عرب وعالم / السعودية / صحيفة سبق الإلكترونية

تأثير الطنين

تم النشر في: 

06 أكتوبر 2025, 7:27 مساءً

في طفولتي، كان في بيتنا ساعة حائط خشبية، عقاربها تتحرك ببطء، وكل ساعة تطلق ًا هادئًا يشبه همسًا في أذن الزمن. في الأيام الأولى كنت ألتفت عند كل دقة، ثم شيئًا فشيئًا أصبح الصوت جزءًا من حياتي اليومية، يذكرني بالوقت دون أن يصرخ في وجهي. ذلك الصوت كان يملك سرًّا عجيبًا؛ كان ثابتًا، لكنه لا يثقل على الروح. وهذا هو جوهر التكرار الذكي في رسائلنا أن نحضر دائمًا، لكن برفق.

كثيرون يظنون أن التكرار يعني الإلحاح أو الإزعاج، بينما هو في الحقيقة يشبه الموجة التي تعود كل مرة بلطف لتلمس الشاطئ نفسه. الرسائل العاطفية، سواء في الحياة أو في عالم التواصل، تحتاج أن تمر من قلب المتلقي أكثر من مرة قبل أن تستقر. ليس لأن الناس لا يفهمون من المرة الأولى، بل لأن الحياة مزدحمة بما يكفي لتجعل حتى أجمل الرسائل تتوارى في الخلفية إن لم نعيد إضاءتها من حين لآخر.

أتذكر رجلًا في أحد الشوارع يبيع الورود، لم يكن ينادي بأعلى صوته مثل باقي الباعة، كان يكتفي بابتسامة هادئة وكلمة واحدة يكررها لكل عابر: “الورد يفرّح قلبك” كنت أمر بجواره دون أن أشتري، لكني كنت أسمعه في أذني كل مرة، و بعد عدة نداءات منه، وجدت نفسي أمد يدي لآخذ منه وردة. لم يكن يحاصرني بصوته، بل كان يزرع رسالته في داخلي شيئًا فشيئًا، حتى أزهرت.

التكرار الذكي لا يقوم على نسخ الجملة نفسها مرة بعد أخرى، بل على تقديم الفكرة بروح جديدة في كل مرة، كما لو كنت تعزف اللحن نفسه لكن بنغمة مختلفة. مرة عبر قصة، مرة عبر صورة، مرة عبر مشهد صغير تتركه في ذهن المستمع. المهم أن تبقى الرسالة نفسها، لكن الثوب الذي ترتديه يتغير حتى لا يشعر الآخر بالملل. و هي ما تسمى غالبا بـ ( الرسالة الاتصالية ).

نظرية في الاتصال تقول : ما تكرر تقرر ، و أيضا في المثل الشعبي الذي حفظناها صغارا ( التكرار يعلم الشطار ) ، و خير من ذلك أن النبي ﷺ إذا سلم سلّم ثلاثاً، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تُفهم عنه.” لذا أتذكر حملة تبرع كانت تصلني رسائلها على مدى أشهر، في البداية تجاهلتها، ثم جاءت رسالة ثالثة تحكي عن طفل وجد مقعدًا في المدرسة بفضل التبرعات، فشعرت أنني أريد أن أكون جزءًا من هذا الخير. لم أستجب لأن الرسالة كانت كثيرة، بل لأنها كانت مستمرة، حاضرة، تتغير وتتنفس حتى وجدت اللحظة التي تلامس قلبي، مع وجودها أصلا كصورة ذهنية في اللاواعي.

همست باستمرار و قلت : في ، التكرار الذكي يشبه الطنين الدافئ، موجود دائمًا لكنه لا يخترق الأذن بل يلتف حول القلب. هو أن تكون مثل ساعة بيتنا، يسمعك الناس حتى لو توقفوا عن الالتفات إليك، لأنك أصبحت جزءًا من إيقاع حياتهم. الرسالة التي تتكرر بحب، تظل تنتظر لحظة مناسبة لتُفتح لها الأبواب . وعندما تأتي تلك اللحظة، ستكتشف أن التكرار لم يكن إزعاجًا أبدًا، بل كان وعدًا ظل وفيًا حتى النهاية.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا