اقتصاد / صحيفة الخليج

إدارة الثروات في الخليج

فرنسوا فرج الله*

وفقًا لدراسة حديثة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية، من المتوقع أن تصل ثروات دول مجلس التعاون الخليجي إلى 3.5 تريليون دولار بحلول عام 2027. وتشهد المنطقة ارتفاعاً في فرص تكوين الثروات والنمو، بفضل تطوّر أسواق الأسهم. إضافة إلى ذلك، أفاد تقرير مراقبة الاكتتابات العامة العالمية لعام الذي أجرته شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، بأنّ المملكة العربية والإمارات العربية المتحدة كانتا ضمن أفضل 10 دول على مستوى العالم، من حيث عائدات الاكتتاب العام الأولي. وعلاوة على ذلك، يضم تصنيف معهد صناديق الثروة السيادية أربعة صناديق عاملة في دول مجلس التعاون الخليجي ضمن قائمة أكبر 10 صناديق للثروة السيادية في العالم.
ومع ترسيخ دول مجلس التعاون الخليجي مكانتها كمركز مالي دولي رئيسي، ومحور رائد لتكوين الثروات، زادت أهمية عبر حدودها لضمان انتقال الثروات بسلاسة وتحقيق النمو المستدام. وتعمل الحكومات على دمج الجوانب الاقتصادية، والمالية، والتكنولوجية، والتنظيمية، في هذه العملية التنسيقية. كما تجسّد المبادرات المختلفة مثل نظام الخليج العربي للتحويل المالي الآلي السريع للمدفوعات (آفاق) هذه الجهود، لا سيما مع مشاركة ، والسعودية، والبحرين، والكويت، وتوقّع انضمام عُمان وقطر قريباً.
تتبنّى الجهات التنظيمية في منطقة الخليج معايير عالمية لتعزيز استقرار قطاعَي البنوك والتأمين، بما في ذلك إطار بازل 3 لكفاية رأس المال. وقد أطلق البنك المركزي (ساما) أخيراً، إصلاحات بازل 3 للبنوك بشكل رسمي. وفي الوقت ذاته، طلبت سلطة دبي للخدمات المالية تعليقات الجمهور على اللوائح النهائية لتطبيق بازل 3 على الائتمان المصرفي، ومخاطر ائتمان الأطراف المقابلة.
وتتسارع مواءمة معايير الشريعة الإسلامية في المنطقة، ما يجعل التمويل الإسلامي متاحاً بشكل متزايد وجذاباً للمستثمرين العالميين. كما تعزّز الابتكارات في مجال التكنولوجيا المالية كلّاً من الكفاءة وإمكانية الوصول والشفافية، حيث تعمل تقنيات مثل البلوكشين والذكاء الاصطناعي على فتح آفاق جديدة للتعاون عبر الحدود.
وتعمل اللوائح المنسّقة على تبسيط إجراءات الامتثال وتقليل التكاليف التشغيلية، وتسهيل حركة المستثمرين عبر الأسواق الإقليمية. كما يسهم التنسيق التنظيمي المتزايد في تسهيل الاستثمارات العابرة للحدود، وزيادة السيولة، وترسيخ تكامل السوق. إضافة إلى ذلك، يعزّز التعاون الإقليمي وتبادل المعرفة من تحسين أفضل الممارسات وتحفيز الابتكار.
وعلى الرغم من التقدّم الملحوظ، لا يزال العديد من التحديات قائماً. فعدد كبير من الأطر التنظيمية في المنطقة يحتاج إلى توحيد وتماسك أكبر، ما يسبب تعقيداً في الإجراءات، وارتفاعاً في تكاليف الامتثال. كما تُعقد الاختلافات في الشريعة الإسلامية عملية توحيد منتجات التمويل الإسلامي. وإضافة إلى ذلك، تسهم المواقف الثقافية المتنوّعة تجاه إدارة الثروات والاستثمار في التأثير في قبول الممارسات المنسّقة وتنفيذها.
ولا يتوزع الانتشار السريع للبنية التحتية الرقمية وحلول التكنولوجيا المالية، في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، المتحدة بشكل متساوٍ على جميع دول مجلس التعاون الخليجي، ما يؤدي إلى تفاوت في جودة الخدمات وكفاءتها. إضافة إلى ذلك، يُعتبر ضمان وجود تدابير قوية للأمن السيبراني أمراً حيوياً، ولكنّه يواجه صعوبات، نظراً لاختلاف مستويات الابتكار التكنولوجي. كما أن النقص في المواهب، ولا سيما المتخصصين في مجال إدارة الثروات من ذوي الخبرة في التمويل التقليدي والإسلامي، يمثل تحديات إضافياً للمشهد.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي اختلاف مستويات القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي إلى الحدّ من فرص الاستثمار عبر الحدود وإعاقة تدفق رأس المال.
ومن المهم للغاية طلب المشورة المهنية من مديري الثروات الرائدين، الذين يتمتعون بخبرة دولية وعابرة للحدود. فهؤلاء المستشارون يتابعون عن كثب التغييرات التنظيمية وجهود التنسيق في دول مجلس التعاون الخليجي، ويحرصون على الاطلاع على آخر التحديثات من الهيئات التنظيمية، مثل البنك المركزي السعودي، ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي. كما يمكن للخبراء القانونيين والماليين المتخصصين في أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي والشريعة الإسلامية، ضمان الامتثال وتقديم التوجيه المطلوب.
ويمكن للبنوك الخاصة استخدام شبكاتها العالمية لتسهيل إدارة الثروات بفعالية عبر المنطقة. كما يمكن للمستشارين توفير الوصول إلى حلول التكنولوجيا المالية التي تعزز كفاءة إدارة الثروات، مثل منصات الخدمات المصرفية الرقمية، والمستشارين الآليين، وتقنية البلوكشين للمعاملات الآمنة، مع ضمان تنفيذ تدابير أمنية قوية لحماية الأصول.
ويلعب متخصصو إدارة الثروات دوراً رئيسياً في مساعدة الأفراد ذوي الثروات العالية والمكاتب العائلية على متابعة التغيرات التنظيمية والتعامل مع التبعيات الاقتصادية. ومن خلال تمكين الأفراد ذوي الثروات العالية من تحقيق أهدافهم المالية وضمان الحفاظ على الثروة للأجيال المقبلة، فضلاً عن تعزيز دورهم الرائد في الازدهار الاقتصادي، يسهم هؤلاء المتخصصون بشكل كبير في تحقيق النمو والاستقرار الشامل للمنطقة.
ويقدّم مسار عملية التنسيق عبر دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة متنوّعة من الفرص والتحديات. ومن خلال التخطيط الاستراتيجي، واتخاذ القرارات المستنيرة، والاستفادة من خبرات المتخصصين المتمرّسين في إدارة الثروات، تستعد المنطقة لترسيخ مكانتها كمركز عالمي رائد لإدارة الثروات.
*رئيس منطقة الشرق الأوسط في بنك «إي إف جي إنترناشيونال»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا