الارشيف / عقارات / متر مربع

عبد الفتاح الجبالي يناقش : لكل مشكلة

مقال قديم يعكس النقاش الحالى
لكل مشكلة. !!

عبد الفتاح الجبالي

يدور في الآونة الحالية الحديث عن الحكومة الجديدة، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن معايير تكوين الوزارت فى . وبعبارة اخرى الى اى مدى يأتي أنشاء وزارة تعبيرا عن حاجة مجتمعية أساسية ويعكس رؤية او فلسفة تنموية معينة؟

 

وهنا تجدر بنا الاشارة الى ان الحكومة المصرية الحالية تعد من أكبر حكومات العالم حجما حيث يصل عددها الى 36 وزيرا وهي الأكثر عددا في تاريخ الوزارات المصرية منذ نشأتها وحتى .

واصبح الهيكل الادارى للدولة يتكون من 36 وزارة و29 محافظة ونحو 186 هيئة خدمية و59 هيئة اقتصادية بالإضافة الى مجموعة كبيرة من الشركات العامة وشركات قطاع الاعمال والشركات القابضة النوعية، وهكذا فالوزير الواحد يتبعه عدد من الهيئات الخدمية ومجموعة من الهيئات الاقتصادية وبعض الشركات العامة، وربما المشتركة،

 

فعلى سبيل المثال فان وزارة النقل تخضع لها مديريات الطرق بالمحافظات وهيئة النقل البرى والنقل البحري وهيئة السكك الحديدية ومترو الانفاق وغيرهم، ووزارة اقطاع الاعمال تتبعها 9 شركات قابضة وهي تتبعها 142شركة تابعة كل منها لها قوانين وآليات منظمة للعمل بها تختلف فيما بعضها البعض بل وتتعارض احيانا،

 

ووزارة الثقافة يتبعها نحو 21 جهة وجهاز فضلا عن وزارة الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية التى يتبعها نحو 38 جهة وهيئة بالإضافة الى شركة المقاولون العرب، وهكذا فكل وزير منوط به الاشراف على عدد لاباس به من هذه الكيانات، الامر الذى يجعله يقضى معظم الوقت فى الاعمال الادارية والروتينية ولا يلتفت كثيرا لصنع السياسات العامة فى وزارته.

 

وهنا يصبح التساؤل هل بالوزارات وحدها تحل المشكلات؟ وهل هناك حجم أمثل للحكومة؟ وما هى معايير تحديد هذا الحجم؟ ان ما يدفعنا لهذه التساؤلات هو المنهج الحكومي المتبع حاليا حيث انها تقوم بأنشاء وزارة كلما برزت على السطح مشكلة ما، رغم وجود جهات معنية بهذه المشكلة فكلما ظهرت مشكلة تم البحث مباشرة عن تكوين وزارة للتصدى لها،

وهو منهج خاطئ تماما، ويؤدى الى نتائج عكسية تماما ويعكس الفلسفة التنموية القديمة التى كانت سائدة بالبلاد خلال الحقب الماضية حيث قامت الدولة لعقود طويلة بدور الفاعل الأساسي-والوحيد أحياناً-فى المجتمع، وظلت ولمدى طويل، المقدم الأساسي للخدمات والسلع والمسئول الأول بالتبعية عن التوظيف.

 

وتوسعت فى التقسيمات الحكومية لتضم بجانب السلطات المركزية والمحلية هيئات عامة (خدمية واقتصادية) تقدم من خلالها الخدمات للجمهور، ولهذا تضخم حجم الجهاز الإداري للدولة بصورة كبيرة خلال الفترة السابقة الامر الذي ادى الى التوسع فى الهياكل التنظيمية واستحداث العديد من التقسيمات والمستويات الوظيفية دون الحاجة إليها مما أدى الى تضخمه ومركزيته الشديدة وتعدد الإجراءات، والاهم من ذلك المزيد من الاعباء على الموازنة العامة للدولة لتشكيل هذه الوزارات الجديدة وما يتبعها من نفقات تشغيل وغيرها،

 

 

هذا فضلا عن تدنى مستوى الخدمات العامة وارتفاع تكلفتها ، من حيث الوقت المستغرق فى إنجازها أو الأعباء المالية الإضافية ، خاصة مع طول وتعقد الإجراءات والتداخل بين المهام والمسئوليات وكلها أمور أدت الى عدم رضاء المواطنين عن نوعية وأسلوب تقديم هذه الخدمات.بالاضافة الى ألإسراف فى الاعتماد على القوانين والقرارات السيادية فى تنظيم الأعمال وفرضت سلسلة من القوانين والقرارات والإجراءات التي لم تحقق سرعة الأداء وأرست مجموعة من التشابكات بين أنشطة الوزارات والأجهزة،

وغالت فى طلب الضمانات المسبقة لإثبات النوايا الحسنة للمتعاملين مع الجهاز الحكومي. وغلبة المفاهيم القانونية الشكلية والإجرائية على نظم الخدمة المدنية والوظائف العمومية مما اعاق من إمكانيات الاستفادة بطاقات الموارد البشرية، ورغم التطور الهائل الذى حدث فى نظم إدارة الموارد البشرية فى العالم إلا أن هذه النظم بقيت فى مصر أسيرة للفكر والمفاهيم الجامدة لإدارة شئون الأفراد التى تعتمد على النصوص واللوائح، وتوحد تطبيقها عبر منظمات الجهاز الحكومي المركزي والمحلى.

 

كل هذه الأمور وغيرها توضح لنا بما لا يدع مجالا للشك مدى خطورة وتداعيات هذا المنهج السائد حاليا خاصة وان آثاره لا تتوقف على الصعيد الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل كافة جوانب المجتمع سياسيا واجتماعيا وحضاريا وتحتاج هذه المسألة إلي مناقشة وبالتالي وضع الحلول المناسبة لها.

 

حيث أن الوضع المؤسسي الحاكم لصنع السياسة في مصر، معقد للغاية ويُعاني من الازدواجية وأحياناً التناقض بين القوانين وبعضها البعض. كما أن التشكيل الوزاري، بوضعه الحالي، كبير ومنقسم بشدة، بصورة لا تمكنه من تحقيق الأهداف المنوطة به، وخير دليل على ذلك أن قطاع مقسم بين وزارتي البترول والكهرباء وكذلك التجارة موزّعة بين تجارة داخلية وأخرى خارجية،

 

وينطبق نفس القول على التعليم الذي ينقسم بدوره إلى وزارت عديدة هى التعليم والتعليم العالي والتعليم الفني والأزهري. إلخ، وكلها امور تؤدى الى تشتت القرار وغياب الرؤية الصحيحة للمشكلات الراهنة وتعوق الجهاز الادارى من تحقيق الاهداف المنوطة منه ومن ثم فان أي جهود تبذل لتطوير هذا الجهاز تنعكس بالإيجاب مباشرة على أوضاع المواطنين والمجتمع ككل.

 

وذلك لان تطوير الإدارة العامة يسهم فى رفع معدلات التنمية ومن ثم تحسين مستويات الدخول والمساهمة فى محاربة الفقر، وكذا يسهم فى تفعيل حرية الإرادة السياسية للمجتمع واحترامها ونفاذ سلطة القانون وتحقيق الشفافية وما يستتبعها من مكاشفة ومحاسبة وتقويم وتصحيح مسار.

 

من هذا المُنطلق، نقترح ضرورة النظر فى عدد الوزارات الحالية، بحيث يتراوح بين 20 و25 وزارة على الاكثر على ان يتم الاعتماد على الاليات الاخرى مثل الهيئات العامة الاقتصادية والخدمية والمجالس العليا، ومنحها السلطات اللازمة لأداء المهام المنوطة منه،

 

فمثلا يمكن نقل شركات قطاع الاعمال الى وزارة الصناعة التى بدورها عليها ان تتخلص من عبء التجارة لتنشا وزارة موحدة للتجارة الداخلية والخارجية معا، وتترك المشروعات الصغيرة للجهاز الموكلة اليه هذه المهمة اصلا،

 

كما ينبغى التفكير فى دمج بعض الوزارات مع أخرى حيث نقترح ضم وزارة التعاون الدولي إلى الخارجية وكذلك ضم وزارتي الثقافة والاثار، ويتم تجميع وزارات التربية والتعليم والتعليم الفنى والتعليم العالى فى وزارة واحدة للتعليم، خاصة فى ظل وجود المجلس الاعلى للجامعات المنوط به تنظيم المسائل الاجرايئة المتعلقة بالتعليم العالى وغيرها من الاجراءات التى يمكن ان تساعد فى تحسين آليات صنع القرار بالمجتمع، والأُطُر المؤسسية المنظمة له،

 

وبالتالي تعزيز المشاركة في كيفية إدارة البلاد، وإخضاع الحكومة للمساءلة والمحاسبة. وبعبارة اخرى فالأمر لا يقتصر على مجرد أنشاء وزارة معينة لمشكلة محددة واجراء بعض التحسينات فى مؤسسات الدولة، رغم أهميتها وضرورتها، ولكن الامور اعقد من ذلك اذ ان الخبرة المصرية توضح لنا ان كافة عمليات الاصلاح التي تمت من قبل قد اتسمت بالجزئية وعدم الاستمرارية والتغيير المستمر، ناهيك عن التردد في اتخاذ القرار المناسب في التوقيت الصحيح،

 

كل هذا ادى الى عدم استكمال الإصلاح المؤسسي مع ما يترتب على ذلك من مشكلات وزيادة التربح الاقتصادي من جانب البعض من النخبة الحاكمة واضعاف مساندة الشعب لأى اصلاحات. وبالتالي يصبح من الضروري وضع تصور شامل للإصلاح يأخذ بعين الاعتبار هذه الأمور جميعا.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا