منوعات / انا اصدق العلم

لماذا نحب أن نشعر بالخوف؟

لست الوحيد الذي يحب الخوف (الجيد). وفقًا للتقديرات ينفق الأمريكيون 500 مليون دولار سنويًا على رسوم دخول منازل الأشباح، لمجرد امتياز الشعور بالخوف. لا يقتصر الكثير من عشاق الرعب على الترفيه في موسم الرعب، بل يستهلكون أفلام الرعب والبرامج والكتب طوال العام.

بالنسبة إلى بعض الناس، قد يبدو هذا الانشغال بالرعب غير مفهوم. قائمة الأهوال الحقيقية لا تنتهي، فلماذا نسعى إلى الخوف المصطنع للترفيه في حين يقدم العالم الرعب (الحقيقي) بوفرة؟

بوصفي مختصًا في علم النفس التطوري وكاتب روايات رعب، أجد تقاطع علم النفس والخوف مثيرًا للاهتمام. لشرح ما يدفع هذا الافتتان بالخوف، أشير إلى النظرية القائلة بأن العواطف تطورت تجربةً عالمية لدى البشر لأنها تساعدنا على البقاء. قد يكون خلق الخوف في حياة آمنة بطريقة أخرى ممتعًا، وهو وسيلة للناس لممارسة الاستعداد للمخاطر الحقيقية في الحياة.

الخوف يشعرنا بالرضا:

توفر تجارب الخوف المتحكم فيها -إذ يمكنك النقر على جهاز التحكم من بعد أو إغلاق الكتاب أو الخروج من منزل الأشباح وقتما تشاء- التغير الفسيولوجي الذي يثيره الخوف، دون أي مخاطر حقيقية.

عندما تشعر بالتهديد، يرتفع مستوى الأدرينالين في جسمك وينشط استجابة (القتال أو الهروب) التطورية. يزداد معدل ضربات قلبك، وتتنفس أعمق وأسرع، ويرتفع ضغط دمك. يستعد جسمك للدفاع عن نفسه ضد الخطر، أو الابتعاد بأسرع ما يمكن.

هذا التفاعل الجسدي ضروري عند مواجهة تهديد حقيقي. عند تجربة الخوف المتحكم فيه -مثل صدمات الخوف المفاجئة في برنامج تلفزيوني- يمكنك الاستمتاع بهذا الإحساس المنشط، ما يشبه ارتفاع مستوى الأدرينالين لدى العدائين، دون أي مخاطر. ثم، فور التعامل مع التهديد، يطلق جسمك الناقل العصبي الدوبامين، الذي يوفر مشاعر المتعة والراحة.

في دراسة، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين زاروا منزلًا مسكونًا في تجربة خوف متحكم فيه، أظهروا نشاطًا أقل في الدماغ استجابةً للمحفزات، وانخفاضًا في القلق بعد التعرض.

يُشير هذا الاكتشاف إلى أن تعريض نفسك لأفلام الرعب أو القصص المخيفة أو ألعاب الفيديو المثيرة للتشويق قد يهدئك بالفعل بعد ذلك. قد يفسر التأثير أيضًا سبب اختيار زوجين الاسترخاء في أثناء مشاهدة برنامج عن الزومبي بعد يوم عمل شاق.

الروابط بيننا:

يمثل الشعور بالانتماء إلى مجموعة دافعًا أساسيًا لدى البشر. وفقًا للأطباء، فإن من يفتقدون هذه الروابط يقعون ضحية لوباء الوحدة، الذي يترك الأفراد عرضة لمخاطر صحية نفسية وجسدية.

المرور بتجارب الخوف الشديد معًا يعزز الروابط بين الأفراد. من الأمثلة الجيدة على ذلك قدامى المحاربين الذين خدموا معًا في المعارك، والناجون من الكوارث الطبيعية.

بوصفي رجل إطفاء متطوع، أعرف أن الرابط الفريد الذي يتشكل خلال مشاركة التهديدات الشديدة، مثل دخول مبنى محترق معًا، يتجلى في روابط عاطفية عميقة مع زملائي.

بعد عملية إطفاء كبيرة، نلاحظ غالبًا تحسن الروح المعنوية والرفقة في مركز الإطفاء. أشعر بفيض من المشاعر الإيجابية حين أفكر في زملائي في مجال الإطفاء، وإن كانت الأحداث قد وقعت قبل أشهر أو سنوات.

تخلق تجارب الخوف المتحكم فيها فرصًا مماثلة للترابط. لا يؤدي التعرض للإجهاد إلى استجابة القتال أو الهروب فحسب، بل إنه في العديد من المواقف يطلق أيضًا ما يسميه علماء النفس نظام الرعاية والترابط.

يدفع التهديد المتصور البشر إلى رعاية ذويهم وإقامة روابط اجتماعية عاطفية للحماية والراحة. ينظم هذا إلى حد بعيد ما يسمى هرمون الحب، الأوكسيتوسين.

من المرجح خصوصًا حدوث رد فعل الرعاية والترابط عندما تواجه الإجهاد مع أشخاص أقاموا بالفعل صلات اجتماعية إيجابية. عندما تواجه عوامل الضغط النفسي ضمن شبكتك الاجتماعية، ترتفع مستويات الأوكسيتوسين لديك لبدء استراتيجيات التأقلم الاجتماعي.

ً لذلك، عندما تتعامل مع تجربة خوف ترفيهية مثل منزل مسكون مع أصدقائك، فإنك تُمهد المسرح العاطفي للشعور بالارتباط بالأشخاص بجانبك.

الجلوس في الظلام مع الأصدقاء في أثناء مشاهدة مخيف، أو التنقل في متاهة مسكونة في أثناء موعد غرامي مفيد لصحتك، إذ يساعدك على تعزيز هذه الروابط الاجتماعية.

خير من العلاج:

قد تكون تجارب الخوف المتحكم فيها أيضًا وسيلة لإعداد نفسك للأسوأ. فكر في الأيام الأولى من جائحة كوفيد-19، عندما تصدرت أفلام العدوى والوباء منصات البث مع ملايين المشاهدات حول العالم. من خلال مشاهدة سيناريوهات التهديد تتكشف بطرق متحكم بها من خلال الوسائط، يمكنك التعرف على مخاوفك والاستعداد عاطفيًا للتهديدات المستقبلية.

أظهر الباحثون في جامعة آرهوس في في دراسة أن الأشخاص الذين يشاهدون القنوات المرعبة بانتظام كانوا أكثر مرونة نفسية في أثناء جائحة كوفيد-19 مقارنةً بمن لا يفضلون الرعب.

يقترح العلماء أن هذه المرونة قد تكون نتيجة نوع من التدريب الذي خضع له هؤلاء المعجبون، إذ مارسوا التعامل مع الخوف والقلق الذي يثيره شكل الترفيه المفضل لديهم. نتيجة لذلك، كانوا أكثر استعدادًا للتعامل مع الخوف الحقيقي الذي أثارته الجائحة.

يستمتع من يكتبون أدب الرعب برؤية مخاوفهم على الورق، إذ يلقى الأشرار جزاءهم العادل في . يمثل ذلك بالنسبة إليهم طريقة للتحكم في الأحداث. يمنح استهلاك هذه السرديات فرصة للتمرن عقليًا على كيفية التعامل مع هذه الظروف إذا ظهرت في الحياة الواقعية.

اقرأ أيضًا:

هل يعاني طفلي من نوبات ذعر ليلية؟

لغز علم النفس: هل ترسم جيناتك ملامح شخصيتك؟

ترجمة: محمد جمال

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا