اقتصاد / ارقام

قبل الانتخابات الأمريكية .. كيف يتحكم رأس المال في صناعة قرار أقوى دولة بالعالم؟

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

يجلس "مايكل كورليوني" زعيم المافيا الأمريكية الإيطالية في مكتبه، يستمع بثقة وملامح هادئة لتهديدات عضو مجلس الشيوخ -الفاسد - والذي يطلب الحصول على حصة كبيرة من أرباح العصابة، قبل أن يمنحه مهلة للرد ودفع المال حتى ظهيرة اليوم التالي.

 

ينتهي السيناتور من حديثه الممزوج بلغة جسد لم تخلُ من رسائل التحذير والشعور بالاستحقاق والفوقية، ثم يلتف ليخرج مباشرة، قبل أن يستوقفه "كورليوني" قائلاً: "سيناتور! يمكنك أن تحصل على ردي إذا أردت الآن".

 

يبتسم السيناتور تعبيرًا عن انتصار لم يتحقق سوى في خياله فقط، اعتقادًا منه أن زعم المافيا سيرضخ لرغباته، لكنه تفاجأ بـ "كورليوني" يقول له بنفس النبرة الهادئة والملامح الساكنة: "عرضي الأخير لك هو، لا شيء، ولا حتى رسوم رخصة المقامرة".

 

 

كان هذا واحداً من أشهر الحوارات في "الأب الروحي"، وكان رد "كورليوني" الأخير هو الاقتباس المفضل لرجل الأعمال الأمريكي وقائد جماعات الضغط السابق "جاك أبراموف"، والذي كثيرًا ما ردده على مسامع معاونيه عند التخطيط للضغط على المشرعين.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والأخبار عن الانتخابات الأمريكية 2024

 

ظاهريًا، لم يكن "جاك أبراموف" - وهو أيضًا كاتب ومنتج أفلام – مجرمًا، لكنه لم يتمكن من أداء دور البريء طويلًا، ففي عام 2005 انكشف فساده من خلال ما بات يُعرف الآن بفضيحة "الضغط على الهنود الحمر"، والتي اعتُبرت أكبر فضيحة ضغط سياسي منذ أجيال.

 

وفي هذه الفضيحة، أدين "أبراموف" بالاحتيال على قبائل السكان الأصليين في مبالغ كبيرة من المال، والتي أعاد توجيه جزء منها بشكل غير قانوني إلى المسؤولين والمشرعين من أجل دعم التشريعات والإجراءات التي تصب في صالح أعماله، وتورط معه مسؤولون بالبيت الأبيض ومجلس النواب.

 

لفترة طويلة، كانت فكرة الشركة التي تهيمن على صناعة القرار الأمريكي عبر "الأموال الفاسدة"، محور اهتمام هوليوود، مثل فيلم "لا تنظروا إلى السماء- Don't Look Up" أو حتى سلسلة "الشر المقيم- Resident Evil"، وفي هذين الفيلمين تُقاد البشرية في إلى الانقراض تقريبًا.

 

لكن تكرار هذه الفكرة – بمختلف أشكالها – في الأعمال الدرامية الأمريكية، لم يكن وليد الصدفة أو الخيال المطلق، حيث تُعد أعمال الضغط والإنفاق عليها حقًا دستوريًا، ما يفتح الباب للتساؤل باستمرار حول إمكانية التحكم في المشرِّعين وصناع القرار لصالح حفنة من أصحاب رأس المال.

 

وفي حين تُظهر فضيحة "أبراموف" الوجه المظلم لممارسات الضغط السياسي في العصر الحديث، ففي الحقيقة، تعود جذور هذه الممارسات إلى تاريخ طويل يمتد إلى القرن الثامن عشر.

 

 

فلسفة الضغط وأصولها

 

- كانت أعمال الضغط جزءًا أصيلًا في السياسة الأمريكية منذ تأسيس الولايات المتحدة كدولة مستقلة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ولكن هناك حدوداً، حيث بذلت الحكومات على مر الزمان جهودًا كبيرة لتنظيمها وجعلها أكثر شفافية.

 

- على النقيض من الأسطورة السائدة في واشنطن العاصمة، لم يُصاغ مصطلح "الضغط السياسي" أو "Lobbying"، من قِبَل الساعين إلى الحصول على التأييد السياسي في القرن التاسع عشر، وإنما يعود تاريخ استخدامه إلى أربعينيات القرن السابع عشر، عندما احتضنت ردهات "Lobbies" البرلمان البريطاني المشاحنات السياسية.

 

- كانت جماعات الضغط موجودة بشكل غير رسمي في البداية، وفي عام 1792، سُجلت حالة استعانة بجماعة ضغط، من قبل قدامى المحاربين الذين أرادوا الضغط على الكونجرس من أجل الحصول على تعويضات إضافية.

 

- بدأت كلمة "الضغط السياسي" تظهر في المطبوعات لأول مرة في إشارة إلى القضايا السياسية في ولاية أوهايو في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، لكن بعد فترة وجيزة، استُخدم المصطلح على نطاق أوسع ليشمل كل أولئك الذين تحدثوا إلى المشرعين دفاعًا عن مصالح خاصة.

 

- في خمسينيات ذلك القرن، منح "صامويل كولت"، صانع الأسلحة الشهير، البنادق كهدايا للمشرعين وأسرهم، كجزء من محاولة لتمديد براءة اختراع، وبحلول السبعينيات من نفس القرن كانت أعمال الضغط السياسي في أوجها، وأصبح "سام وارد" يُعرف باسم "ملك الضغط السياسي" بلا منازع.

 

- كان "وارد" رائداً في جهود "الضغط الاجتماعي"، حيث أبهر أعضاء الكونجرس بالحفلات الفاخرة والمحادثات التي نجحت في نهاية المطاف في إقناعهم بالانضمام إلى صفه، لكن في عام 1875، أدين "وارد" بالرشوة واعترف بالتهم.

 

 

هل يهدد الديمقراطية؟

 

- في القرن العشرين، بدأت الولايات المتحدة في صياغة التشريعات ذات الصلة بأعمال الضغط، بما في ذلك تلك التي تسمح للجهات الأجنبية بممارسة الضغط السياسي، لكن بشكل علني، وتشريع يلزم جميع مجموعات الضغط بالتسجيل لدى الحكومة.

 

- في تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، أصبح "أبراموف" مثل "وارد"، أحد أقوى قادة جماعات الضغط، لكن فضيحته تسببت في تدقيق واسع بأعمال وقوانين جماعات الضغط، وأقر الكونجرس قانونًا يتطلب تقديم تقارير عن أنشطة الضغط مع تشديد القيود على الهدايا المقدمة للنواب.

 

- كما أعلن "باراك أوباما" خلال حملته الرئاسية عام 2008 أنه لن يقبل تبرعات من جماعات الضغط المسجلة على المستوى الفيدرالي، وبعد توليه منصبه عام 2009، حظر على ممارسي الضغط العمل في أي وكالة استهدفوها خلال آخر عامين.

 

- بعد خروجه من السجن، قال "أبراموف" في عام 2011 إن الإصلاحات الأخلاقية التي وُضعت منذ الفضيحة التي تورط فيها "لم تنظف النظام"، ولم يكن لها تأثير يذكر فيما ظلت تمويلات الحملات الانتخابية دون مساس.

 

- أكد أيضًا أن جماعات الضغط يمكنها إيجاد طريقة للالتفاف على أي إصلاح يسنُّه الكونجرس، قائلًا:"هناك غطرسة من جانب جماعات الضغط، وبالتأكيد كانت من جانبي، لكن بغض النظر عما توصلوا إليه، فنحن أذكى منهم، وسنجد طريقة أخرى".

 

- وصف "أبراموف"، الذي سعى لبناء إمبراطورية أعمال خاصة به، بعض الأساليب التي استخدمها بأنها "شريرة" و"رهيبة"، لكنها كانت "فعّالة" بالنسبة لشركته وعملائه والسياسيين الجمهوريين الذين كان يعمل معهم عادة.

 

 

كيف تنفق الشركات على الضغط؟

 

- منذ بلغ الإنفاق على الضغط السياسي ذروته في عام 2010 عند 3.55 مليار دولار، كان في انخفاض بطيء، حتى وصل إلى 3.16 مليار دولار بحلول عام 2016، كما انخفض عدد جماعات الضغط المسجلة إلى 11.2 ألف من 14.8 ألف في عام 2007.

 

- ردًا على القواعد الأكثر صرامة من قبل إدارة "أوباما"، والتباطؤ الاقتصادي، وسّعت مجموعات الضغط عملياتها للتركيز على تكتيكات مثل الجهود الشعبية وحملات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أنشطة العلاقات العامة واستطلاعات الرأي التي لا يجب الكشف عنها، وعاد الإنفاق للنمو مجددًا.

 

تطور الإنفاق على الضغط السياسي في أمريكا وعدد المجموعات المسجلة

العام

إجمالي الإنفاق

(مليار دولار)

عدد المجموعات

(ألف)

2005

2.43

14.1

2006

2.62

14.5

2007

2.87

14.8

2008

3.30

14.1

2009

3.49

13.7

2010

3.50

12.9

2011

3.31

12.6

2012

3.30

12.2

2013

3.24

12.1

2014

3.26

11.8

2015

3.23

11.5

2016

3.16

11.2

2017

3.38

11.6

2018

3.46

11.7

2019

3.51

11.9

2020

5.53

11.5

2021

3.78

12.2

2022

4.11

12.7

2023

4.27

12.9

2024*

2.21

12.2

* تتضمن بيانات عام 2024، إنفاق جماعات الضغط السياسي في أمريكا خلال أول 6 أشهر من العام فقط.

 

- قبل سبعينيات القرن العشرين، لم يكن لدى الشركات الأمريكية (باستثناء عدد قليل منها) جماعات ضغط خاصة بها، ولم تُبدِ الجمعيات والاتحادات التجارية اهتمامًا، لكن على مدى العقود القليلة الماضية، تعلمت الشركات الكبرى كيف تتفادى مخاطر السياسيين.

 

- الآن تخصص الشركات موارد هائلة للسياسة، وتعمل على نطاق واسع على إعادة توجيه وتقييد قدرات النظام السياسي بشكل متزايد، وهو ما يرى خبراء السياسة أن نتيجته ستكون "ديمقراطية غير قادرة على معالجة المشاكل واسعة النطاق" و"اقتصاد سياسي يكافئ كثيرًا جهود الضغط بدلًا من الإبداع".

 

إنفاق القطاعات والشركات على الضغط السياسي في

القطاع

 

حجم الإنفاق

(مليون دولار)

 

الشركة/ المؤسسة

 

حجم الإنفاق

(مليون دولار)

المنتجات الطبية

 

379

 

الأمريكية

 

70

صناعة الإلكترونيات

 

238

 

الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين

 

52

التأمين

 

157

 

اتحاد المستشفيات الأمريكية

 

30

الاستثمار

 

144

 

اتحاد "بلو كروس بلو شيلد" لشركات التأمين الصحي

 

29

النقل الجوي

 

137

 

رابطة شركات الأبحاث والصناعات الصيدلانية

 

28

الضيافة

 

131

 

الجمعية الطبية الأمريكية

 

21

النفط والغاز

 

129

 

أمازون

 

20

مرافق الكهرباء

 

127

 

رابطة قادة الأعمال "بزنس راوند تيبول"

 

20

الخدمات الصحية

 

127

 

ميتا

 

19

التصنيع والتوزيع

 

120

 

جمعية الاتصالات الخلوية "سي تي آي إيه"

 

17

 

- واحدة من أشهر منظمات الضغط في الولايات المتحدة هي رابطة البنادق الوطنية "NRA"، التي تمارس الضغط على المشرعين لصالح حقوق الأسلحة، ومع ذلك، لم تنفق سوى 1.23 مليون دولار على نشاط الضغط في عام 2020.

 

- في كثير من الأحيان، يقع الاختيار على المحامين والمسؤولين الحكوميين السابقين لقيادة جماعات الضغط، لأنهم يعرفون كيف تعمل الحكومة ولديهم بالفعل داخل دوائرها.

 

- ممارسة الضغط، بتعريفه كـ "جهد لحث الحكومة على اتخاذ إجراءات سياسية عامة"، هو نشاط مكفول بموجب الأمريكي الذي ينص في تعديله الأول على "الحق في التماس الحكومة من أجل الإنصاف ورد المظالم".

 

- يترجم كثيرون ذلك إلى "الحق في الضغط السياسي"، مع ذلك، فإن استخدام الأبواب الخلفية لتمرير الأموال والهدايا قد يفسد هذا الحق في كثير من الأحيان، أو يساهم في تحقيق مصالح مجموعة مختارة على حساب المصلحة العامة للمواطنين.

 

كيف يستفيد المساهمون؟

 

- يمكن لعمليات الضغط، سواء كانت قانونية أو غير قانونية، أن تجنِّب الشركات تشريعات أو قرارات حكومية قد تتسبب في ارتفاع التكاليف عليها أو الحد من مكاسبها، كما يمكن أن تدفع نحو تمرير إجراءات أخرى تعزز عملياتها.

 

- على سبيل المثال، سعى الاحتياطي الفيدرالي منذ العام الماضي إلى فرض زيادة في متطلبات رأس مال البنوك الأمريكية الكبيرة قدرها 19%، ما أثار موجة غضب في القطاع المصرفي بأكمله، والذي قاد حملة ضغط شرسة لتعديل الإجراء.

 

- بلغ عدد مجموعات الضغط التي تعمل لصالح البنوك 486 مجموعة فيدرالية في نهاية 2023، وهو أعلى مستوى منذ الأزمة المالية، وفي الربع الثاني من 2024، نما إنفاق أكبر 30 بنكًا على الضغط بنسبة 19% على أساس سنوي.

 

- في نهاية المطاف، رضخ الفيدرالي لضغوط البنوك، وجنَّب نفسه معركة قانونية طويلة الأمد هددت الصناعة بإشعالها، حيث أعلن خفض هذه المتطلبات بأكثر من النصف، في خطوة توفر على المقرضين مليارات الدولارات مقارنة بالمقترح الأولي.

 

 

- ربط باحثون في 3 جامعات أمريكية بين ارتفاع قيم الشركات وأنشطة الضغط، وقالوا إن ثروة المساهمين في القطاع المالي يمكن أن تنمو من خلال تحسن النتائج القانونية، وأظهرت دراستهم أن الشركات التي تمارس الضغط تحقق أسهمها عوائد قوية على المدى الطويل.

 

- قال الباحثون إن ممارسة الضغط السياسي تقلل احتمالية رفع دعاوى قضائية جماعية فيدرالية ضد المؤسسات المالية، كما أن الشركات التي تمارس الضغط تحظى باحتمالات أعلى لرفض الدعاوى، ويُفرض عليها ​مبالغ تسوية أقل بكثير، وعادة، بعد وقت قصير من بدء التقاضي، تشهد عوائد أعلى بكثير مقارنة بغيرها.

 

- من النماذج المثيرة للاهتمام؛ فوز "أورا سيلا" التي تقود جهود الضغط الخاصة بشركة "ميتا" في أوروبا، بمقعد في البرلمان الفنلندي العام الماضي، وأيضًا شركة "جرينسيل كابيتال" التي استعانت برئيس الوزراء البريطاني السابق "ديفيد كاميرون" كمستشار لها مقابل عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية قبل أن تنهار.

 

- أحيانًا، قد يكون من الحكمة الاستثمار مبكرًا في مصالح الشركات والمليارديرات، وذلك عن طريق دعم المرشحين السياسيين المقربين على المستوى الشخصي أو الفكري بالمال (وهو أيضًا أمر مقبول قانونًا).

 

- الآن، ونحن على بُعد أسابيع قليلة من انعقاد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تتسابق الشركات والقطاعات وقادة الأعمال لدعم مرشحها المفضل، أملًا في مستقبل أفضل بالنسبة لها، لكن هل سيكون ذلك جيداً لغيرها؟

 

المصادر: أرقام- سي إن إن- واشنطن بوست- منظمة "أوبن سيكرتس"- كتاب "كونجرس: الفرع الأول- Congress: The First Branch"- موقع جامعة ييل- ستاتيستا- إنفستوبيديا- رويترز- بلومبرج- فايننشال تايمز- قاعدة بيانات "ساينس دايركت"، ورقة بحثية بعنوان " Financial industry lobbying and shareholder litigation outcomes"- الجارديان- بولتيكيو

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا