عرب وعالم / السعودية / عكاظ

الغريق لا يخشى البلل!

خلال الكثير من الصراعات التي تندلع على مستوى الدول كثيراً ما تساور الطرف الأقوى الرغبة في تدمير الطرف الآخر تدميراً كلياً من خلال تجريده من جميع أسلحته، وغالباً ما تؤثر شخصية الزعماء في سيرورة الأحداث وانفجار الصراعات أو تحجيمها، فبعض القادة يتصفون بالعدوانية ويديرون نزاعاتهم بالكثير من التهور والرغبة في التدمير، وخلال أي نزاع يكون الهدف الوحيد الماثل أمامهم هو القضاء على خصومهم كليةً بل ومحوهم من الوجود.

كثيرة هي الصراعات التي عمّت سطح الكرة الأرضية على مدار التاريخ البشري، وباستعراض الكثير منها نجد أن بعض القادة والزعماء تجردوا من كافة القيم الإنسانية، وتفننوا في استخدام كافة الوسائل -حتى تلك غير الأخلاقية منها- لهزيمة الطرف الآخر والإضرار والتنكيل به، ومن الملاحظ أن بعض السياسيين يتصفون بالسادية، ولا شك أن السادية مرض نفسي بالغ السوء يضر كافة الأطراف، فالسادي هو شخص يستمتع بإيذاء الآخرين ويتلذذ بمعاناتهم، وكلما زادت معاناة الضحية زادت الرغبة في تدميره تماماً.

لعل السمات الشخصية للزعماء هي من تحدد مدى قوة وطول الفترة التي يستغرقها الصراع، فكلما اتصف الزعماء بالهدوء والحكمة والصبر كلما انخفض معدل الصراعات التي تخوضها الدولة، وجنحت أكثر للسلم، والعكس صحيح أيضاً، فالزعماء الذين يتصفون بالتهور، يميلون لرفض التصالح وينبذون الحلول السلمية، لذا تدخل دولهم في صراعات شتى ولمدد زمنية طويلة، يتم خلالها تدمير الأخضر واليابس وتعيش شعوبهم مآسي تليها مآسٍ على العديد من الأصعدة.

وخلال الصراعات ولاسيما الطويل منها والمعقد، يجد دوما الطرف الأضعف نفسه بين خيارين؛ إما أن يستسلم أو أن يقاوم لآخر رمق، فالاستسلام يعني الهزيمة الحتمية، أما المقاومة فقد تجد لها سبيلاً للنجاح، والمقاومون في ظروف مأساوية يتسمون بالبأس والشجاعة، فالواقع السيئ الذي يعيشونه لا يطرح أمامهم الكثير من الخيارات، ولذا ينطبق عليهم قول المتنبي: أنا الغريق فما خوفي من البلل؟! ففي الكثير من الصراعات نجد أن الأطراف الأضعف الموشكة على الهزيمة تستميت في القتال، فهو ملاذها ووجهتها الأخيرة، وهو كل ما تملكه لتَبقى لبعض الوقت على قيد الحياة، فقد تمكّنهم المقاومة من الحصول على بعض حقوقهم بدلاً من الاستسلام وخسارة كل شيء.

ولو استعرضنا بعض الوقائع التاريخية فسنجد أن الحق ينتصر في نهاية المطاف وأن الطرف الأقوى ينهزم لا محالة بعد أن يتملكه الغرور، فقد كمنت نهاية هؤلاء المتعجرفين في هذا الغرور القاتل، وقد علّمنا التاريخ أنه عند اندلاع صراع ما بين طرفين يكون الحق لدى أحدهما، ويسعى الطرف الآخر لسلب هذا الطرف حقه والتطاول عليه، فإن صاحب الحق لا يملك وقتها سوى الرهان على ما تبقى له من أنفاس ليخوض حرباً ليس أمامه فيها سوى الاستبسال قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، فإن قاوم فقد يحظى بفرصة للنجاة.

لعقود طويلة ومنذ تأسيس الكيان الإسرائيلي كانت المقاومة الفلسطينية -بكافة فصائلها- تدرك بوضوح أنها الطرف الأضعف في المعادلة العسكرية، غير أنها الطرف الذي يملك الحق، ولهذا السبب استمر الصراع عقودًا وقد يستمر لعقود أخرى قادمة لا يعلم أمدها سوى الله، وكل ما زادت المقاومة الفلسطينية كلما استخدمت إسرائيل كل ما لديها من وسائل عسكرية وسياسية لهزيمة الفلسطينيين، ولذلك فليس أمام المقاومة الفلسطينية سوى خيارين: إما المقاومة وإما الاستسلام، والاستسلام مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه يعني ضياع الحق.

من الجلي أنه ليس أمام كافة فصائل المقاومة الفلسطينية سوى المقاومة، وإسرائيل من جانبها تستخدم لغة القوة وتفجر في خصومتها، وهو ما يرشح الصراع بينها وبين الفلسطينيين للاستمرار على نحو لا تبدو له نهاية في القريب العاجل، غير أن كل من التاريخ والواقع يخبرنا أن الإفراط في استخدام القوة لا يحقق أي نتائج إيجابية ولا يحسم أي صراع، فالقوة لا تدوم لأنها عنصر متغيّر بتغيّر الظروف، أما الحق فهو ثابت لا يتغيّر مهما تغيّرت الظروف أو الأشخاص.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا