اقتصاد / صحيفة الخليج

من «ريغانوميكس» إلى «ترامبونوميكس».. اقتصاد أمريكا أمام مفترق طرق

إعداد: أحمد البشير 

منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، تشهد الساحة الاقتصادية الأمريكية واحدة من أكثر المراحل جدلاً في تاريخها الحديث. فبينما كان المحللون في بدايات «ترامب 2.0» يتحدثون عن ركود وشيك وانكماش عالمي محتمل بسبب تصعيد الرسوم الجمركية، جاءت الأرقام الاقتصادية لتقلب التوقعات رأساً على عقب: النمو لا يزال مستقراً، والتضخم يتراجع تدريجياً، والاستثمارات الأجنبية تتدفق نحو الولايات المتحدة. هذه المفارقة بين التنبؤات المتشائمة والنتائج الواقعية فتحت الباب واسعاً أمام التساؤل: هل تهزم «ترامبونوميكس» ما يُعرف ب«الحكمة الاقتصادية التقليدية»؟ وهل يعيد ترامب كتابة القواعد التي حكمت الاقتصاد منذ عهد رونالد ريغان، أم أنه يسير في طريق مختلف تماماً؟

يبدو أن التباين بين النظرية والواقع هو أبرز ما يميز المرحلة الراهنة من الاقتصاد الأمريكي. فبينما وصف معظم الاقتصاديين سياسات ترامب التجارية بأنها غير منطقية أو حتى كارثية، تشير البيانات إلى أن الاقتصاد الأمريكي ما زال يحافظ على زخمه.

وعاد صندوق النقد الدولي، الذي كان قد حذر في الربيع من ركود عالمي بسبب صدمة الرسوم الجمركية، ليؤكد أن التأثير على الاقتصاد العالمي ما زال محدوداً وأن الاقتصاد الأمريكي ينمو بوتيرة ثابتة.

ويتوقع الصندوق الآن أن يبلغ النمو العالمي 3.2% في 2025 و3.1% في 2026، في حين سيحقق الاقتصاد الأمريكي نمواً يتجاوز 2%، وهو ما يجعله الأسرع بين الاقتصادات المتقدمة.

أما التضخم، فرغم أنه لا يزال فوق مستوى 2% المستهدف، فإنه يتجه نحو الاعتدال مع حلول عام 2026.

لكن هذا الاستقرار الظاهري لا يخلو من التناقضات، فكما أشار الخبير الاقتصادي المعروف محمد العريان في كلمته خلال مؤتمر الاستثمار العالمي في الشارقة، فإن «الاقتصاد الأمريكي يبدو مستقراً من الخارج، لكن خلف السطح هناك مؤشرات متعارضة». وأشار العريان إلى ظواهر لافتة مثل ارتفاع أسعار الأسهم والذهب في آنٍ واحد، وضعف الدولار الأمريكي، وتقلّب السياسات الاقتصادية بصورة تشبه ما يحدث في الدول النامية، إلى جانب سوق عمل شديدة الضيق.

سياسات الحماية أم بوادر انتعاش؟

اللافت أن هذه المؤشرات المتناقضة لم تمنع «ترامبونوميكس» من تحقيق بعض المكاسب الملموسة، خصوصاً في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر.

وبدأت شركات كبرى في قطاعات استراتيجية مثل المعادن النادرة والطاقة النووية المتقدمة تعلن عن مشاريع ضخمة في الولايات المتحدة، مشيدة بالبيئة الاقتصادية الجديدة التي خلقتها سياسات ترامب.

وصرح بول آذرلي، رئيس مجلس إدارة شركة «بنسانا» المتخصصة في المعادن النادرة، قائلاً: «نحن نذهب حيث يوجد المال»، مشيراً إلى أن شركته تخلت عن مشروع في المملكة المتحدة لصالح إقامة مصنعها في الولايات المتحدة.

كذلك، أعلنت شركة «ستيلانتيس» استثمار بقيمة 13 مليار دولار في السوق الأمريكية، معتبرة أن النجاح في أمريكا «يعزز القدرة التنافسية للشركة على المستوى العالمي». وهذه المؤشرات تدل على أن الخطاب الحمائي الذي يرفعه ترامب لا يمنع جذب الاستثمارات، بل ربما يشجع بعض الشركات على العودة إلى السوق الأمريكية للاستفادة من الحوافز والبيئة الاقتصادية المتغيرة.

ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن هذه الاندفاعات الاستثمارية قد تكون مؤقتة.

ووصف الاقتصادي ريتشارد بولدوين وصف هذه الاستثمارات بأنها استثمارات قائمة على الأمل أكثر من كونها مبنية على أسس اقتصادية متينة، فالتاريخ لا ينسى تجربة «فوكسكون» في ولاية ويسكونسن خلال الولاية الأولى لترامب، التي انتهت إلى فشل ذريع رغم الوعود الضخمة.

ترامب وريغان

إن الحديث عن «ترامبونوميكس» لا يكتمل من دون العودة إلى إرث رونالد ريغان، الرئيس الذي قاد تحولاً اقتصادياً عميقاً في الثمانينيات عُرف باسم «ريغانوميكس». ورفع ريغان شعار الحرية الاقتصادية وخفض الضرائب وتشجيع القطاع الخاص، لكنه كان أيضاً من أشد المدافعين عن التجارة الحرة. وعندما بثّت حكومة أونتاريو الكندية إعلاناً تلفزيونياً تضمن مقاطع لريغان وهو يحذر من مخاطر الحماية التجارية، انفجر ترامب غضباً واتهم الإعلان بأنه «مزوّر» وموجّه للتأثير على المحكمة العليا الأمريكية التي تنظر في صلاحياته بشأن فرض الرسوم. ثم أعلن على الفور إنهاء المحادثات التجارية مع كندا وفرض رسوماً إضافية بنسبة 10% على السلع الكندية.

وهذه الحادثة ليست سوى تجسيد رمزي للفارق الجوهري بين ريغان وترامب. فبينما كان ريغان يستخدم الرسوم الجمركية كاستثناء نادر يخدم أهدافاً سياسية أو أمنية محددة، جعل ترامب من الرسوم أداة دائمة من أدوات السياسة الاقتصادية.

وكان ريغان يدرك أن «الرسوم هي في ضرائب يدفعها المواطن»، كما قال في إحدى خطبه، أما ترامب فيقدّمها كوسيلة «لإجبار الدول الأخرى على دفع الثمن».

ريغان والحماية التجارية

في عام 1987، وقف ريغان أمام الأمريكيين محذراً من تكرار أخطاء الماضي، وذكّرهم بكارثة قانون «سموت-هاولي» للرسوم الجمركية الذي أسهم في تعميق الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.

ومع أن ريغان فرض حينها رسوماً محدودة على واردات أشباه الموصلات اليابانية، إلا أن هدفه كان سياسيّاً بحتاً لتخفيف ضغوط الكونغرس الذي كان يتجه نحو موجة حمائية واسعة.

لكن حتى تلك الرسوم ثبت لاحقاً أنها لم تكن ضرورية، فشركة «إنتل»، التي كانت من أبرز الداعمين لها، استطاعت لاحقاً أن تتفوق على منافسيها اليابانيين من خلال الابتكار، لا الحماية.

وكان ريغان، الذي دعم لاحقاً فكرة منطقة تجارة حرة في أمريكا الشمالية قبل سنوات من توقيع «نافتا»، يؤمن بأن الانفتاح والابتكار هما الطريق الوحيد للنمو المستدام. أما ترامب، فينظر إلى الحماية كوسيلة لإعادة تشكيل التوازن التجاري العالمي بالقوة، حتى لو كانت النتيجة ارتفاع الأسعار داخل الولايات المتحدة.

الواقع السياسي والتحديات الاقتصادية

يدافع ترامب عن سياسته قائلاً إنه يحمي الصناعة الأمريكية من المنافسة غير العادلة، وإن الرسوم هي أداة لتحقيق «عدالة تجارية».

لكن معارضيه يرون أنه يستخدمها كأداة سياسية لتوجيه الرسائل أو الانتقام، كما حدث في الخلاف الأخير مع كندا.

وفي الوقت الذي يفاخر فيه بأن الرسوم لا تُحمِّل الأمريكيين أي أعباء، تشير البيانات إلى أن الشركات والمستهلكين الأمريكيين هم من يدفعون الكلفة في النهاية، عبر ارتفاع أسعار المواد الخام والسلع الاستهلاكية.

وحتى الآن، لم تشهد الأسواق العالمية حرباً تجارية شاملة، وربما حالف الحظ ترامب في أن الدول الأخرى لم ترد بقوة على إجراءاته. لكن هذا الهدوء النسبي لا يخفي حقيقة أن سياساته تزرع بذور توتر تجاري طويل الأمد قد ينعكس على الاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة.

هل يتحدى ترامب قواعد الاقتصاد؟

يرى أنصار ترامب أن سياساته الواقعية تعيد الاعتبار للإنتاج المحلي وتعزز قوة الولايات المتحدة في مواجهة وأوروبا، وأن النتائج الإيجابية للنمو والتوظيف تثبت صحة نهجه. أما منتقدوه فيرون أن هذه النجاحات مؤقتة، وأن تجاهل «الحكمة الاقتصادية التقليدية» قد يؤدي إلى نتائج عكسية في المدى البعيد.

واللافت أن صندوق النقد الدولي نفسه بات يتعامل بحذر أكبر مع تقييمه لسياسات واشنطن، فلم يعد يصفها بأنها «خطر وشيك»، بل يعتبرها عاملاً من عوامل النمو المستقر حتى الآن.

اقتصاد بين مدرستين

بين «ريغانوميكس» القائمة على الانفتاح، و«ترامبونوميكس» التي تميل إلى الحماية، يقف الاقتصاد الأمريكي اليوم عند مفترق طرق. فالبيانات الإيجابية لا تنفي أن الطريق محفوف بالتناقضات والمخاطر، تماماً كما أشار محمد العريان إلى أن الاستقرار الظاهري يخفي وراءه هشاشة بنيوية.

قد يرى البعض في سياسات ترامب تحدياً جريئاً لقواعد الاقتصاد التقليدي، وقد يراها آخرون مقامرة سياسية ذات طابع شعبوي.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا