين يتحرك الضوء في الظلام. هذه العزلة الصوتية تتناغم مع الفكرة المركزية للعبة: الهدوء ليس فراغًا، بل لغة أخرى للتواصل. Double Fine نجحت هنا في تحويل الصمت إلى عنصر سردي، والفراغ إلى مساحة يملؤها الخيال.

من الناحية الفنية، اللعبة مذهلة بطريقة غير متوقعة. التصاميم تتأرجح بين الواقعية المشوهة والرسم التجريدي، وكأنك تسير داخل لوحة فنية تتحرك أمامك ببطء. التدرجات اللونية ناعمة لكنها تحمل ثقلًا عاطفيًا، كل مشهد يبدو كأنه يرسم شعورًا جديدًا: الحنين، الوحدة، الأمل. الأضواء والظلال تتفاعل مع العالم بطريقة حية، حتى أن الضوء ذاته يتحول إلى شخصية ثالثة تروي القصة من منظورها. يمكنك ملاحظة التأثير البصري عند كل خطوة، حين تتبدل استجابة لشعاعك، وكأنك تُعيد الحياة إلى مكان كان ميتًا منذ قرون.

لكن مع هذا الجمال، هناك أيضًا لحظات من الغموض الزائد. اللعبة لا تخبرك إلى أين تذهب، ولا لماذا، وفي بعض المراحل ستجد نفسك تدور في أماكن متشابهة دون وضوح للهدف. صحيح أن ذلك يخدم فكرة “الاكتشاف الذاتي” التي تبنيها اللعبة، لكنه أحيانًا يرهق الإحساس بالإيقاع، خصوصًا لمن يبحث عن تحدٍ أو أهدافٍ محددة. Double Fine لم تصمم Keeper لتكون لعبة تُنهيها بسرعة أو تتقن آلياتها، بل لتكون تجربة تُشاهدها وتعيشها، حتى لو تطلب الأمر صبرًا.

الألغاز في Keeper خفيفة لكنها ممتعة، تعتمد على التفاعل بين الضوء والطائر، وغالبًا ما تُكافئ الفضول أكثر مما تُكافئ المنطق. لا تحتاج إلى ذكاء خارق بقدر ما تحتاج إلى مراقبة العالم حولك وفهم إيقاعه. كل مرة تستخدم فيها الضوء بطريقة جديدة، تشعر بشيء من الاكتشاف الحقيقي، وكأن اللعبة تُخبرك: “هذا ما يعنيه أن تفهم لا أن تُشرح لك.” إنها فلسفة التصميم في أنقى صورها.

الجانب السردي لا يعتمد على نص أو صوت، بل على المشهد البصري وحده. الحكاية هنا تُفهم بالإحساس، وليس بالكلمات. منارة تستيقظ بعد السكون، تسير في عالمٍ متهالك تبحث عن سبب لوجودها، وربما عن خلاصٍ رمزي. كل تفصيل صغير – من اتجاه الرياح إلى تحرك الأغصان – يضيف طبقة جديدة من المعنى. كثير من النظريات بدأت تظهر بعد العرض التجريبي في الصحافة الغربية، بين من يراها قصة عن البيئة، ومن يراها عن الوحدة الإنسانية بعد الكوارث. لكن Double Fine تترك التفسير مفتوحًا عمدًا، لتجعل كل لاعب يرى فيها ما يريد.

من حيث الأداء التقني، اللعبة تعمل بسلاسة على Xbox Series X وPC، وتستفيد من الإضاءة الديناميكية بشكل واضح. حتى في اللحظات التي تمتلئ فيها بالتفاصيل المتحركة، الإطارات تبقى ثابتة تقريبًا. النسخة التي جُربت قبل الإطلاق أثبتت أن الفريق ركّز على تحسين التجربة البصرية دون التضحية بالأداء، وهي نقطة تُحسب للاستوديو الذي عادة ما يهتم بالفن قبل التقنية. هذا التوازن يمنح اللعبة جودة عرض مذهلة دون أن تثقل على العتاد.

ما يميز Keeper أكثر هو تلك “الغرابة” التي يتقنها Double Fine. إنها اللعبة التي لا يمكن أن تراها قادمة. فكرة منارة تمشي وتستخدم الضوء للحديث مع طائر ليست شيئًا يمكن أن يمر في ذهن مطور تقليدي، لكنها تبدو طبيعية هنا، لأنها نابعة من فلسفة الاستوديو ذاتها: تحويل الغريب إلى جميل، والمجرد إلى تجربة حقيقية. إنها امتداد لروح Psychonauts وBroken Age، لكن بعمق بصري وتأمل أكبر. تيم شافر وصفها بأنها “تجربة أكثر من كونها لعبة”، وهو وصف دقيق جدًا لما تشعر به بعد ساعة من اللعب.

وهنا أستطيع أن أقول إن تجربتي الشخصية مع Keeper كانت مفاجأة حقيقية. لو قلت لي إنني سأقضي ساعات ألعب بمنارة يرافقها طير في جزيرة غامضة، لقلت إن هذا مستحيل، لكن المستحيل حدث. ليس فقط أني لعبتها، بل استمتعت بها أكثر مما توقعت. هذه الجرأة في الطرح هي ما يميز Double Fine عن غيرها، استوديو لا يخشى أن يكون مختلفًا في زمن امتلأ بالألعاب المتشابهة، المعلّبة، والآمنة. Keeper تذكير بأن الخيال لا يحتاج إلى خوف، وأن الجرأة قد تصنع من أغرب فكرة أكثر تجربة إنسانية صدقًا.

ومع ذلك، Keeper ليست للجميع. إذا كنت تبحث عن حركة أو معارك أو لحظات مثيرة، فلن تجد ذلك هنا. اللعبة تسير بإيقاع بطيء جدًا، وتعتمد على تكرار بعض الأفعال الصغيرة. لكنها في المقابل تقدم تجربة شعورية نادرة، تلمسك بصريًا أكثر مما تُبهرك ميكانيكيًا. إنها تذكير بأن الألعاب يمكن أن تكون لغة فنية قائمة بذاتها، لا تحتاج إلى كلمات ولا إلى تصفيق، فقط إلى وقتك وانتباهك.

في لحظاتها الأخيرة، حين تصل المنارة إلى قلب الجزيرة ويغمرها الضوء من كل جانب، تشعر أن ليست نهاية فعلية بل دائرة أخرى من الفهم. اللعبة لا تقدم إجابات، بل تدعوك لتفكر: ماذا يعني أن تكون “حارسًا”؟ هل نحمي الضوء أم نحاول أن نفهمه؟ هذا النوع من الأسئلة هو ما يجعل Keeper تجربة لا تُنسى بسهولة.

من الصعب تقييم لعبة كهذه بالمقاييس المعتادة. فهي ليست مغامرة ضخمة، ولا تمتلك نظام قتال أو مهام جانبية. لكنها تمتلك شيئًا لا يمكن قياسه: الروح. كل لحظة فيها تشعر بأن وراءها نية صادقة في قول شيء مختلف، حتى لو لم يُقال بصوتٍ عالٍ. إنها عمل فني يسير على حافة ، ومهما اختلفت التفسيرات، يبقى من الصعب نسيان صورتها الأولى: منارة تمشي في الظلام حاملة نورها كقلبٍ نابض.

Keeper تجربة فنية مميزة تجمع بين الجمال والغموض في عالم لا يشبه أي لعبة أخرى هذا العام. تصميمها البصري آسر، واستخدامها للضوء كلغة سردية فكرة جريئة تنجح في معظم الأحيان. ومع ذلك، فإن بطء الإيقاع وغموض الاتجاه قد يجعلانها أقل جذبًا لمن يبحث عن مغامرة أكثر وضوحًا. Double Fine تقدم هنا عملًا ناضجًا بصريًا وفكريًا، لكنه يتطلب من اللاعب أن يقابله بالصبر والانفتاح.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا