أعادت إجازة الشتاء الطويلة هذا العام تشكيل الموسم الدراسي للعام الجاري، حيث بدا المشهد وكأنه فصل جديد يُكتب في علاقة المجتمع بالمدرسة وبالزمن نفسه، وذلك بعدما تسببت الإجازة حالة تباين بين من يراها محطة ضرورية للراحة والتجديد، وبين من يخشى تأثيرها على تواصل العملية التعليمية بسبب طول أيامها. وبين الرأيين، يجد المجتمع التعليمي نفسه أمام تجربة غير مسبوقة.
أكد تربويون واستشاريون وأطباء نفسيون أن في ظل الضغوط الدراسية وتراكُم المهام على الطلاب طوال الفصل الدراسي الأول، فإن الحاجة إلى فترة استراحة طويلة أمراً لا غنى عنه، وأن العقل المُنهك لا يتعلم، والنفس المثقَلة لا تُبدع وهنا تظهر أهمية إجازة الشتاء بوصفها مساحة لإعادة الشحن الذهني والعاطفي للطلاب.
وتؤكد العديد من الدراسات التربوية، أن الانقطاع المؤقت يحفّز الذاكرة، ويحسّن القدرة على التركيز، ويمنح الطلاب دافعاً متجدداً لاستكمال العام الدراسي، ويرى خبراء نفسيون، إن الإجازة تأتي في وقتٍ يتغير فيه الطقس وتزداد الحاجة للراحة المنزلية، ما يجعلها متناغمة مع الإيقاع الطبيعي للمواسم.
تفاعل الأسر.
وجد أولياء أمور أنفسهم أمام واقع جديد يتطلب التخطيط. فبعضهم رحّب بالعطلة ورأوها ضرورة، فيما شعر آخرون بأنها تحمل تحديات، خاصة لدى الأسر التي يعمل فيها الوالدان ولا تتوفر لديها بدائل لمتابعة أبنائهم.
تقول أم إسراء، وليّة أمر، «إن الإجازة الشتوية خطوة إيجابية تمنح أبناءنا وقتاً لالتقاط الأنفاس. لكنّ مع طول مدتها نجد أنفسنا أحيانًا في موقف صعب، إذ نحتاج للتنسيق بين عملنا ووجودهم في المنزل».
بيد أن أم ياسين، وليّة أمر، لها رأي آخر، حيث ترى أن الإجازة فرصة لإصلاح نسق الحياة الأسرية. أولادي مشغولون دائماً بالدراسة وفترة كهذه تمنحنا وقتاً للجلوس معاً، للحديث، للرحلات القصيرة، فهي تعزز الروابط التي يضيع كثير منها في زحمة العام».
وتؤكد أن هذا التباين طبيعي ويعكس تنوّع الظروف المعيشية للأسر، لكنه يعكس تكيف المجتمع مع المستجدات التربوية، مثلما تكيف سابقاً مع التعليم عن بُعد وغيره من التغيرات».
خطوة تنظيمية
دخلت وزارة التربية والتعليم على خط المناقشات، وسارعت ببث فيديو عبر منصاتها الإجتماعية لتشجيع الأسر على اختيار الطريقة المثلى لقضاء الطلبة أجازتهم، وتناول الفيديو فئات طلابية اختارت السفر، معتبرة أن هذه الفترة مثالية لزيارة أماكن جديدة بعيداً عن الزحام، وفئة أخرى وجدت أن المخيمات الشتوية خيار ثريّ ومناسب لتعليم الاعتماد على النفس والانخراط في تجارب خارج الصف الدراسي، بينما فضلت فئة ثالثة الأنشطة الرياضية، وفئة رابعة اختارت الأسرة معتبرة أن أجمل ما في الإجازة هو إعادة الاكتشاف الهادئ للعلاقات داخل البيت.
ويخشى كل من: عبدالله إدريس، محمد خيري، جابر حسين وسالم محمد حمدان، أولياء أمور، من أن تتحول العطلة إلى وقت فراغ غير منظّم وبالتالي تُشكل عبء على الطلاب، خاصة إذا لم تُستثمر في أنشطة ذات فائدة، لذلك باتت الأسر مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتوجيه أبنائها نحو أنشطة تعليمية وترفيهية وتطوعية، تجمع بين المتعة والفائدة.
وقالوا إن إجازة الشتاء هذا العام ليست مجرد عطلة جديدة، بل تجربة اجتماعية وتعليمية كاملة وفرصة لتهدئة إيقاع الحياة والتقارب العائلي، وإعادة التفكير في موازنة الدراسة والراحة، ويبقى الثابت أن الإجازة قد فرضت حضورها بقوة، وسواء استمرت في الأعوام المقبلة أم خضعت للتعديل، فمن المنظور الأسري نجحت في إثارة نقاش تربوي ومجتمعي عميق حول معنى الراحة ودور الأسرة وطبيعة اليوم الدراسي.
أدوار الأسرة.
لا يمكن لأي قرار تربوي أن ينجح دون دور فعّال من الأهالي. هذا ما يراه محمد مرزوق، تربوي، ولفت إلى أن الإجازة ليست مجرد وقت مستقل للطلاب، بل فرصة لتجديد الروابط الأسرية. فتخصيص وقت مشترك للقراءة، أو للعب الجماعي، أو حتى لمهام منزلية مشتركة، يخلق إحساساً بالمشاركة الفعلية داخل البيت.
وأضاف أن دور الأسر لا يقتصر على الترفيه، بل يشمل توجيه الأبناء نحو تنظيم وقتهم، وتحديد مهام صغيرة، وتشجيعهم على ممارسة الهوايات المؤجلة. فالإجازة الناجحة هي التي تدمج الراحة بالتعلم غير الرسمي، وتسمح للطلاب بالنمو بعيداً عن الكتب.
من جهتها تقول فاطمة النقبي، اختصاصية تربوية، إن هذه الإجازة تمثل خطوة مهمة نحو إعادة التوازن في العام الدراسي، وأن فترات التوقف تساعد الطلبة على تخفيف الضغوط النفسية والتراكم الأكاديمي، وتمنحهم فرصة لاستعادة التركيز والدافعية قبل استكمال الدراسة.
وأكدت أن «نجاح الإجازة يرتبط بدور الأسرة في تنظيم وقت الأبناء، واستثمار هذه الفترة في أنشطة تعليمية وترفيهية هادفة، بما يضمن تحقيق الفائدة دون الإخلال بسير العملية التعليمية».
استعادة الروابط
تقول د. تاتيانا إسبيرانكو - أخصائية نفسية: «يمكن أن تكون عطلة الشتاء مفيدة للصحة النفسية للطلاب، خاصةً عندما تُستغل في الراحة واللعب غير المُقيّد، واستعادة الروابط العائلية. إذ إن التغيير المؤقت في الروتين يمنح الفرصة لإستعادة التوازن والطاقة بعد فصل دراسي زاخر بالتحديات، ومع ذلك، تواجه العديد من العائلات ضغوطاً لتنظيم العطلة ببرامج وأنشطة متواصلة، لا سيما مع ازدياد كلفة الفعاليات الاجتماعية وخيارات الترفيه خلال هذه الفترة».
وترى أن فترة التوقف الأكاديمي فرصة لإعادة التواصل مع الذات، حيث يُتاح للطفل أو المراهق التفاعل مع عالمه العاطفي الداخلي من مشاعر الفرح والحماس، إلى مشاعر الانزعاج أو الإحباط الناتجة عن عدم معرفة ما يمكن فعله، وهذا النوع من الفراغ العفوي يشكّل مساحة ضرورية للنمو النفسي والتعبير الذاتي.
وأوضحت أنه في بعض الأحيان، قد يشعر الآباء برغبة في حماية أبنائهم من الإحباط عبر ملء كل لحظة في يومهم بأنشطة مخطط لها مسبقاً. ورغم حسن النية وراء هذا التوجه، إلا أنه قد يحدّ دون قصد من الفرص المتاحة للأطفال والمراهقين لتطوير الكفاءة العاطفية.
أثر نفسي كبير
الإجازات المدرسية الطويلة، وعلى وجه الخصوص إجازة الشتاء التي تم تطبيقها لأول مرة هذا العام وتمتد لنحو شهر، تترك أثراً كبيراً على نفسية الطلبة والمدارس على حد سواء.
ويقول وليد العمر، أخصائي الطب النفسي: «من الناحية النفسية، يشعر العديد من الطلبة بالارتياح والانفصال المؤقت عن ضغوط الدراسة والامتحانات، مما يمنحهم فرصة لإعادة شحن طاقتهم الذهنية والتخفيف من التوتر. لكن، في الوقت نفسه، فإن هذا الانفصال الطويل عن البيئة المدرسية والمحتوى الأكاديمي قد يؤدي إلى نوع من الركود الذهني، ما يُصعّب العودة السلسة إلى أجواء التعليم والانضباط.
أما بالنسبة للمدارس والمعلمين، فيوضح:«تشكل هذه الإجازة تحدياً في كيفية إعادة تنشيط ذاكرة الطلبة وتحفيزهم مجدداً على التركيز والتحصيل. إذ تبرز الحاجة إلى وضع خطط مرنة في أول أسبوعين من العودة، تتضمن مراجعة شاملة للمواد، وتعزيز الأساليب التفاعلية والنشطة في التدريس، مع إشراك الطلبة في أنشطة تحفّزهم على المشاركة وتُعيد بناء عادات الدراسة تدريجياً.
وبشكل عام، يمكن للإجازة الطويلة أن تكون مفيدة إذا تم استغلالها بذكاء، لكن العودة منها تتطلب جهداً مشتركاً بين الأسرة والمدرسة لضمان انطلاقة إيجابية وفعالة للفصل الدراسي الجديد.
وللحد من الآثار السلبية المحتملة لهذا الانقطاع الطويل، ينصح المدارس باعتماد أساليب تعليمية مبتكرة تُعيد جذب الطلبة تدريجياً، مثل دمج التكنولوجيا في الحصص، وتكثيف الأنشطة الجماعية التي تُعزّز روح الفريق. وتقديم دعم نفسي للطلبة الذين يُظهرون صعوبة في التكيّف، لا سيما في المراحل الانتقالية كطلبة الحلقة الثانية والثالثة.
المخيمات الشتوية
أطلقت وزارة التربية والتعليم فعاليات المخيمات الشتوية للعام الدراسي 2025-2026، خلال الفترة من 8 ديسمبر 2025 إلى 4 يناير 2026، بهدف توفير بيئة تعليمية وتدريبية ثرية تمتد آثارها إلى ما بعد الفصول الدراسية، عبر استثمار إجازة الطلبة في برامج نوعية تفتح أمامهم آفاقاً جديدة للتعلم والتجربة.
وتستهدف هذه المخيمات طلبة المدارس الحكومية والخاصة من مختلف المراحل الدراسية، ببرامج متنوعة تُقام في عدد من المواقع التي تشمل مدارس ومجمعات تعليمية، ومراكز تدريب، ومنشآت رياضية، ومعسكرات متخصصة، إلى جانب برامج تُنفَّذ عن بُعد ضمن مسارات افتراضية تفاعلية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
