اقتصاد / صحيفة الخليج

متهمة بالمتاجرة بالعملات لتمويل مديونيتها

د. محمد الصياد*

نلحظ حملة أمريكية على السوشيال ميديا، خصوصا منصة «X» (تويتر سابقا)، تُوجه فيها سهام الاتهام بصورة غير مباشرة، إلى الرسمية بالانغماس في عمليات واسعة النطاق في القطاع المصرفي العالمي، وصلت حد تسمية اليابان بأكبر تاجر عملة في العالم (Largest currency carry trader in the world). حيث تقود الحكومة اليابانية المؤسسات التابعة لها، بنك اليابان (المركزي)، والحكومات، المركزية والمحلية، والمؤسسات المالية المملوكة للحكومة، وصناديق التقاعد، تجارة عالمية للعملة، وقودها الاحتياطيات المصرفية اليابانية الضخمة التي تشكل 90% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان، والتي يجري استثمار 56% منها في أصول أجنبية توصف بأنها محفوفة بالمخاطر، بما في ذلك عدم التحوط من مخاطر تقلبات العملة التي يجري استثمار الاحتياطيات اليابانية في تجارتها، من خلال الاقتراض بالعملات ذات الفائدة المصرفية المنخفضة، واستخدام المال المقترَض للتو للاستثمار في عملة ذات فائدة أعلى. إذ يضم القطاع المالي في اليابان قاعدة عريضة من المودعين بالين، الذين يسعون إلى استثمار ودائعهم في الخارج لكسب عوائد أعلى. ما يخلق طلباً اصطناعياً على الاقتراض بالدولار، ما يزيد من سعر الدولار اصطناعياً فوق سعره النقدي الحقيقي.
فسعر الفائدة على الودائع في اليابان يكاد يلامس الصفر. حيث أبقى بنك اليابان على سعر الفائدة المصرفية لمدة سبعة عشر عاماً، عند نطاق الصفر، أو قريباً منه، سعياً منه لتحفيز التضخم في اقتصاد انكماشي، على أمل الحفاظ على نمو أقوى لأحد أكبر اقتصادات العالم. لكن البنك، بعد 17 سنة، قرر التخلي عن هذه السياسة لمصلحة دعم سعر صرف الين أمام العملات الأخرى، فقرر في أواخر شهر مارس/ آذار 2024، زيادة أسعار الفائدة قصيرة الأجل من 0.1% سالبة إلى 0-0.1%. ويوم الأربعاء، 31 يوليو 2024، عاد البنك ليرفع سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 0.25% من نطاق الصفر إلى نحو 0.1٪، بهدف الحد من انزلاق الين مقابل الدولار . واليكم الفرق بين سعر الفائدة على الودائع (بالين) في اليابان، وسعر الفائدة على الودائع (بالدولار) في الولايات المتحدة: وديعة 6 أشهر، وأكثر، لكن أقل من سنة، النسبة 5.30%، مقابل 0.20% في اليابان، ولوديعة سنة 5.20% مقابل 0.25%، ولسنتين 4.50% مقابل 0.35%، ولثلاث سنوات 4% مقابل 0.40%.
ويزعم بعض المتعاملين في أسواق المال والقطع الأجنبي في الولايات المتحدة، أن تجارة الين/الدولار هي السبب وراء رواج أسواق المال في أمريكا (أي رواج مصطنع). ويقدرون أن حجم تجارة العملة المنغمسة فيها اليابان، يبلغ 4 تريليونات دولار، بل إن بعض مصادر السوق تقول إن حجمها قد يكون أكبر، وإن كل شيء في طريقه إلى التفكك. وهم يلحظون توجيهاً حكومياً يابانياً للمؤسسات اليابانية لبيع أصولها الأجنبية، ومنها الأمريكية، والتي تشمل سندات الخزانة الأمريكية التي تتصدر اليابان قائمة الدول الأجنبية التي تحوزها، وشراء السندات الحكومية اليابانية عوضاً عنها. وهذا من شأنه زعزعة استقرار أسواق المال الأمريكية.
لكن هؤلاء يقرّون بوجود دور شريك لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في هذا الأمر. فقد أدت سياسته بالإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول مما توقعته الأسواق، إلى تفاقم الوضع من خلال الحفاظ على الفارق في أسعار الفائدة الذي يجعل تجارة العملة جذابة، ما قد يؤدي إلى إطالة أمد حالة عدم اليقين في السوق. ويشار هنا أيضاً إلى أن السياسة النقدية لبنك اليابان في الآونة الأخيرة، مرتبطة بجهود بنك اليابان لإدارة أسواق العملات والسندات، ما يؤثر في جهود أمريكا لجذب الاستثمار الأجنبي. إنما، من غير المنطقي بمكان، حصر الأسباب الكامنة المحتملة وراء التقلبات الحادة التي شهدتها السوق الأمريكية في الآونة الأخيرة (في شهري يوليو وأغسطس 2024)، وفي سياسة اليابان اللعب على فوارق العائد على الاستثمار بين العملات (الين والدولار تحديداً) لاستخدام العائد في دفع مستحقات مديونيتها، وهي الأكبر في العالم بمنسوب إجمالي الناتج. فتحركات السوق تتأثر عادة بعوامل متعددة، وعزوها إلى سبب واحد يعد تبسيطاً مخلّاً. فهناك تكامل تفاعلي معقد ومتعدد الأوجه بين عوامل تجارة العملة (استغلال الفارق في معدلات العائد بين العملات في أسواق العالم المختلفة)، والبيانات الاقتصادية، وسياسات البنوك المركزية، ومعنويات المستثمرين. لذلك من الحكمة أن يراقب المستثمرون عن كثب، كل المؤشرات الاقتصادية التقليدية، وكذلك توجهات البنوك المركزية التي تحتمل ضمن ما تحتمل، إمكانية تراجع سياسة تجارة الفارق في عوائد العملات، حيث يمكن أن يؤثر كل هذا بشكل كبير في استقرار السوق في الأشهر المقبلة.
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا