عرب وعالم / السعودية / عكاظ

وطنٌ يُهاجم أبناؤه لأنه يُنجِز، خيرٌ من وطنٍ يُمدحُ أبناؤه لأنه ينام

في عصرٍ تتصاعد الأصوات الرقمية كالعواصف، يصبح النقد هجوماً، والهجومُ دليلاً.. ولكن على ماذا؟!

ليست المسألة هنا مجرد سيل تعليقاتٍ ساخرة أو «منشوراتٍ نارية»، بل هي إشارةٌ إلى معادلةٍ عميقة:

كلما ارتفعت سهام الهجوم تجاه شخصية ما، خصوصاً على منصات مثل (إكس)، كان ذلك شهادةً غير مباشرة على قيمتها وقدرتها على هزّ الواقع. هذا الهجوم ليس ضجيجاً عابراً، بل هو رد فعلٌ ينمُّ عن خوف الطرف الآخر من تأثيرك، وخوف الأعداء من صدقك. فكيف نقرأ هذه الظاهرة، وما الذي يجعل من الهجوم وساماً يُفتخر به؟

1. الهجوم: شهادةُ الخصم على تأثيرك

عندما تتحول إلى هدفٍ للهجوم، فاعلم أنك لم تعد مجرد «صوتٍ عادي» في الخلفية، بل أصبحت جزءاً من المشهد الذي يُعاد تشكيله.

الهجوم هنا ليس إهانةً تُدارى، بل هو اعترافٌ ضمني بأنك تمسك ببوابة التغيير، أو أنك نجحت في اختراق الحواجز التي وضعها الخصوم لإبقاء الرأي العام في منطقة الراحة.

وحين تُشنّ عليك حملات التشويه أو ما يُسمى بـ(الاغتيال المعنوي)، فذلك لأن كلماتك أصبحت حقائق تُزعجُ أصحاب الأجندات المزيفة.

بل إن الهجوم في هذه الحالة يُشبه «الوسام الوطني» غير المعلن، فأنت لم تُستهدف إلا لأنك اقتربت من كشف زيف المؤامرات، أو لأن وجودك يُذكر الأعداء بأن الوطن ليس أرضاً بلا حراس. وهذا ما تؤكده حملات التنمر الرقمي ضد الشخصيات الفاعلة في المجتمع، مثل المغرد الوطني أو #الصقور_الرقمية_، الذين حوّلوا منصات التواصل إلى ساحات وطنية للدفاع عن القيم.

2. النقد البنّاء مقابل «الاغتيال المعنوي»: كيف نفرق؟

لا يعني هذا أن كل هجومٍ مشروعٌ أو إيجابي، فالنقد البنّاء يختلف جذرياً عن الهدم الممنهج.

الأول يهدف إلى تصحيح المسار، بينما الثاني يسعى لإسكات الصوت، والفارق هنا يكمن في النية والهدف: فحين يكون الهجوم مُركّزاً على الأفكار، مبنيّاً على حججٍ واضحة، فهو نقاشٌ مطلوب.

أما حين يتحول إلى شتائمٍ مجانية، أو تشويهٍ لسمعتك الشخصية دون مبرر، فهذا هو «الاغتيال المعنوي» بعينه، والذي يُستخدم كسلاحٍ لإنهاك الروح المعنوية.

لكن حتى هذا النوع من الهجوم يحمل في طياته رسالةً مهمة: «أنت تؤلمهم». فلو لم تكن كلماتك مؤثرة، وأفعالك ملهمة، ما ضيعوا وقتهم في محاولة إسقاطك.

3. الهجوم كدليل على الاندماج المجتمعي: أنت جزء من اللعبة

الغريب في ظاهرة الهجوم أنها تكشف أيضاً عن درجة اندماجك مع الجمهور. فالشخصيات التي تبقى في «منطقة الرمادي»، التي لا تُغضب ولا تُفرح، نادراً ما تُذكر.

بينما أولئك الذين يدفعون الناس إلى التفكير، أو يثيرون الجدل حول قضايا مصيرية، يصبحون تلقائياً في مرمى النيران.

وهذا ما يُفسر سبب هجوم الأعداء على المشاريع الوطنية الطموحة: لأنها تدفع المجتمع إلى الأمام، وتكسر حاجز الخوف من التغيير.

إن وجودك تحت الأضواء، رغم صعوبته، هو دليل على أنك تقف في مقدمة المسرح، حيث تُصنع الأفكار وتُحارب المعارك الثقافية.

4. «النكرنة» أو الاختفاء: لماذا يُعتبر التهميش أسوأ من الهجوم؟

في المقابل، يُعتبر الصمتُ حولك، أو ما يُسمى «النكرنة»، إشارةً خطيرة.

فأنت إما أن تكون مؤثراً فتُهاجم، أو غير مهمٍ فتُتجاهل.

وهذا ما يفسر ظاهرة «الموتى الأحياء» في العالم الرقمي، أولئك الذين يملكون الآلاف من المتابعين، لكن منشوراتهم لا تثير حتى مجرد «إعجاب»، هؤلاء ليسوا أعداءً ولا أصدقاء، بل ظلالٌ بلا تأثير.

لذا، حين تُحاصر بالهجوم، تذكّر أنك نجحت في اختراق حاجز التهميش، وأصبحت جزءاً من المعادلة التي تُحسب حساباً.

وما يُقلق أعداء الوطن أن شخصاً واحِداً بإمكانه تحريك الجماهير، أو فضح أكاذيبهم عبر تغريدة أو مساحةٍ صوتيةٍ.

5. الهجوم وسامٌ.. فكيف نتعامل معه؟

لكن كيف تتحول الهجمات إلى مصدر قوة؟ الجواب في ثلاث نقاط:

- أولاً: التفريق بين الهجوم على «الفكرة» والهجوم على «الهوية». فالأول فرصةٌ لتعميق الحجة، والثاني اختبارٌ لصلابة الروح.

- ثانياً: توثيق الهجمات وتحليلها.

فكل إساءةٍ هي دليلٌ يُضاف إلى ملفات محاولات النيل من الوطن.

- ثالثاً: تحويل الهجوم إلى حوار كما فعلت مبادرات المغرد الوطني السعودي، التي حوّلت ساحة التغريد إلى منبرٍ للفخر الوطني.

القمةُ ليست مكاناً للراحة

تذكّر أن القيادة الحقيقية ليست منبراً للزهو، بل موقعٌ للعاصفة.

كل هجومٍ عليك هو تأكيدٌ أنك تصعدُ الجبل الصحيح، فالقمة لا يصل إليها إلا من تحمل عبء الوصول.

فليكن هجومُ الخصوم دليلك إلى أنك في الطريق الصحيح.

وطنٌ يُهاجم أبناؤه لأنه يُنجز، خيرٌ من وطنٍ يُمدح أبناؤه لأنه ينام.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا