نبيل عمر
اللائحة وسنينها السوداء!
للكاتب الفرنسي جريجوار دولاكور رواية ذائعة الصيت باسم “لائحة رغباتي”، احتلت قائمة الأكثر مبيعا لشهور في عام 2012، رواية مثيرة مسكونة بشخصيات مؤثرة، تدعونا لإعادة النظر في لائحة رغباتنا، ولا أظن أن المؤلف تصور لحظة أن كلمة “اللائحة” ستكون أكثر الكلمات ذيوعا وانتشارا على ألسنة المجتمع المصري لما يقرب من ثلاثة أسابيع أو يزيد،
واللائحة التي أقصدها هنا هي لائحة مسابقة دوري النيل لعام 2024/ 2025، المكتوبة في تسعة فصول و64 مادة، على 49 صفحة فولسكاب، وممهورة بتوقعين، على اليمين: طه زكي مدير إدارة المسابقات، وعلى اليسار: أحمد دياب رئيس رابطة الأندية المحترفة.
الجميع يتحدث، صغارا وكبارا، متعلمين وجهلة، رياضيين ومشجعين، مسؤولين وعاديين، إعلاميين محترفين ونشطاء هواة، هوجة ولا هوجة عرابي، أو عركة من خناقات الفتوات في روايات نجيب محفوظ، لو حاول أحد الفضوليين من أمثالي أن يبتعد عن الهوجة والعركة، ويتعرف على المعلومات المجردة في اللائحة، فلن يجد إلا أصوات النبابيت والصراخ وتبادل الاتهامات، أراء وانطباعات ورغبات تنطلق كالصواريخ الموجهة في مختلف الاتجاهات، كلها تشبه سلوكيات بطلة رواية “لائحة رغباتي” التي تريد الاستفادة من اللحظة الراهنة التي كسبت فيها جائزة اليانصيب دون أن تربطها بكل جوانب حياتها.
غالبية أصحاب الهوجة عندهم إجابات قاطعة، ونادرا ما يسأل احدهم سؤالا صحيحا يفتح ثغرة في الصخب إلى إجابة دقيقة، فيتجنب مصادمات دامية من تلك التي تحدث على الطرق السريعة بسبب رعونة السائقين الذين يتعاطون ما يُغيب عقولهم أو يقلل من تركيزهم!
والسؤال الصحيح هو أصل المعرفة وليس الإجابات..
وقبل أيام جلست أمام شاشة قناة رياضية رسمية كانت ذات شنة ورنة في زمن سابق، أشاهد برنامجا ليليا يتحدث عن اللائحة وضرورها الالتزام بها، حرصا على نزاهة المسابقة وعدم مجاملة أي طرف على حساب طرف آخر، ومنعا للفوضى والاستعلاء، وحاولت أن أفهم القضية بعيدا عن القنوات الفئوية ولاعبي كرة القدم ومقدمي البرامج الملونين، فلم يرد على لسان المذيعة بند اللائحة الذي يقال إنه جرى الخروج عليه في مباراة القمة التي لم تلعب، ويجب تطبيقه دون التلاعب به، وهو نفس ما فعله ضيفها المحرر الرياضي الذي ظل يتحدث ويعلو ويشيح بيديه غضبا، لما يقرب من نصف ساعة دون أن يذكر بند اللائحة الذي أهين عمدا، حتى يوثق كلامه أمام المشاهدين، فقط راح يضرب مثلا بتطبيق لائحة العام السابق، دون أن يفسر لنا هل هي نفس لائحة العام الحالي أم تغيرت!
المدهش أن رجل قانون شهير كتب على صفحته بالفيسبوك نقدا لاذعا وجارحا بنفس طريقة المحرر الرياضي، وأهال التراب على رابطة الأندية المحترفة، التي انتهكت شرف لائحتها، دون أن يسوق نصوص المادة 17 التي تنظم (توقيت بداية المباراة وحالات الانسحاب)، ويدلل بها على فساد الرابطة التي انحرفت بالعدالة إلى المشى البطال!
مليون في المئة لا يعنينا أن يعاقب ناد بخصم نقاطه أو ينزل إلى الدرجة الثانية طالما القانون هو السيد، ما يعنينا هو حالة “عقل جمعي” في منافشة قضية رياضية، فالمخطئ يجب أن يعاقب، ولا يصح أن نتسامح معه، خاصة أن الصورة التي نقلت عنا إلى العالم الخارجي شديدة السوء، ولا تليق بنا.
لكن هذا النمط من العقل وحوار الطرشان دون معلومات مجردة يفتح أبوابا أغلقناها في وجه دعاة التطرف الديني وجماعاتهم، وكانت الغوغائية هي الجسر الذي عبر عليه شيوخ التطرف إلى عقول مريديهم، ولا نريد أن يحل محل هؤلاء الشيوخ “غوغائيون” في ثياب رياضية أنيقة وألقاب وظيفية مؤثرة، ويخاطبون عشرات الملايين من جمهور كرة القدم، أغلبهم شباب، حماس وتعصب وانفعالات وزعيق وهتافات وخناقات إذا لزم الأمر، فالعاطفة أكبر من العقل، والانطباع يسبق التفكير واللسان يتفوق على المنطق، فما الذي يمكن ان يجرونا إليه؟، هل يعقل أن يغذى هذه الحالة الانفعالية ويقودها من يجب أن يتصرفوا بحكمة، وقبل الحكمة بمعلومات ومعرفة وحقائق صحيحة، دون أن يتنازلوا عن الحقوق أو يغضوا النظر عن الالتزام بالشفافية والنزاهة بلا مجاملات أو استثناءات!
يبدو أن العشوائيات لم تعد أحياء ولا مناطق ولا بيوتا، وإنما مفاهيم وتصرفات دون معلومات!
نحن في مجتمع يعاني من أزمة اقتصادية، وتتربص بحدودنا مخاطر جمة، وامامنا تحديات كبرى، نعم عندنا جيش قادر على حماية مصر والدفاع عنها، ونعمل بمنتهى الجدية لنخرج من تلك الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها منذ عشرات السنين، ونحاول الآن علاج قلبها الصلب، فلا يبقى منها إلا بعض أعراضها جانبية، وفيه مصريون يحفرون في الصخر ويستميتون في أعمالهم ويلزمون أنفسهم بالمعرفة والتفكير العلمي ليشدوا وطننا خارج هذا النفق، لكن المجتمعات لا تنهض ولا تتقدم إلا بزخم عام يشملها كلها.
نعم..نحن في نوبة صحيان: فكرا وعملا، ونريدها نوبة مستدامة دون معوقات، يصنعها بعضنا دون قصد، وهم يدافعون عن انحيازات أو مكاسب خاصة!
أمامنا مهام جديرة بأن تشغلنا، دون أن نهمل أو نقلل اهتمامنا بالرياضة، لكن علينا أن نعرف أن الرياضة ترفيه وتسلية ومتعة وليست حربا ولا خناقات في ساحات شعبية، نعم نعلم أننا ورثنا مشكلات فيها، سببها القواعد واللوائح التي تحكم النشاط الرياضي، خاصة في الاتحادات الرياضية وطريقة تكوينها وأساليب عملها، وندرك أن المصالح الشخصية أحيانا أو كثيرا ما تحكمها قبل المصلحة العامة، وهذا يحتاج إلى وقت لإصلاحها، وسوف نصلحها ونحن نبنى بلادنا، فهل نتريث ونلتزم بالتفكير العلمي والمعلومات الصحيحة إلى أن يحدث ذلك؟
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.