فيديو / صحيفة اليوم

سفينة ثيسيوس


تخيّل أنك تملك سفينة قديمة تعتز بها، سفينة اكتسبت قيمتها من الأحداث التي عاصرتها والأشخاص الذين أبحروا بها، لكنها مع مرور الوقت تتعرض للتلف وتحتاج إلى إصلاحات مستمرة، وبمرور السنوات يتم استبدال كل جزء منها حتى لا يبقى أي جزء أصلي..
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل لا تزال هذه السفينة هي نفس السفينة التي كنت تملكها في البداية؟ وهل مازالت محتفظة بقيمتها الاعتبارية المكتسبة، هذه المفارقة الفلسفية المعروفة بسفينة ثيسيوس تثير تساؤلات عميقة حول مفهوم الهوية والثبات في عالم يتغير باستمرار، في الفلسفة، نادراً ما نجد مفارقة تثير الجدل والتفكير العميق مثل مفارقة سفينة ثيسيوس، التي تعود أصولها إلى الفيلسوفين اليونانيين هيراقليطوس وبلوتارخ، تتناول تساؤلات عميقة حول الهوية والتغيير، تستمر في إلهام الفلاسفة والعلماء حتى يومنا هذا، مفارقة سفينة ثيسيوس تتناول فكرة الهوية وتطرحها للتفكير بشكل جديد، إذا كانت هوية شيء ما تعتمد على مكوناته المادية، فإن تغيير كل جزء من هذه المكونات يجعلنا نتساءل عما إذا كان هذا الشيء لا يزال يحتفظ بهويته الأصلية وهل نحن نفس الأشخاص الذين كنا قبل عشر سنوات؟ كيف نعرف أن الأشياء من حولنا تحتفظ بهويتها رغم التغييرات الجذرية التي تطرأ عليها؟
تزداد المفارقة تعقيدًا عندما نطبقها على حياتنا اليومية، خذ على سبيل المثال جسم الإنسان الذي يتجدد خلاياه باستمرار ومع ذلك نحن نعتبر أنفسنا نفس الأشخاص على مر الزمن..؟
هل هذا يعني أن هويتنا تتجاوز مجرد مكوناتنا المادية لتشمل ذاكرتنا، وعلاقاتنا، وتجاربنا؟
مفارقة سفينة ثيسيوس تمتد إلى الآثار والفن أيضًا، اللوحات الفنية التي خضعت لعمليات ترميم مكثفة، واصبحت أجزاء كبيرة منها جديدة، هل تبقى هي نفس اللوحة التي رسمها الفنان الأصلي؟
مدينة بابل في خضعت في التسعينيات إلى تجديد جذري وتم بناءها بالكامل بمواد حديثة وتصاميم مغايرة للشكل العمراني القديم ، من أجل ترسيخ فكرة سياسية وقتها، هل ما زالت آثار بابل تحمل نفس القيمة..؟ ماذا لو قرر المصريون تغليف الاهرامات بالرخام..؟ أو قرر الصينيون تزويد سورهم بمصاعد وطلائه بشكل كامل..؟
هذه المفارقة تدعونا أيضًا للتأمل في مفهوم الهوية الشخصية وهل نحن نفس الأشخاص الذين كناهم عندما كنا أطفالًا؟ كيف نعرف أننا لم نتغير جذريًا وأننا لا نزال نحتفظ بجوهرنا الأصلي؟ هذه الأسئلة ليست مجرد تمرينات فكرية، بل تؤثر على فهمنا لأنفسنا وللعالم من حولنا، في عالم يتغير باستمرار تظل مفارقة سفينة ثيسيوس تذكيرًا قويًا بأن الهوية ليست ثابتة بالضرورة، بل هي عملية مستمرة، السؤال الأكبر يبقى: ما الذي يجعل شيئًا ما هو ذاته حقًا؟ وكيف نستطيع تمييز التغيير من الثبات في هوية الأشياء من حولنا؟
الهوية، سواء كانت شخصية أو مادية، هي مفهوم معقد ومليء بالغموض، ومن خلال دراسة مفارقات مثل سفينة ثيسيوس، يمكننا الحصول على فهم أعمق لطبيعة الوجود والتغيير، ربما يكون الثبات الوحيد في هذا العالم المتغير هو قدرتنا على التأقلم والتطور مع مرور الزمن، والاعتراف بأن الهوية ليست ثابتة بل هي رحلة مستمرة من التحولات والنمو.
@malarab1

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا