08 مارس 2025, 10:51 صباحاً
في واحدةٍ من أشهر القصص التي جمعت بين القوة والعدل، وبين الشعر والسياسة، يقف الخليفة العادل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في مواجهة الشاعر الحطيئة؛ صاحب اللسان اللاذع والهجاء المقذع، الذي لم يسلم منه أحدٌ، حتى والديه ونفسه!
بدأت الحكاية عندما شكا الزبرقان بن بدر، إلى الخليفة عمر، من بيت شعرٍ قاله فيه الحطيئة:
"دع المكارمَ لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعمُ الكاسي"
استدعى عمر بن الخطاب، الحطيئة ليستوضح الأمر، فسمع البيت، لكنه لم يجد فيه هجاءً صريحاً، فقال: "أين الهجاء في هذا؟ أراه عتاباً لا سباً!"، لكن الزبرقان ردَّ عليه قائلاً: "يا أمير المؤمنين، أكل مروءتي أنني آكل وألبس؟ أين شرفي وأين فضلي إذا كان هذا هو كل ما يُقال عني؟".
إزاء هذا الموقف، لجأ الفاروق إلى أهل الشعر ليحكموا على البيت، فاستدعى حسان بن ثابت، شاعر الرسول ﷺ، الذي قال: "يا أمير المؤمنين، هذا ليس هجاءً فحسب، بل هو أشد من الهجاء!"، ثم جاء لبيد بن ربيعة ليؤكّد الحكم نفسه، مما دفع الخليفة عمر إلى اتخاذ قرارٍ حازمٍ بوضع الحطيئة في السجن.
لكن الحطيئة لم يكن ليرضخ بسهولة، بل لجأ إلى سلاحه الوحيد والأكثر فتكاً: الشعر. ومن أعماق السجن، نظم أبياتاً مفعمة بالتوسل والاستعطاف، أرسلها إلى الفاروق، جاء فيها:
"ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ
زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ
فاغفِرْ عليك سلامُ اللهِ يا عمرُ"
لم يستطع عمر بن الخطاب أن يقاوم هذا النداء الإنساني، فبكى حتى بلّت دموعه لحيته، لكنه لم يكن ليسمح للحطيئة بالخروج بلا قيدٍ أو شرطٍ، إذ كان يعلم أن لسانه لا يعرف التوقف عن الهجاء. وهنا جاء الحل العبقري الذي لم يسبقه إليه أحدٌ، إذ قال: "أشيروا عليّ في هذا الرجل، إنه يهجو الناس بلا رادعٍ، ولا أرى إلا أن أقطع لسانه!"، لكن القوم توسطوا له، فقرّر عمر شراء لسان الحطيئة بثلاثة آلاف درهم، على أن يكف عن التعرُّض للناس بالهجاء.
ورغم هذا العهد، إلا أن الحطيئة لم يستطع التخلي عن عادته، فظل يهجو حتى نفسه، ولم يترك الحياة إلا بعد أن أوصى بأن يُوضع على ظهر حمار بالمقلوب حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكأن لسانه لم يعرف يوماً معنى الاستسلام!
قصة الحطيئة مع الفاروق ليست مجرد مواجهة بين شاعر وخليفة، بل درس في العدل والحكمة، وفي قدرة الكلمة على بناء السمعة أو هدمها، وكيف أن لساناً واحداً استطاع أن يرعب الرجال ويهدّد الكرامة، حتى اضطر خليفة المسلمين إلى "شرائه" ليوقف سيفه المسموم عن الناس.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.