09 أبريل 2025, 5:00 مساءً
تحولات كبرى لامست مخرجات القطاع غير الربحي منذ أن صدر نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالمرسوم الملكي رقم (م/8) في 19/2/1437هـ الذي يستهدف تنظيم العمل الأهلي وتطويره وحمايته وتعظيم أثر مساهمته في التنمية الوطنية، وهو الأمر الذي أثبته منهج المسح الشامل لمنظومة البرامج المتكاملة التي تقدمها منظمات هذا القطاع الواعد في كافة مجالات الرعاية والتنمية الاجتماعية، ومبادراتها التي انطلقت بوتيرة متسارعة لتمكين المسؤولية الاجتماعية وتعزيز البناء المجتمعي، والانتقال من مفهوم الأدوار الرعوية الى وضع وتنفيذ البرامج (التمكينية) وفق سياسات استراتيجية انتقلت بهذه المنظمات لتصبح رافداً من روافد التنمية المستدامة والشاملة، وأحد مصادر رأس المال الاجتماعي، وأبرز معززات الأمن التنموي.
وقد تبلورت فاعلية هذا القطاع منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 التي حرصت على النهوض بمساهمة هذا القطاع في سد حاجات المجتمع، وتفعيل دوره في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية بما يرفع قيمة مساهمته في الناتج المحلي، ويساهم في زيادة عدد منظماته وعدد المتطوعين فيه، انطلاقاً من محور الرؤية: (وطن طموح)، الذي يركز على تعزيز المسؤولية الاجتماعية، وتعظيم أثر القطاع في مسارات التنمية خاصة في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي، في ظل ما يوفره من فرص للعمل وما يهيئه من بيئة ملائمة للعاملين في الخدمات الاجتماعية.
القطاع غير الربحي وأهداف الرؤية
يسهم القطاع غير الربحي في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 المرتبطة بتعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية، وتمكين حياة عامرة وصحية، وتنمية وتنويع الاقتصاد، وزيادة معدلات التوظيف، وتمكين المسؤولية الاجتماعية، في ظل التزامات الرؤية تجاه القطاع التي برز من بينها: تسهيل تأسيس منظماته، وتحفيزه على تحقيق معايير الحوكمة الرشيدة، والتحول نحو المؤسسية، وتهيئة البيئة التقنية المساندة، وتعزيز التعاون بين منظماته والقطاع الحكومي، وتسهيل استقطاب الكفاءات وبناء قدراتها، وغرس ثقافة التطوع لدى المجتمع، وهو الأمر الذي يتواكب مع الإصلاحات التنظيمية التي تصب في صميم التحول الذي نشهده لبناء مستقبل مزدهر يعزز من مشاركة المملكة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
ووفق تقرير مؤسسة الملك خالد: "آفاق القطاع غير الربحي 2025"، تجاوزت مساهمات القطاع الاقتصادية سقف 100 مليار ريال، وهي ما تعادل 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد استشرف التقرير استمرار نمو القطاع ليحقق مستهدف رؤية المملكة 2030 قبل موعده بعامين بالوصول الى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، في ظل ارتفاع معدلات ثقة المواطنين بالقطاع لتصل الى 86%.
صورة نمطية!
ورغم الجهود النوعية التي يقدمها القطاع لحل العديد من القضايا المجتمعية وتعزيز مسارات التنمية وتعظيم أثر خدماته المجتمعية، إلا أن الصورة النمطية التي تكرس مفهوم (الرعوية) في نشاطاته ما زالت حاضرة في وعي بعض فئات المجتمع، ممن يظنون أن هذا القطاع ليس إلا مقراً لاستقبال التبرعات أو بنكاً لتقديم الإعانات للمحتاجين!، أو أنه يمتلك حلولاً سحرية تلبي جميع الاحتياجات.. في الوقت الذي أضحت منظمات هذا القطاع كيانات اقتصادية فاعلة ولاعباً رئيساً في المعادلة التنموية، تتوجه بجهودها للاستثمار الاجتماعي الذي يحقق عائداً ملموساً ويترك أثره المستدام في معادلة التنمية الشاملة، بما يعزز حجم مساهمات القطاع في منظومة الاقتصاد الوطني. ودوره في دفع عجلة النمو والازدهار.
كيانات اقتصادية فاعلة
يقول معالي رئيس مجلس إدارة جمعية البر بجدة د. سهيل بن حسن قاضي: "يمثل القطاع غير الربحي وجهاً مشرقاً لمسارات التنمية من خلال منظومة خدماته واستثماراته التي تلامس حاجات المجتمع، والتي جعلت من تلك المنظمات كيانات اقتصادية فاعلة تؤدي أدواراً محورية بالتعاون مع باقي القطاعات وخاصة قطاع الأعمال، فإذا كانت المنظمات الربحية بمخرجاتها ومشاريعها تلعب أدواراً بارزة في دعم الاقتصاد الوطني، فان منظمات القطاع غير الربحي تؤدي أدواراً نوعية في هذا الاتجاه من خلال خدماتها الاجتماعية". ويضيف الدكتور قاضي: "نستغرب أحياناً من الفهم القاصر لدى البعض حين يظن أن الجمعيات الأهلية مثلاً -وهي جزء أصيل من القطاع غير الربحي- هي مجرد قطاع استنزافي يقوم بأخذ الدعم وإنفاقه على المستفيدين، بينما الواقع يؤكد أن هذه الجمعيات تساهم في مساعدة الشركات والمؤسسات على الاضطلاع بمسؤولياتها الاجتماعية، حيث تقوم بدور الوسيط الذي ينقل الدعم والمساعدات ويضعها في اتجاهها الصحيح الذي يساهم في تعزيز التنمية من خلال تمكين المستفيدين، أو تنفيذ المشاريع التي تحمل عائداً اجتماعياً ذا قيمة تنموية عليا".
ودعا د. قاضي في ختام حديثه الى ضرورة عقد ورش عمل تشارك فيها الغرف التجارية إلى جانب المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي إضافة الى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتنظيم العلاقة بين قطاع الاعمال والقطاع غير الربحي وإبراز أهمية دعم التكامل بينهما، خاصة وأن القطاع الخاص يمكن أن يوسع من نطاق جمهوره المستهدف من خلال أداء أدواره الاجتماعية بالتعاون مع منظمات القطاع غير الربحي، بالتزامن مع تسليط الضوء الإعلامي على مجالات التعاون بينهما في خدمة المجتمع.
إلزامية أداء المسؤولية الاجتماعية
من جانبه يؤكد الرئيس التنفيذي لجمعية البر بجدة م. محي الدين حكمي فاعلية دعم هذا القطاع الحيوي، وإثراء أدواره الاجتماعية من خلال قيام الشركات والمؤسسات بمسؤولياتها المجتمعية التي تمثل منظمات القطاع غير الربحي حجر الرحى في تنفيذها، فهو قطاع يساند قطاع الأعمال وينوب عنه في تقديم الخدمات المجتمعية، ويعزز الوجه المشرق لتلك الشركات التي تؤدي أدوارها المجتمعية، خاصة وأن منظمات هذا القطاع أصبحت ركناً أصيلاً في المسيرة التنموية تعمل على تحقيق طموحات رؤية 2030 باعتبارها كيانات اقتصادية غير ربحية، وهي تتميز بتطبيق معايير الحوكمة، تحت إشراف المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، كما تحرص على تحقيق الجودة والتميز من خلال تطوير كوادرها البشرية، وتحفيزهم على الابتكار، وتحسين بيئة العمل فيها، بما يدعم أدوارها في خدمة المجتمع.
وأضاف الحكمي: "ولعلي هنا أعيد التذكير بأن أداء المسؤولية الاجتماعية هو واجب ديني وأخلاقي، ويمثل في المجتمعات الغربية أحد المؤشرات التي تُعلي من شأن الشركات وتمنحها الأحقية في الحصول على المناقصات والتسهيلات الحكومية، فكما أن قطاع الأعمال يحقق أرباحاً كبرى من مشاريعه فإنه يتعين عليه تقديم المزيد من الخدمات المجتمعية البناءة".
وقال م. الحكمي: "ورغم أن هناك العديد من الشركات التي تتعاون مع القطاع غير الربحي في خدماتها الاجتماعية إلا أننا ما زلنا بحاجة لنشر المزيد عن ثقافة العمل الاجتماعي، ودور القطاع غير الربحي في تلبية احتياجات المجتمع، وأنه يمثل الوجه الآخر المكمل للقطاع الخاص حيث يسهم في إعلاء قيمة جهوده وأدواره المجتمعية"، مضيفاً: "وحتى يأتي اليوم الذي تبحث فيه مؤسسات القطاع الخاص عن منظمات القطاع غير الربحي وتستهدفها لتنفيذ خدماتها المجتمعية، لا بد من إلزامية أداء المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات القطاع الخاص أسوة بالمجتمعات الأخرى في الدول المتقدمة، حيث نرى مثلاً تميز الكثير من جامعاتها التي تعتمد على التشغيل الذاتي من خلال مساندة القطاع الخاص من جهة عبر أداء واجباته في المسؤولية الاجتماعية، ومن خلال مشاريعها الوقفية والاستثمارية".
وبيّن الحكمي أن جمعية البر بجدة عملت على تحقيق الاستدامة المالية من خلال عدد من المشاريع والبرامج، بما يضمن ديمومة تقديم خدماتها المجتمعية، وما زلنا بحاجة لنقل هذا المفهوم الى قطاع الأعمال حتى يبادر لدعم مثل هذه المشاريع التنموية البناءة". وخلص الرئيس التنفيذي للجمعية إلى القول: "إن الجمعيات الأهلية حين تقدم خدماتها المجتمعية فإنها تساعد قطاع الأعمال والداعمين، حيث تنوب عنهم في تنفيذ واجباتهم المجتمعية، وليس كما يعتقد البعض بأنها تستنزف أموال الداعمين، بل هي تنمّي هذه المساعدات من خلال تنفيذ المشاريع الداعمة لبرامجها التي تحقق عائداً مجتمعياً مستداماً".
مبادرة مشاريع الإسناد الحكومي
إن النجاح الملحوظ الذي حققه القطاع غير الربحي في مشاريع الإسناد الحكومي التي شملت 120 مجالاً والتي وصلت قيمة تكاليف العقود المسندة إليه من خلالها إلى ٧ مليارات ريال خلال الفترة من (2018-2024م)، يؤكد قوة وفاعلية هذا القطاع الواعد في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، متواكباً مع الإطار العام الذي رسمته برامج رؤية المملكة الأحد عشر، مما جعله يحمل قصب السبق التنموي، مستفيداً من خارطة الطريق التي وضعتها الرؤية للوصول إلى تحقيق أهدافه.
لقد جسّدت مبادرة الإسناد الحكومي التي أطلقها برنامج التحول الوطني ويشرف عليها المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، جسّدت هذه المبادرة فاعلية رفع كفاءة الإنفاق وتقليل التكاليف، وتحجيم المخاطر وزيادة فاعلية إسهام المنظمات غير الربحية في تنمية المجتمع بما يساهم في تعزيز استدامة منظمات هذا القطاع الحيوي وتطوير بيئة العمل فيها وتحسين صورتها الذهنية، إلى جانب إثراء فاعلية العمل التطوعي وزيادة أعداد المتطوعين.
تحديات وعقبات
وأمام هذا المشهد التنموي والدور الريادي للكثير من منظمات هذا القطاع.. فإن الأمر يستدعي تكاتف الجهود لدعم طموحات القطاع ومساندته لمواجهة التحديات والعقبات التي تعرقل جهود بعض منظماته، والتي يبرز من بينها تحديات الاستدامة في الموارد المالية، خاصة تلك الجمعيات التي تعمل في القرى والمناطق النائية، والتي تساهم -ولو بقدرٍ- في تعزيز فاعلية المجتمعات المحلية والارتقاء بأنماطها المعيشية.
"بر جدة" نموذجاً
تمثل الجهود التنموية التي تقدمها جمعية البر بجدة نموذجاً للحلول التي تعزز الريادة في صناعة الأثر الاجتماعي المستدام. حيث تعمل الجمعية التي تأسست عام 1402هـ في مجال الخدمات الاجتماعية التنموية، وتركز على خدمة الأسر والأيتام ومرضى الفشل الكلوي، مستهدفة تعظيم الأثر المجتمعي لخدماتها بما يحقق جودة الحياة ويرتقي بالأنماط المعيشية، ويعزز الصحة العامة، ويساهم في تمكين الفئات المستفيدة، مع العمل على تحقيق الاستدامة وتقديم حلول ابتكارية لأبرز القضايا المجتمعية، وتوفير منظومة إلكترونية تستفيد من التحول الرقمي لتيسير بيئة الأعمال وتعظيم أثر القطاع وفق رؤية المملكة 2030.
لقد قدمت جمعية البر بجدة الى جانب العديد من الجمعيات والمؤسسات الأهلية نماذج مشرقة تعكس فاعلية هذا القطاع وأدواره الحيوية في تحفيز أبناء المجتمع ليثروا بِطاقاتهم وعطاءاتهم مسيرة النمو ويساهموا في تحقيق طموحات الوطن وبناء مستقبله المزدهر.
وهو ما يؤكد أن القطاع غير الربحي لم يعد قطاعاً استهلاكياً بل قطاعاً إنتاجياً واعداً، يساهم بقدر كبير في رسم المعادلات التنموية و"بناء الإنسان وتنمية المكان"، وهو ما يستدعي تكثيف الجهود لتعديل الصورة الذهنية العالقة في أذهان البعض حوله، والعمل على إعلاء قيمته وإبراز أدواره، وتعزيز الوعي بأهمية تمكين المسؤولية الاجتماعية في قطاع الأعمال، بكل ما تحمله من قيم أخلاقية عليا.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.