عرب وعالم / الامارات / الامارات اليوم

التعاون بين «دول الجنوب العالمي».. الوصفة المطلوبة نحو الاستقلال الاقتصادي

  • 1/2
  • 2/2

تنظر دول الجنوب العالمي بشكل متزايد إلى سياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاقتصادية الخارجية «أميركا أولاً» على أنها قوة قسرية، ومحفز لزيادة الاستقلالية الاقتصادية، ولأكثر من نصف قرن، كانت التنمية الاقتصادية في أميركا اللاتينية، وإفريقيا، وأجزاء من آسيا، مقيدة بشروط التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبسياسات تحصيل الديون العقابية التي تنتهجها البنوك التجارية، وصناديق التحوط المدعومة بالقانون الأميركي، وبالاتفاقات التجارية التي تعيق قدرتها على التنمية الاقتصادية. وفي هذا الصدد، فإن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب ليست سوى تكثيف لشروط المشاركة التي تلحق ضرراً بالغاً بالدول النامية.

إن احتمال تعاون أكبر بين دول الجنوب هو من النقاط المضيئة القليلة في صورة عالمية قاتمة بشكل عام، فقد توسعت التجارة بين بلدان الجنوب بسرعة، ما يوفر نفوذاً وفرصاً مهمة. وإذا أضفنا التجارة مع ، المحرك الرئيس لهذه التجارة، فإن التجارة بين دول الجنوب العالمي تمثل حالياً 55.6% من التجارة العالمية، مقابل 38.3% في عام 1995. وباستثناء الصين، فإنها تمثل اليوم 39.6% من التجارة العالمية، مقابل 31.5% في عام 1995.

أزمة ديون ضخمة

لطالما كان النظام المالي والنقدي الدولي متحيزاً هيكلياً ضد دول الجنوب العالمي، وعلى سبيل المثال، في السبعينات، كانت زيادات أسعار النفط التي فرضتها منظمة «أوبك» مكلفة للغاية بالنسبة لأميركا اللاتينية، وكانت المشكلة الأساسية هي استراتيجية «إعادة تدوير» فوائض دول المنظمة، حيث كانت هذه الدول تودع أرباحها في بنوك أميركية ودولية أخرى، والتي بدورها تقرض الأموال لدول أميركا اللاتينية.

وقد وفرت هذه الخطة بعض الوقت، إلى أن دفعت أزمة التضخم في منتصف وأواخر السبعينات، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بول فولكر، إلى رفع أسعار الفائدة إلى 20%، وارتفعت مدفوعات الفائدة على الديون المقومة بالدولار في أميركا اللاتينية بشكل حاد، في حين انخفضت عملاتها بشكل حاد، ما أدى إلى أزمة ديون ضخمة، ثم أُجبرت الدول على اتباع سياسات تقشفية معاكسة شرطاً للحصول على قروض صندوق النقد الدولي، وتجديد قروض البنوك الخاصة، ما أدى إلى عقد ضائع من النمو، وتدهور سبل العيش.

أصابت إفريقيا نسخة مختلفة من المشكلة نفسها، وفي العديد من البلدان، تفاقمت أزمات الديون بسبب « فاسدة» بين قادة محليين ومستثمرين غربيين، وغالباً ما تم تمويل هذه الصفقات عن طريق الديون، لكن معظم الأرباح انتهى بها المطاف في حسابات مصرفية خارجية، وعندما أطيح بالقادة، بقيت الديون على عاتق البلد والمواطنين، ما دفع صندوق النقد الدولي إلى التدخل، وفرض شروطاً تقشفية قاسية على إعادة تمويل الديون.

تدفق حر للأموال

يعاني معظم دول الجنوب العالمي هذا المأزق مرة أخرى، فقد أدت سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بعد الأزمة المالية لعام 2008، إلى خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ونظراً للتدفق الحر للأموال في جميع أنحاء العالم، ضخ المستثمرون أموالاً ضخمة في دول الجنوب العالمي، حيث تمكنوا من الحصول على أسعار فائدة جيدة، وجني أرباح أعلى، وأدى هذا التدفق في البداية إلى نمو اقتصادي، ومزيد من الاقتراض في دول الجنوب.

إلا أنه وعندما انخفضت أسعار السلع الأساسية في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الـ21، وانتشر فيروس «كوفيد-19»، تلا ذلك آثار الحرب في أوكرانيا والعقوبات، والصدمات المناخية، ثم جولة أخرى من رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، هربت كل تلك الأموال إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى انخفاض أسعار الصرف، وارتفاع مستويات الديون في دول الجنوب العالمي. والآن، هناك 3.3 مليارات شخص في دول الجنوب ينفقون على سداد الديون الخارجية أكثر مما ينفقون على التعليم أو الصحة، فيما جاء صندوق النقد الدولي لـ«الإنقاذ» بوصفة التقشف نفسها.

وصفة مختلفة

على الصعيد التجاري، رفعت الولايات المتحدة معدلات التعريفات الجمركية، وشجعت الصفقات الثنائية التي تفضل المستثمرين الأميركيين، وفي الوقت نفسه تم خفض التمويل الرسمي للتنمية من قبل المؤسسات العامة مثل أعضاء لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما أن التمويل المقدم من بنوك التنمية محدود مقارنة باحتياجات التنمية، وقد جاء ذلك ليضاف إلى أزمات الديون، ولكل هذه الأسباب، تحتاج الدول النامية إلى وصفة مختلفة تماماً، والأمل هو أن يؤدي المزيد من التعاون بين دول الجنوب إلى تحقيق ذلك.

قواعد عالمية

سجل العالم فترة وجيزة كانت فيها قواعد النظام العالمي أكثر عقلانية واحتراماً لحاجة الدول إلى الاستقلالية في تحديد سياساتها الخاصة، وبعد كارثة الكساد الكبير، سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى بناء نظام يوازن بين توسيع التجارة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، وفي مؤتمر «بريتون وودز» عام 1944، وبإلهام من الاقتصادي الإنجليزي جون مارفن كينز، والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، سعى قادة العالم إلى وضع قواعد عالمية تخلق مساحة لصفقات وطنية جديدة معزولة عن مطالب رأس المال الخاص، وتضمن النظام ضوابط على رأس المال، وأسعار صرف ثابتة لمنع المضاربة على العملات، والكثير من التمويل العام، وقد سمح ذلك بـ«انتعاش» و«إعادة إعمار» استثنائيين بعد الحرب، وثلاثة عقود من الازدهار الواسع.

في عام 1944، كان لايزال معظم دول الجنوب العالمي تحت الاستعمار، ومع حصول هذه الدول على استقلالها، استفادت اقتصاداتها بشكل غير مباشر من خلال قدرتها على توسيع صادراتها إلى اقتصاد عالمي متنام، وتمتعت أميركا اللاتينية بقدر من الاستقلالية السياسية، وثلاثة عقود من النمو الملحوظ.

ومع إصابة الولايات المتحدة بالركود والتضخم، أنهت «صدمة نيكسون» عام 1971 قابلية تحويل الدولار، ما أدى إلى انهيار نظام «بريتون وودز»، وابتداء من عام 1980، ركز التحول الليبرالي الجديد في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان، ورئيسة وزراء مارغريت تاتشر، على تحرير الأسواق، والانفتاح على تدفقات رأس المال، والانضباط المالي، وتقليص دور الدولة، لاسيما في المجال الاقتصادي، وبالنسبة للجنوب العالمي، فقد كان هذا التحول يعني في كثير من الأحيان أزمات ديون، ومطالبات بالتقشف، وسياسات «تكيف هيكلي»، أعطت الأولوية لرأس المال الخارجي وتحرير التجارة على حساب التنمية المحلية.

وفي أواخر التسعينات، تسببت تدفقات الأموال المُضاربة في أزمات مالية كبيرة، حتى في دول شرق آسيا التي كانت تتمتع باقتصادات سليمة. عن «ذي أميركن بروسبكت»


«دول الجنوب العالمي»

«دول الجنوب العالمي» مصطلح سياسي - اقتصادي، يطلق على مجموعة دول تشترك بخصائص محددة في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية، ومستوى الفقر والبطالة، والنفوذ السياسي عالمياً، وليس شرطاً أن تكون في الجنوب الجغرافي للكرة الأرضية، ومن هذه الدول الصين، والهند، وإندونيسيا، وماليزيا، وكل دول إفريقيا، ودول أميركا الجنوبية واللاتينية، وبعض دول الشرق الأوسط.


الاستقلالية الاقتصادية

منذ الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية في عام 2008، بدأت دول الجنوب العالمي تشكك بشكل متزايد في شرعية النظام الاقتصادي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، واتخذت إجراءات متزايدة لزيادة استقلاليتها الاقتصادية، ومنذ ذلك الحين، انخرط الجنوب العالمي في ما سمته الاقتصادية، إيلين غرابل، «عدم الاتساق الإنتاجي».

ومع ضعف النموذج القديم، لم يعد هناك نموذج واحد مهيمن، ما فتح المجال للتجريب من خلال مؤسسات إقليمية جديدة، وسياسات مختلطة، ومنطق مؤسسي متباين، وفي هذا المجال المتنازع عليه، تحاول دول الجنوب العالمي رسم بدائل، من بنوك التنمية الإقليمية والمؤسسات النقدية الجديدة إلى التجارة بين بلدان الجنوب والترتيبات المالية، وقد أعادت الاستجابة لسياسات دونالد ترامب تنشيط هذه الجهود، لكنها تحتاج إلى مزيد من الطموح والتنسيق.

• رفع «الفيدرالي الأميركي» أسعار الفائدة إلى 20% في السبعينات، أدى إلى أزمة ديون ضخمة، وأجبر دول الجنوب على اتباع سياسات تقشفية شرطاً للحصول على قروض «النقد الدولي».

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا