«ليست ابتهال عبدالوهاب مجرد اسم يمر خفيفاً في ضجيج العالم، بل ظل امرأة صنعت ذاتها بجرأة لا يملكها كثيرون».....
«أنا نتيجة معركة بيني وبين العالم
معركة دفعتني لأن أصبح ما أنا عليه لا ما أرادوني أن أكونه.
لم أخرج من بيئة ممهدة، ولا من محيط ثري، ولا من طريقٍ مُضاء، خرجت من عمق الظلام الذي اخترت أن أشقه وحدي»
**
سأتعامل مع نص ابتهال عبدالوهاب ليس كنصّ تأمّلي، بل على أنه (قصيدة فكرية) تتأسس من مكوّن ثلاثي: (اللغة والوعي والموقف) فيه دفق بيّن، من نسغ ذاتية الكاتبة ونسغ من روحها الشاعرة: الأنا الفلسفية لديها تولد من جديد كطائر فينيقي من رماد الوعي، تستعيد روحها تسري كدماء في أوردة المعنى الطليق لتشكّل قوامه؛ وتخومه وتعيد تشكيله باستمرار كظاهرة متجددة لم تكتمل بعد في صورتها/الحلم.. فهو في حالة صيرورة دائمة لكينونة كبرى مبتغاة من المعنى الإنساني.
ابتهال هنا لا تكتب تأملات هائمة عن ذاتها بطريقة مسطحة، أو نرجسية متعالية محضة، بل تنفذ نحو الجذور والأعماق، تكتب عن حالة انفجار فلسفي كينوني غير منتهٍ تعيشه الكاتبة.. بركان معرفي ينطلق من بوتقة المعنى، يتقد من مرجل اللحظة في تقاطعها مع زمنية الأنثى البازغة: كظاهرة إنسانية متفردة تتخطى البيو-جسدي، التي هي الكاتبة ذاتها روحاً ودماً وعقلاً، إلى العقلي في تجرده المعرفي وتعاليه عن الأنوية، لتعيد تشكيل ذاتها من جديد، وتُعمّق حضورها، وتتخطاه نحو تشكيل آخر للعالم.
«أنا صوت خرج من عتمة ميتافيزيقية
ولم يعد من حق أحد أن يطفئه»
وإنها لا تكتب بروح (سوبرمانية) خيالية جامحة كما كتب (نيتشه) في تأملاته الفلسفية إلاّ إنها تستلهم روحه الطليقة المتمردة وطريقته الفلسفية المبدعة وطلقاته المسددة، ليس من أجل هدم المعنى الماثل والمفاهيم الثابتة بديناميت الوعي المُتأزّم، بل من أجل الهدم الآيل إلى إعادة تفكيك كل الأشياء والمواقف والمعاني القارة وتحويلها في معانٍ جديدة صادمة وضدّية لكن بصور خلاّقة تخدم المنطق والعقل الإنساني وتزيل عنه تشوّهاته، يقينياته أو لا يقينياته.
«انا المتمردة
لا لأنني أميل للثورة
بل لأن كل يقين يقف أمامي يتحطم قبل أن يكتمل»
تدهشني ابتهال وتمتعني ذهنياً في كل ما تكتب. وينابيع القول المتفلسف الذاهب بعيداً نحو الجذور لديها دفقات فوّارة تتلمس سخونتها حالما تضع بصرك على تشكيلاتها اللغوية.. تكتب التأمل الفلسفي وكأنها تكتب قصيدة شعرية، أو تكتب كأنها تزاوج بين الشعر والفكر لكن بانحياز نحو المعرفي والوجودي:
«انا لا أكتب نصوصاً. أنا أكتب وجودي. أكتب ارتطامي
أكتب مشاعري وأفكاري»
أي أن الكتابة عندها حياة جديدة أخرى: «الكتابة الطريقة الوحيدة لأمنع ذاتي من التلاشي في صمت الوجود»، تعيد تشكيلها بقوة (اقتحام اللا مرئي) ولا يشبهها في ذلك أحد.
لا يمكن أن يكون هناك لغة معلقة هكذا من جذورها دون أن تتشكل من وعي وجودي أوميتافيزيقي غالباً ما يعبر عنه حتى الشاعر حين يريد تمرير معرفة جمالية في قصيدته.. ولغة ابتهال هنا مكتنزة مكثفة تقترب من لغة الشعر الواضحة الغامضة وتبتعد عن الغرق في المنهجيات والمصطلحات.
كما لا يمكن لهذا الوجود الماهوي أو المعرفي أن ينمو ويتخلّق دون أن تكون اللغة هي مسكنه حسب (هايدجر): «اللغة مسكن الوجود».. من خلال هذا التشكيل الجدلي بين اللغة والوجود المعرفي يتحدد الموقف الكلي لفيلسوفتنا ابتهال عبدالوهاب، موقفها الواعي من الإنسان والأشياء والكون، والمصائر البشرية. وتلمّسنا كيف أن الكاتبة هنا من ضفيرة هذه الثلاثية حددت معالم كينونتها الماهوية كمتمردة معرفية على المألوف والسائد.
«كل كلمة أكتبها ليست كلمة. بل أثر ميتافيزيقي، ارتجاج لحظة عبرتني ثم استقرت في اللغة».
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
