في مشهد يبدو وكأنه معركة استباقية في لعبة شطرنج اقتصادية عالمية، دفعت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على واردات الصين إلى إعادة رسم خرائط التجارة الدولية.
الصين، التي يُنظر إليها غالباً على أنها مصنع العالم، لم تنهزم أمام الضغط الأمريكي، بل تعاملت مع التحدي بخطة ذكية أعادت ترتيب صادراتها وعززت فائضها التجاري إلى مستويات قياسية.
قبل عام فقط، ومع فوز ترامب بالانتخابات، اندفع المصنعون الصينيون لتعجيل صادراتهم خشية حرب تجارية جديدة، بعد أن وعد الرئيس الأمريكي بفرض تعريفة عقابية على البضائع الصينية لسد العجز التجاري المتزايد للولايات المتحدة.

واليوم، وبعد تنفيذ ترامب لتعريفاته، أظهرت الصين مرونة مذهلة، مسجلة فائضاً تجارياً قياسياً بلغ تريليون دولار خلال أول 11 شهراً من العام، وهو إنجاز لم تحققه أي دولة أخرى.
هذه النتائج القياسية لم تعزز فقط موقف بكين التفاوضي، بل منحت الرئيس الصيني شي جين بينغ ثقة أكبر في مواجهة ترامب خلال العام الطويل للحرب التجارية. وبينما خففت الدولتان التوترات مؤخراً ووصلتا إلى تهدئة هشة بعد لقاءات أكتوبر/تشرين الأول، لا تزال الاتفاقية النهائية بعيدة عن التحقيق.
استراتيجيات التكيف
سر نجاح الصين يكمن في تبني استراتيجية مرنة للتصدير، لم تبدأ اليوم بل منذ ولاية ترامب الأولى.
اعتمد المصدرون الصينيون على تنويع الأسواق والابتعاد عن الاعتماد على الولايات المتحدة، وإعادة توجيه الشحنات إلى مناطق أخرى، والاستفادة من الطلب العالمي على السلع منخفضة التكلفة.
خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من 2025، ارتفعت صادرات الصين بنسبة 5.7% مقارنة بالعام السابق، وفق بيانات الجمارك.
وكان النمو الأكبر في أوروبا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، حيث ارتفعت الصادرات 8.9% و14.6% و27.2% على التوالي، مقابل انخفاض 18.3% في الشحنات إلى الولايات المتحدة.
مع ذلك، لا يخفي الفائض التجاري القياسي المشاكل الاقتصادية الداخلية. فالأداء التصديري اللافت يعكس جزئياً تحديات هيكلية، بما في ذلك ضعف الطلب المحلي وتراجع ثقة المستهلكين.

القوة التصنيعية والوفرة الإنتاجية
لقد أرسى التفوق الصناعي للصين مكانتها كـ"مصنع العالم"، ما مكّنها من إعادة توجيه صادراتها بسرعة.
لكن سنوات الاستثمار المكثف في قطاع التصنيع أنتجت وفرة كبيرة في بعض الصناعات، ما دفعها للبحث عن أسواق خارجية لنموها الاقتصادي، بينما زاد من المنافسة السعرية داخلياً.
تاريخياً، كانت الصادرات دعامة أساسية للنمو الصيني. واستراتيجية "صنع في الصين 2025" التي كشف عنها شي قبل عشر سنوات، ضخت مليارات الدولارات في القطاعات الاستراتيجية للسيطرة على سلاسل الإمداد عالية التقنية، إلى جانب الصناعات التقليدية.
ونتيجة لهذه الاستراتيجية، إلى جانب الطلب المرتفع أثناء الجائحة، ارتفعت صادرات الصين خلال الخمس سنوات الماضية بنحو 45% وفقاً لشركة نومورا للخدمات المالية.
الصين اليوم تهيمن على الأسواق العالمية بفضل قدرتها على إنتاج سلع عالية الحجم وبأسعار منخفضة، ما يجعل منافسة الدول الأخرى صعبة، ويزيد اعتماد الأسواق النامية على منتجاتها ومكوناتها.
ما وراء الأرقام
رغم هذا النجاح، يشير الخبراء إلى أن بعض نمو الصادرات قد يكون نتيجة "إعادة التصدير" عبر دول جنوب شرق آسيا، حيث تتم عمليات إضافية قبل إعادة تصديرها إلى الولايات المتحدة، ما يعقد تطبيق التعريفات الأمريكية الجديدة.
وعلى المدى الطويل، يثير استمرار النمو السريع تساؤلات حول استدامته. تتوقع معظم التحليلات أن تظل الصادرات الصينية قوية العام المقبل، لكن بمعدل نمو أبطأ من هذا العام.
اقتصادياً، يعد فائض التجارة مجرد جزء من الصورة. فقطاع العقارات الصيني، الذي كان دعامة نمو رئيسية، لا يزال يعاني من التباطؤ، في حين يثقل ارتفاع البطالة بين الشباب ونظام الضمان الاجتماعي الضعيف الاستهلاك الداخلي.
ومن هنا، ارتفعت الواردات بنسبة 0.2% فقط خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام، مؤشراً على ضعف الطلب المحلي.
السياسات الوقائية والأسواق الجديدة
الزيادة في الصادرات قد تثير قلق شركاء الصين التجاريين. فالاتحاد الأوروبي والهند والبرازيل سبق أن أبدوا مخاوف من "إغراق" السوق بمنتجات صينية رخيصة، ما دفع الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات مضادة على السيارات الكهربائية الصينية وغيرها من الصادرات.
خلال زيارة للصين مؤخرا، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفجوات التجارية بين أوروبا والصين بأنها "غير محتملة التحمل"، محذراً من فرض تعريفات إضافية إذا لم تتغير الديناميكية الحالية.
في الداخل، وعلى الرغم من النمو التصديري، تواجه الصين ضغوطاً تضخمية منخفضة أو انكماشية، خصوصاً في قطاعات السيارات الكهربائية والتجارة الإلكترونية ومواد البناء، حيث أدى التنافس الشديد إلى حرب أسعار خانقة.

بين التحفيز والتحديات الداخلية
وسط هذه التحديات، أصبحت الصادرات مصدر دعم حيويًّا للاقتصاد الصيني، إذ توفر أحد المصادر القليلة للنمو في ظل تردد بكين في إطلاق برامج تحفيز ضخمة. وتواصل الحكومة الصينية تبني سياسة مالية أكثر نشاطاً وسياسة نقدية معتدلة لدعم الاقتصاد في العام المقبل.
كما تستعد الصين للإعلان عن خطتها الاقتصادية للخمس سنوات المقبلة، والتي ستحدد أولويات التنمية بين 2026 و2030، مع التركيز على تعزيز القوة الاقتصادية والتكنولوجيا والدفاع الوطني، مع تسريع التطور في التصنيع وجودة المنتجات والطيران والنقل والفضاء الإلكتروني.
بينما يسعى ترامب لفرض التعريفات ودفع الصين إلى الانكماش الاقتصادي، أثبتت بكين مرونتها وقدرتها على التكيف. فاستراتيجية التنويع وإعادة التصدير، إلى جانب قوة الصناعة الصينية وتفوقها على الأسواق العالمية، سمحت للصين ليس فقط بالصمود أمام التعريفات، بل بالوصول إلى فائض تجاري تاريخي.
ومع ذلك، تبقى التحديات الداخلية والتحذيرات العالمية قائمة، ما يجعل مسار الاقتصاد الصيني في السنوات القادمة اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على الموازنة بين النمو الخارجي والاستقرار الداخلي.
الصادرات الصينية ليست مجرد أرقام في الجداول، بل دليل على صمود واستراتيجية متقنة في عالم تجاري متغير، حيث يصبح كل تحدٍ فرصة جديدة لإعادة الابتكار وإعادة التوجيه.
المصدر: سي إن إن
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
